رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الدراما كطقس احتفالي

3-4-2025 | 14:13


أيمن سلامة

أيمن سلامة

منذ فجر التاريخ والمصرى يتفرد عن غيره من البشر في صناعة البهجة وتحويل معظم أيام السنة إلى أعياد ذات طقوس فنية مختلفة، حيث كان يمارس فيها الرقص والغناء والعزف على الآلات الموسيقية، بل والتمثيل أحيانا، والشواهد على هذا كثيرة، منها ما كان يحدث في احتفالات تتويج الملك (الفرعون) والتي كانت تتم عقب الانتهاء من الموكب الجنائزى لتشييع جثمان الملك الراحل ،وبها يتجاوز المصرى سريعا أحزانه على رحيل ملكه السابق ويستبدلها بفرحة وبهجة وأمل بتولى الملك الجديد عرش مصر ،وهذه الاحتفالية كانت تبدأ عادة بتقديم تمثيلية قصيرة يقوم بإداءها كهنة آمون ، وهذه التمثيلية كما يؤكد الدكتور لويس عوض في كتابه المسرح المصرى القديم كانت بمثابة الإرهاصة الأولى لفن الدراما الذى سيظهر جلياً فيما بعد فى العصر اليونانى، وكثيرة هي الاحتفالات الدينية والاجتماعية التي تفنن المصرى القديم في وضعها لصنع حالة من السعادة على نفسه وعلى من حوله كعيد شم النسيم والنيروز ووفاء النيل والفيضان ومواسم الحصاد وليلة الحنة وحمام العريس والزفاف والصباحية ثم السبوع وغيرها .

