الدراما المصرية والمعادلة الصعبة.. روشتة التوازن بين الصناعة والتجارة
تعد الدراما" وسيلة من وسائل التعبير الفني والتأثير وقد تكون الأقوى من بين العديد من هذه الوسائل؛ إذ تتعدد صورها من مسلسلات تليفزيونية وإذاعية إلى أفلام وأعمال فنية مسجلة وغيرها، من الأعمال التي تحاكي الواقع في صورة قصص تستهوي وتؤثر في المجتمع، قد ترفع ذائقته الفنية, أو تنقص منها ، وإدراكا لأهمية الدراما في المجتمع ، جاء توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية بضرورة صياغة أعمال درامية تحافظ على الذوق العام للمصريين ، وكذلك تأكيد سيادته على دور الفن في تشكيل الشخصية المصرية، والمطالبة في الوقت نفسه بمراجعة ما يقدم للجمهور .
وقد أجمع نقاد ومؤلفون ودعاة - في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)،على امتلاك الساحة الفنية في مصر كل المقومات لتقديم دراما ناجحة تجمع ما بين ترسيخ القيم ونقل مشاهد صادقة عن الواقع إلى جانب جذب الجمهور والمشاهدين في الوقت نفسه ، ورأوا أن الدراما المصرية حملت العديد من تلك التجارب الناجحة على مدى عقود، مشددين على ضرورة عدم الانزلاق نحو تقديم نماذج نادرة في الواقع، وتصويرها على أنها تمثل المجتمع المصري كما حدث في بعض الأعمال الدرامية هذا العام والتي انزلقت في مشاهد القتل والبلطجة واستخدام جمل وعبارات خادشة وغيرها من التجاوزات .
واتفق النقاد والمؤلفون مع ما ذهب إليه الرئيس عبد الفتاج السيسي بأن دور الفن والإعلام مهم جدا في تشكيل الشخصية المصرية والذوق العام، ومطالبته بمراجعة ما يقدم للجمهور المصري .
وسبق أن تحدث الرئيس السيسي عن دور الدولة المصرية حينما كانت تساهم في الدراما وكان هناك إنتاج تلفزيوني للدولة، وأهداف وضعها متخصصون من أساتذة الجامعات المتخصصين في الإعلام وعلم النفس والاجتماع، ويدركون ماهية وتعريف كلمة مجتمع وصياغته، مضيفا أنه حدثت تطورات خلال الأربعين عاما الأخيرة وزادت الأعباء على تليفزيون الدولة فبات غير قادر على القيام بهذا الدور .
وقال السيسي إن الموضوع تحول من صناعة إلى تجارة مع الوضع فى الاعتبار أنه من الممكن تحقيق أرباح لو كانت الأعمال جيدة، مضيفا أنه يخشى على الذوق العام للمصريين .
وقال الناقد الفني الهامي سمير إن الدراما تحتاج لمجموعة من التفاصيل منها أولا عدم فرض أي شئ على صاحب العمل وأن يقدم رؤيته والطرح الخاص به وبعد ذلك يجري تقييم التجربة ونقول ما لها وما عليها، مشيرا إلى أنه ضد وضع قيود أو خطوط معينة لصناع الفن.
وتابع :"المشكلة لدينا هو أننا أثناء تقديم أي تجربة تكون المعالجة إما في أقصى اليمين أو أقصى اليسار، وعلى سبيل المثال عندما نقدم عملا شعبيا، يقوم صناع العمل بتقليد عمل شعبي تم تقديمه من قبل واستنساخه بالكامل" .
وأضاف إلهامي: "وعندما تسأل صاحب هذا العمل ما السبب فيما قدمته يقول إن هذه الشخصيات موجودة بالفعل في أماكن لا يعرفها سواه، على الرغم من أننا يجب أن ندرك أن الفن هو محاكاة للواقع وليس نقل للواقع، هنا دورنا كمخرجين ومؤلفين أن نقدم تجربة تحاكي الواقع فقط، لماذا لا نقدم الأعمال بالصورة المعتدلة وبعيدا عن الفجاجة" .
ولفت إلى أن صناع الأعمال الذين يقولون إنهم ينقلون الواقع يتعرضون لخسارة قطاع كبير من الجمهور لأنه ينبغي أن يراعوا الفئة العمرية والمجتمعية التي ستشاهدهم، وقديما كنا نقدم أعمالا شعبية لم يخجل منها المجتمع، وهل هذا يعني أن المجتمع قديما كان مجتمعا ملائكيا؟، الإجابة هي ما قلته سابقا هو أن الفن يحاكي الواقع ولا ينقله .
