رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


"فورين بوليسي": إذا أرادت الصين نزع فتيل الحرب التجارية فعليها القيام بشيء أكثر جرأة

11-4-2025 | 10:45


الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

دار الهلال

مع قرار إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية لتصل إلى 104%، ردت الصين برفع الرسوم على السلع الأمريكية إلى 84%، وهي زيادة كبيرة عن النسبة السابقة البالغة 34%، إلا أن الرئيس الأمريكي لم يقف عند هذا الحد، حيث قرر زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية مجددا لتصل حاليا إلى 145%. وبالنسبة لبكين، فإن الرسالة السياسية من وراء ذلك واضحة، وهي أن الولايات المتحدة تستخدم التجارة كسلاح بما يتجاوز نطاق العقلانية الاقتصادية.

واعتبرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن رد الصين على الرسوم الجمركية الأمريكية كان انفعاليا، حيث تمثل في مواجهة تهديدات ترامب برسوم انتقامية لإبراز العزيمة والقوة، وهو ما تجلى في التصريحات الرسمية والافتتاحيات الإعلامية الرسمية الصينية من أن بكين تمتلك "أدوات كافية" و"ثقة كاملة" للرد. غير أن التعاطي الصيني مع هذا الملف كان بلا شك عاطفيا، ويمثل –وفقا للمجلة- خطأ استراتيجيا.

وأوضحت المجلة أن الرسوم الجمركية المتبادلة قد تهدئ المشاعر القومية، لكنها تدخل الصين في دوامة يصب فيها التفاوت الهيكلي في التجارة في مصلحة واشنطن. كما أن بكين، وفي مسعى منها لزيادة الضغط على واشنطن، حاولت توسيع نطاق أدواتها بفرض ضوابط على تصدير المعادن النادرة، وتكثيف التدقيق على الشركات الأمريكية، وتأخير التخليص الجمركي، إلا أن هذه الأدوات لها أضرار جانبية، فهي تخيف المستثمرين خاصة الأجانب في وقت تحاول فيه بكين جذب رأس المال وتحقيق الاستقرار في الأسواق، كما أنها تزعزع سلاسل التوريد، وتضر بالحلفاء المحتملين.

وترى المجلة أنه إذا أرادت الصين نزع فتيل الحرب التجارية، فعليها القيام بشيء أكثر جرأة، وهو قلب السيناريو، بمعنى أنه يجب على بكين تسريع إبرام صفقات تجارة واستثمار مع جيرانها وشركائها الرئيسيين، وأن يشمل ذلك كسر الجمود في اتفاقية التجارة الحرة بين الصين واليابان وكوريا الجنوبية، المتعثرة منذ فترة طويلة، وتعزيز تنفيذ اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، وهي اتفاقية تجارة حرة تجمع بين الدول العشر الأعضاء في رابطة آسيان والدول الست الأعضاء في اتفاقية التجارة الحرة (الصين، اليابان، الهند، كوريا الجنوبية، أستراليا ونيوزيلندا)، وإعادة تنشيط الحوار مع الاتحاد الأوروبي.

ولفتت المجلة في هذا الصدد إلى ضرورة تدارك الصين ومعالجتها لمخاوف أوروبا، حيث يتزايد قلق أوروبا من أن تؤدي أحدث هجمات للتعريفات الجمركية الأمريكية إلى تحويل الصادرات الصينية نحو أسواقها، بمعنى أنه إذا أغلقت الولايات المتحدة أبوابها، فقد تتدفق البضائع الصينية إلى أماكن أخرى، مما يغذي ردود الفعل الحمائية، وقد يحذو الاتحاد الأوروبي حذو واشنطن قريبا بفرض تعريفات جمركية خاصة به.

ونبهت المجلة إلى أن علاقة الصين بدول جنوب شرق آسيا تتعرض أيضا لضغوط. ففيما ساعدت عمليات إعادة الشحن المصدرين الصينيين في السابق على تجنب التعريفات الجمركية، يجب تدارك أنه إذا اتخذت الولايات المتحدة إجراءات صارمة ضد عمليات إعادة الشحن، فإن المسار الأذكى أمام بكين في هذه الحالة يتمثل في بناء شراكات متينة قائمة على القواعد مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وليس مجرد توجيه التجارة عبرها.

كما نبهت المجلة الأمريكية إلى أن علاقات الصين مع اليابان وكوريا الجنوبية والهند والفلبين لاتزال متوترة. وقد أثرت المظالم التاريخية والنزاعات الإقليمية والمخاوف بشأن الإكراه الاقتصادي سلبا على هذه العلاقات. ولكن عدم اليقين المشترك بشأن موثوقية الولايات المتحدة يترك مجالا لإعادة بناء الثقة بين الصين من جهة وهذه الدول من جهة أخرى. ويمكن لإعادة ضبط العلاقات في المنطقة بشكل قائم على تعاون اقتصادي حقيقي أن يساعد الصين على تحويل صورتها من قوة تخريبية إلى قوة سلام وثقل إقليمية.

