بقلـم: د. أيمن عيد الحجار
من أهل الفضل والدين والعلم، وعلمه الذى سبق فيه علم الطب، وله فيه كتاب كبير مشهور كثير الفائدة، سماه كتاب (التصريف لمن عجز عن التأليف) ذكره أبو محمد على بن أحمد وأثنى عليه، وقال: ولئن قلنا: إنه لم يؤلف فى الطب أجمع منه للقول والعمل فى الطبائع والجبر لنصدقن. وقد مات بالأندلس بعد عام أربعمائة من الهجرة. وهو صاحب المقولة المشهورة: «من لا يبرع فى التشريح لابد أن يقع فى خطأ قد يؤدى بحياة المريض».
وذكرت دائرة المعارف الإسلامية بأن أبا القاسم الزهراوى أحد أعلام الجراحة الطبية البارزين، الذين كانت لهم الخبرة الواسعة فى معلوماتها وتطبيقاتها وكان علم الجراحة قبل ظهوره من العلوم الممتهنة، حتى كان الأطباء يترفعون عن أداء بعض المهام ويكلونها إلى الحجامين، والحلاقين، ويقتصرون على الإشراف والتوجيه، وكانوا يسمون مهمته: (بعمل اليد) وقد أشار الزهراوى رحمه الله إلى ذلك بقوله: «رأيت أن أكمله لكم بهذه المقالة التى هى جزء من العمل باليد، لأن العمل باليد مخسة فى بلادنا، وفى زماننا معدوم البتة حتى كاد أن يندرس عمله وينقطع أثره».
وتشير المصادر أنه قد توصَّل إلى استخراج الحصاة من المثانة أو تفتيتها، وإجراء عمليات فى العين، فضلًا عن بقية أفراد عائلة زهر التى اشتهرت بالطب رجالًا ونساءً.
كما كان له إسهام آخر فى علم الزراعة : فقد عرف فى العصور الوسطى باسم «البوكاسس»، بأنه مؤلف خلاصة وافية عن علم الزراعة تحت اسم «مختصر كتاب الفلاحة»، الذى اكتشفه البروفيسور هـ. بيريز.
يقول الدكتور محمود الحاج قاسم فى كتابه (الطب عند العرب والمسلمين): «اعتبر الزهراوى بحق أول من فرق بين الجراحة وغيرها من المواضيع الطبية». كما يقول الدكتور عبد العظيم الديب: إن «عظمة الزهراوى تكمن حقًا فى أنه أول من عنى بالجراحة وجعلها فرعًا مستقلا».
ويذكر الدكتور محمد الشنقيطى فى كتابه أحكام الجراحة: أنه ما إن ظهر كتابه «التصريف» حتى احتل علم الجراحة الصدارة بين الفروع والعلوم الطبية الأخرى، وكان لمؤلفه الزهراوى فضل السبق إلى إحيائه بعد أن كاد أن يدرس رسمه، وينقطع أثره، وقال الشيخ أحمد بن محمد المقرى رحمه الله: «وكتاب التصريف لأبى القاسم خلف بن عياش الزهراوي، وقد أدركناه وشاهدناه، ولئن قلنا: إنه لم يؤلف فى الطب أجمع منه، ولا أحسن للقول، والعمل فى الطبائع لنصدقن».
ثم يدلل قائلا: إن الحديث عن هذا العَلَم الإسلامي، وذكر نماذج من إسهاماته فى علم الجراحة الطبية ليس هو من باب التعصب لعالم عربى ولكنه من باب المعرفة أولاً، ثم من باب إظهار فضل ذى الفضل، لكى يعرف بفضله فينصف بإعطائه قدره، وحقه خاصة إذا جحد الأعداء ذلك الفضل، وغمطوه حقه.
وقد كان للزهراوى رحمه الله إلمام كبير بعلم الجراحة الطبية لم يقف عند معرفته لما سبقه إليه غيره من علماء الطب وحُذَّاقه، بل تعدى ذلك كله إلى درجة الاكتشاف وعمل المهام الجراحية التى لم يسبق إلى عملها من قبل، ثم وصفه لها وصفًا دقيقًا فى مؤلفه.
كما ابتكر بعض الآلات الجراحية ورسمها وبين كيفية استعمالها، وتطبيق المعلومات الجراحية بواسطتها، وهذا أسلوب لم يسبقه إليه أحد غيره ممن كتب فى العلوم الطبية، أو تحدث عن آلاتها.
فقد كان الأطباء من قبله يعتنون بالوصف الكتابى دون الرسم الإيضاحى الذى انتهجه الزهراوى رحمه الله فى كتابه «التصريف» واعتنى به عناية فائقة، ويعتبر كتابه هذا رائدًا فى علم الجراحة الطبية، وقد استفاد منه علماء الطب والجراحون الأوروبيون وغيرهم على مدى قرون عديدة من علم الجراحة من بعده فأفردها بمباحثها حتى جاء ابن القف فألف فيها كتابًا مستقلاً وهو «العمدة فى الجراحة».
ولذلك يقول بعض من كتب عن أثره فى الجراحة: «لولا أن أوربا سارت على دربه ما وصلت الجراحة إلى ما هى عليه الآن. فما وصلت إليه الجراحة الآن ما هو إلا جهد قرون من الزمان، وآلاف من الباحثين رسم لهم الزهراوى الطريق فساروا عليه فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح الجنات.