ويرى إلهامي سمير أن بعض صناع الأعمال الفنية يقصدون فكرة التريند وأن يتناول الجمهور أعمالهم على وسائل التواصل الاجتماعي لكي يصبحوا مادة للسخرية ويعتقدون أن هذا نجاح .
وعلى العكس من فكرة الألفاظ الخارجة وغيرها، هناك من يقدم أعمالا تظهر المجتمع بأنه ملائكي ولا يوجد به أي شئ خاطئ، وهو في النهاية أيضا طرح خاطئ لا معنى له، المهم هو كيفية تقديم التجربة وأن نسلط الضوء للمسئولين على المشاكل التي يعاني منها المجتمع ولكن بطريقة احترافية .
وأشار أنه منذ فترة كنا نعاني من فكرة المط والتطويل لكن حاليا شاهدنا مجموعة كبيرة من الأعمال التي تكونت من 15 حلقة، وحققت نجاحا قويا، ولكن المقصود هنا هو ألا نختصر الدراما في الـ15 حلقة فقط، من الممكن أن نقدم عملا يتكون من 17 حلقة أو 20 حلقة عندما تنتهي الدراما ينتهي العمل.
ويقول السيناريست محمد الغيطي إنه منذ بداية التلفزيون في بداية الستينيات وجمهور الوطن العربي نشأ وتربى على المسلسل والدراما المصرية وظل هذا الحال ساريا حتى ما قبل ثورة يناير وما يسمى بالربيع العربي بداية العقد الثاني من القرن الحالي.
وأضاف أن الحكومات المصرية كانت لديها وزارة للإعلام قبل ثورة يناير مهمتها تضع خططا واستراتيجيات للإنتاج الدرامي طوال العام وأيضا طوال شهر رمضان، وتصور عام للانتاج تلتزم فيه بمعايير الاحتياج والرسالة الوطنية والاجتماعية فكنت تجد تغطية لكل الأنواع الدرامية مثل التاريخي والديني والسير الذاتية والدراما الاستعراضية والفوازير والأطفال مع الدراما الاجتماعية والكوميدية.
وأشار الغيطي إلى أن علاج الدراما في الفترة القادمة يحتاج إلى التنوع في مصادر الإنتاج والجهات القادرة على ذلك تتمثل في قطاع الإنتاج بماسبيرو وصوت القاهرة ومدينة الإنتاج الاعلامي بخلاف شركات القطاع الخاص.
وأوضح أنه يوجد بدائل لفوضى الدراما الخاصة بالعنف والبلطجة بالفن المصري، وهي بدائل أهملت بفعل التشدد، مثل الدراما (الرومانسية والتاريخية والوثائقية) التي تعتني بالحضارات والتاريخ الإنساني، وكذلك تقديم الحب وأبطال الرومانسية كقدوة للشباب، مما يعيد صورة المواطن المحب مرة أخرى للشارع.
وأثنت الدكتورة راند رزق، أمين عام المجلس العربي للمسؤولية المجتمعية ورئيس قسم الإعلام التربوي بجامعة القاهرة، على توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن تجنب الأعمال المبتذلة والتركيز على الدراما الهادفة، مشيرة إلى أن الرئيس سبق أن أكد أن "الدراما هي أقرب ضيف يدخل كل بيت دون استئذان"، مما يعكس دورها الكبير في إعادة الوعي المجتمعي.
وأضافت أن هذه التوجيهات دفعت الإعلام التربوي في الجامعات إلى التركيز على إنتاج أعمال تتماشى مع رؤية الدولة، حيث تم ربط مبادرات "مصر بلا غارمات" و"بداية" الخاصة ببناء الإنسان مع المحتوى الثقافي والإعلامي التربوي .
وأوضحت أن الدراما المصرية هذا العام شهدت ارتفاعًا في نسبة الأعمال العائلية التي ظهرت على الشاشة، حتى مع تناولها لقضايا المناطق العشوائية، فقد تمت معالجتها برقي ونعومة وذكاء، مما أعاد إلى الأذهان "الدراما الناعمة" التي ميزت الستينيات، حيث تم تقديم صورة للمجتمع بمستوى حضاري ومتوازن، حتى في الطبقات المتوسطة والاقتصاديات المحدودة .
وأضافت أن الدراما المصرية نجحت بنسبة 70% هذا العام، حيث قل مستوى التدخين والترويج للمخدرات، كما تم التعامل بجرأة وذكاء مع القضايا المجتمعية الشائكة التي كانت تُعتبر من التابوهات، مؤكدة أن هذا الاتجاه يعكس وعيًا بأهمية مناقشة القضايا الحساسة دون إثارة وصمة اجتماعية .