وقد توارثت الأجيال المتعاقبة هذه الاحتفالات بطقوسها ولم تغيرها التحولات السياسية أو الدينية أو الاقتصادية التي حدثت لمصر على مدار التاريخ ،بل زادت رسوخاً عند المصرى وباتت من تقاليده ،وأضيفت إليها احتفالات أخرى دينية مع دخول المسيحية مصر كرأس السنة الميلادية وعيد القيامة وعيد الغطاس واحد الشعانين ، ثم دخلت الأعياد الإسلامية مع الفتح الإسلامي وازدادت بوجود الفاطمين فأصبح لدينا احتفالا بالمولد النبوى الشريف وليلة النصف من شعبان وليلة رؤية شهر رمضان وموالد آل البيت وأولياء الله الصالحين وطقوس خاصة بالعيد كإعداد كعك العيد وغيرها من الممارسات التي تضفى بهجة على حياة المصريين، ويبدو أن الأغنية كانت هى الأسبق فى التعبير عن هذه الاحتفالات إلى جانب التواشيح والابتهالات والتراتيل والذكر ،وقد استمر الحال حتى جاءت الإذاعة فى عام ١٩٣٤لتشارك الناس أعيادهم وطقوسهم من خلال برامجها المواكبة للمناسبات المختلفة، وبعد تقديم الدراما الإذاعية لأول مرة في أوائل الخمسينيات من القرن الماضى بمسلسل عائلة مرزوق أفندى بدأت الإذاعة في تحويل الدراما إلى طقس رمضاني ثابت،وذلك في عام 1955 حين قدمت المسلسل الأشهر"ألف ليلة وليلة" للكاتب الراحل طاهر أبو فاشا وللمخرج محمد محمود شعبان والذى استمر تقديمه لمدة تزيد عن الربع قرن، ونجح في ربط المستمع بصوتى زوزو نبيل "شهرزاد" وعبدالرحيم الزرقانى (شهريار) ،واحتفالا برمضان قدمت الإذاعة أيضا مسلسلاً دينياً خالدا من تأليف محمد على ماهر وهو"أحسن القصص" والذي نال شهرة ونجاحاً كبيراً، وظل لسنوات طويلة كطقس ثابت مع ليالى رمضان ، ناهيك عن تقديم الإذاعة أيضا للمسحراتى بصوت سيد مكاوى وفوازير رمضان للإعلامية الراحلة أمال فهمى والتي قدمتها أيضا في منتصف الخمسينيات ،وسرعان ما باتت الدراما الإذاعية وجبة رئيسة على مائدة رمضان ،خاصة مع مطلع الستينيات وحتى نهاية السبعينيات ، ومن منا لا يذكر مسلسلات فؤاد المهندس وشويكار التي كانت تبث عبر موجات البرنامج العام عقب آذان المغرب والتي كانت تلى مسلسل إذاعة الشرق الأوسط والذى جعل الراديو يوضع على طاولة الطعام في بيوت كل المصريين وقت الإفطار في رمضان من كل عام حيث نجحت الإذاعة وقتها في استقطاب نجوم السينما كعمر الشريف وفاتن حمامة وشادية وصباح وسعاد حسنى وعبدالحليم حافظ ومعظم هذه المسلسلات كانت من إخراج الراحل محمد علوان، ومن هنا تحولت الدراما إلى طقس احتفالى يرتبط بشهر رمضان ، وللحق فإن هذا الأمر لم ينتقل سريعا إلى التليفزيون والذى بدأ إرساله في مصر في عام 1960 والذى بث أول مسلسل له وهو "هارب من الأيام "عن قصة للكاتب الراحل الكبير ثروت أباظة وسيناريو فيصل ندا وإخراج نور الدمرداش وذلك في يوليو 1962 احتفالا بأعياد الثورة ،وكان التليفزيون لا يبدأ في بث برامجه ومسلسلاته مساء إلا بعدما تنتهى الإذاعة من تقديم مسلسلاتها الرمضانية ،ولكن ما لبث أن قرر التليفزيون محاكاة الإذاعة في خلق طقس رمضانى وذلك في عام 1967 بتقديم الفوازير التي كانت خليطا بين الدراما والاستعراض وقام ببطولتها ثلاثى أضواء المسرح وأخرجها أحمد سالم ،وقد ارتبطت الفوازبر بشهر رمضان وحظت بشعبية بالغة أثناء ثمانينات وتسعينات القرن الماضى، لاسيما مع تقديمها بواسطة الفنانتين الأشهر "نيللى وشريهان" أما الدراما فلم ترتبط ارتباطا وثيقا بشهر رمضان إلا في بداية الثمانينات حين قدم التليفزيون المصرى مسلسل "صيام صيام" للمخرج محمد فاضل والتي لعبت أحداثه على وتر العلاقة بين الاسم وشعيرة الصيام ،وقد نجح هذا المسلسل في جمع الأسرة المصرية أمام شاشة التليفزيون طوال شهر رمضان، ليفتح الطريق بعد ذلك امام الدراما الرمضانية كل عام،تلك الدراما التي شكلت وعى ووجدان الملايين ،حيث قدم التليفزيون مسلسلات "دموع في عيون وقحة" والذى عرض أيضا في 1980 و "ليالى الحلمية" الذى بدأ عرض الجزء الأول منه في 1988 و رأفت الهجان الذى عرض جزأه الأول أيضا في 1988 و رحلة المليون والشهد والدموع والمال والبنون و ضمير أبلة حكمت و أميرة في عابدين و نصف ربيع الآخر ومن الذى لا يحب فاطمة ومحمد رسول الله والوعد الحق ولن أعيش في جلباب أبى و زيزنيا والعائلة وغيرها من المسلسلات التي ارتبطت إذاعتها بشهر رمضان المبارك،وطوال الثمانينات والتسعينات والدراما التليفزيونية الرمضانية تقدم كنوع من الاحتفال المصاحب لشهر رمضان مع علم المسئولين بمدى تاثيرها في القيم والأخلاق والأذواق ،ومع مطلع الألفية الجديدة تغير الحال وانتهجت الدولة سياسة جديدة مع الدراما وذلك بعدما اكتشفت تكبدها لخسائر مالية فادحة نتجت عن زيادة عدد القنوات وبالتالي اصبح الإنتاج مضاعفا وهذا ما لم تستطع عليه الدولة وقتها ،فبدأت باللجوء إلى القطاع الخاص كمنتج مشارك ثم راحت تعتمد على الإعلان ، وهنا ووفق كل الدراسات تبين للمعلن أن الغالبية العظمى من المشاهدين يلتفون حول شاشة التليفزيون في شهر رمضان وربما يرجع ذلك إلى الدراما الناجحة التي قدمت في الفترة من 1980 وحتى 2005 والتي جعلت مشاهدة التليفزيون عادة يومية عند جميع المصريين طوال الشهر الكريم ،عندئذ قرر المعلن وضع إعلانه على المادة الدرامية المعروضة في شهر رمضان لكى يضمن وصول منتجه إلى أكبر قدر من المشاهدين وبالتالي ازدادت الأعمال الدرامية في رمضان ،والسؤال : هل يمكن أن يأتي رمضان بلا مسلسلات والإجابة القطعية هي لا..ذلك لأن مشاهدة المسلسل الرمضانى صار طقسا رمضانيا يمارسه المواطن المصرى سواء كان مسلما أو مسيحيا ومن الصعب بل من المستحيل أن توقف طقسا مارسه المواطن المصرى على مدار مايزيد عن أربعين سنة.