وأكدت المجلة أنه ينبغي على الصين أيضا أن تعيد صياغة صورتها كمدافع عن التجارة العالمية، وخاصة للاقتصادات النامية، ما يتطلب خطوات ملموسة، من بينها: خفض الرسوم الجمركية من جانب واحد على الشركاء غير الأمريكيين، وإزالة عوائق الاستثمار، والترويج الواضح لتحرير التجارة.

وبذلك، يمكن لبكين أن تتولى الدور الذي أهملته واشنطن، والمتمثل في الدفاع عن اقتصاد عالمي مفتوح وقائم على القواعد، حيث بينما تعزز الولايات المتحدة جهودها في مجال الحمائية، يمكن للصين أن تملأ الفراغ بتقديم بديل موثوق ومستقر.

كما يجب على بكين تخفيف الحواجز غير الجمركية على أمريكا اللاتينية وأفريقيا وجنوب آسيا، وهي مناطق غالبا ما يعتمد استقرارها السياسي والاقتصادي على الطلب القوي على الصادرات. ورغم أن الصين منحت إعفاءات جزئية من الرسوم الجمركية لمجموعة مختارة من أقل البلدان نموا، إلا أنه مازالت هناك قيود كبيرة.

وترى "فورين بوليسي" أن المهمة الأكثر إلحاحا أمام بكين تتمثل في معالجة التحدي الرئيسي الخاص بضعف استهلاك الأسر الصينية. لأكثر من عقد، تعهدت بكين بالتحول نحو اقتصاد قائم على الاستهلاك.

لكن ما يزال إنفاق الأسر هناك منخفضا، ولا يزال التفاوت في الدخل قائما، وشبكات الأمان الاجتماعي هشة للغاية بحيث لا تشجع على الإنفاق الحقيقي. كما أن مخاوف جائحة "كوفيد-19" جعلت الأسر الصينية أكثر عزوفا عن المخاطرة.

لكن الأدوات لمعالجة ذلك –وفقا للمجلة- متاحة. فقد وعد الرئيس الصيني شي جين بينج "بإطلاق العنان" للاستهلاك ردا على رسوم ترامب الجمركية. وهناك تقارير بأن كبار المسؤولين الصينيين يناقشون، خلف الأبواب المغلقة، تسريع مقترحات قائمة منذ فترة طويلة، تتمثل في دعم موجه للأجهزة المنزلية والمركبات الكهربائية، ودعم الدخل الريفي، وإنشاء صندوق وطني لاستقرار العقارات. ويمكن تطبيق هذه السياسات على مراحل، مع تعديل وتيرتها بناء على وضع السوق والتطورات الجيوسياسية.

وشددت المجلة الأمريكية على أن إعادة بناء الطلب المحلي ليس مجرد خيار سياسي، بل ضرورة وجودية، حيث لا يمكن لحصة الصين من الصادرات العالمية أن تستمر في الارتفاع دون إثارة ردود فعل عكسية، وعليه فإن محرك النمو المستدام الوحيد هو الأسر الصينية (الاستهلاك المحلي).

وأضافت المجلة أن أحد الأهداف التي يطرحها المحللون والاستراتيجيون الصينيون هو زيادة الاستهلاك المحلي بنسبة 30% بحلول عام 2030 أي ما يقرب من 3 تريليونات دولار من الطلب السنوي الإضافي.

ومن الناحية النظرية، يمكن أن يعوض ذلك فقدان الوصول إلى السوق الأمريكية، ويخلق مركز جذب جديدا للتجارة العالمية. ولكن لتحقيق ذلك، يجب على بكين التحرك بسرعة، خاصة وأنها مقارنة بواشنطن، لا تزال تتمتع بحرية أكبر في اتخاذ القرارات السياسية. فأسعار الأصول في الصين منخفضة، والتضخم منخفض، والنظام السياسي هناك يسمح باتخاذ إجراءات منسقة، الأمر الذي إن نجحت فيه، فقد تتغلب على الاضطرابات ببراعة أكبر من منافسيها.

وخلصت "فورين بوليسي" إلى أنه بالتوازي مع ما سبق، يجب أيضا مواصلة الحوار مع واشنطن، حيث إن إظهار القوة الحقيقي ليس في العزلة، بل في المشاركة. كما أن القيادة الناضجة تعني البقاء في اللعبة حتى عندما يحاول الطرف الآخر قلب الطاولة. لذا، يجب على بكين أن تقدم نفسها كشريك بناء ومتسق في القضايا العالمية وألا تظل محصورة في موقف رد الفعل، وأن تتحرك نحو تحديد قواعد الاشتباك بنفسها.

وهذا يعني ترسيخ تحالفات تجارية عالمية جديدة، وتسريع الإصلاحات التي طال انتظارها، وتقديم بديل موثوق للقومية الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة والمتمثلة في السيطرة المحلية على الاقتصاد والعمل وتكوين رأس المال حتى لو تطلب ذلك فرض الرسوم الجمركية وغيرها من القيود.