وأعربت الدكتورة راند عن تفاؤلها بمستقبل الدراما المصرية، مشيدة باهتمام الرئيس السيسي بالمحتوى الإعلامي، ليس فقط من منطلق المسؤولية المجتمعية، بل أيضًا لدعم الإبداع، مؤكدة أن الدراما المصرية قادرة على أن تصبح وسيلة ترويجية قوية لمصر، ليس فقط بتصوير الطبيعة كما هي، بل من خلال تقديم رؤية فنية تعكس جمال الواقع بأسلوب إبداعي ومؤثر .
بدوره ، أشاد فضيلة الشيخ كمال الاهواني ، كبير أئمة القاهرة الكبرى ، بقرار السيد رئيس الجمهورية بضرورة صياغة أعمال درامية تخاطب الواقع، وتقدم نماذج وظواهر إيجابية في وطننا العزيز، مبيناً أن هذا التوجيه يأتي إدراكا من جانب السيد الرئيس وحرصه على ضرورة الارتقاء بالذوق العام، وكذلك من باب المسؤولية، إذ يقول الرسول صلّى اللّه عليه وسلم في الحديث " كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته".
وطالب الشيخ الاهواني ، في تصريح لوكالة أنباء الشرق الاوسط، بأن ننتج أعمالا درامية تنقل صورا إيجابية تعزز الهوية وتنمي حب الوطن، وصورا لأبطال القوات المسلحة ورجال الشرطة والنماذج المشرفة المؤثرة في الوطن .
وأشار إلى أن الأعمال الدرامية تدخل كل منزل وتلقى نسب مشاهدة عالية، وهدفها بالأساس بث دعوات إيجابية للناس تبعث على السرور والتفاؤل والمحبة والخير، وأرى أنها، وان جاز التعبير، باب من أبواب الدعوة، خاصة إذا ركزت على ما أشرت إليه من قيم نبيلة تنشرها في المجتمع من خلال أعمال تسلط الضوء على قيم الحياء والصبر والتضحية وبرالوالدين وحب الاوطان، يقول ربنا عز وجل في محكم التنزيل " ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة".
وشدد الشيخ الاهواني على أن الفن والإبداع يحملان رسالة سامية لها دور كبير في نشر القيم والأخلاق والفضيلة وحب الوطن وشرف الدفاع عنه ، وقال " نريد أعمالا درامية تبحث وتغوص في جذورنا وثقافتنا الثرية تقدم لنا الثمين منها في المجالات الدينية والاجتماعية والاقتصادية ونشر بطولات جيشنا وأبنائه ، لا دراما تحاول تغريبنا في مجتمعنا".
ولفت إلى أن الدراما والإعلام بصفة عامة يجب أن يكونوا مساعدين للدولة في بناء الوعي وتعزيز الالفة والتلاحم والاتحاد بين أبناء وطننا العزيز، يقول الله سبحانه وتعالى" و اعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا"
يذكر أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز، قد قرر إعادة تشكيل لجنة الدراما، برئاسة الكاتبة والناقدة الفنية ماجدة موريس .
ووفقا لقرار المجلس تختص اللجنة بمتابعة ودراسة ورصد الأعمال الدرامية التي تعرض في وسائل الإعلام، وإعداد تقرير بهذه الدراسة، وفحص المخالفات التي يجري رصدها .
ونص القرار على أن تقوم اللجنة بالتحقق من ثبوت المخالفات واقتراح القرار المناسب لها، ومتابعة الالتزام بتطبيق المعايير والأعراف المكتوبة الصادرة عن المجلس بقرار رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 62 لسنة 2019 .
ويأتي ذلك القرار بعد ساعات قليلة من قرار أصدره رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولي، بتشكيل مجموعة عمل تعنى بوضع رؤية مستقبلية للإعلام والدراما، وضبط الأعمال الدرامية، تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي .
وجاءت تلك الخطوات على خلفية تعليقات رصدت على الأعمال الدرامية المعروضة خلال شهر رمضان وأنها لا تعبر عن المعدن الحقيقي للمجتمع ولا الواقع المصري .
وتضم مجموعة العمل خبراء ومتخصصين وأساتذة إعلام وشركات الإعلام بمن فيهم الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بهدف الوصول لرؤية شاملة من شأنها أن تعزز الهوية المصرية وتضمن عدم التقييد لحرية الفكر والإبداع