في كل مهنة مساحة للخطأ يغتفر أحيانا، ويبرر أحيانا أخرى، مساحة خطأ طفيفة تُمنح تقديرا للطبيعة البشرية، للجهد المبذول، ولإرهاق الأيام.
ففي مهنة الصحافة -على سبيل المثال- يسمح للمصحح بعدد من الأخطاء، حتى في الحسابات والفواتير نجد عبارة شهيرة "ما عدا السهو والخطأ" وكأننا نتوقع حدوثه ونعفي صاحبه مسبقا.
لكن في مهنة الطب الأمر مختلف لا مجال للغفلة، ولا تبرير للسهو، ولا تسامح مع الخطأ، لأن المريض لا يصح وأن يدخل في تجارب ولا أن يضع حياته تحت بند الاحتمالات.
مهنة الطب ليست وظيفة بل أمانة، ليست مجرد علم بل ضمير، ومن لا يدرك قدسية هذه المهنة لا يستحق أن يحمل لقب طبيب.
في الآونة الأخيرة، أصبحت الأخطاء الطبية تتكرر بشكل مقلق تشخيص خاطئ، بروتوكول علاج غير مناسب، إهمال في المتابعة، استعجال في اتخاذ القرار، والنتيجة إنسان يفقد صحته وربما حياته، ثم تطوى الصفحات ويغلق الملف، ويكتب بخط صغير "ضد مجهول".
إبراهيم شيكا، لاعب الزمالك، ليس مجرد حالة، بل شاهد حي على منظومة تحتاج وقفة، ضحية أخرى تضاف إلى قائمة من سبقوه، وآخرون في الطريق إن لم نتحرك.
وعن نفسي لست مجرد متابع، بل ضحية وأحد الذين لمسوا هذا الخطر عن قرب ومهددة حياتهم، خضت تجربة قاسية مع خطأ طبي جسيم والطبيب المسؤول د. م كان يلح على خروجي، بدلا من أن يعالجني كان يستعجل خروجي وكأن المستشفى ساحة هروب لا شفاء "أنت كويس، ومفيش لزوم للمصاريف".
عبارة ظاهرها الرحمة وباطنها طمس الحقيقة هو لم يكن يريد إنقاذي، بل كان يحاول إنقاذ نفسه من مسؤولية، من تحقيق، من فضيحة، وحين يدفن الخطأ يدفن معه الضمير.
قصص كثيرة بدأت بفحص روتيني وانتهت بجراحات عاجلة، أمعاء تم تهتكها أثناء منظار، أدوية وصفت بشكل خاطئ أدت لمضاعفات خطيرة، حقن تجميل أو تخسيس أدت لإعاقات مزمنة، ونجوم وفنانين تحولوا لمرضى دائمين بعدما دفعوا ثمن " الثقة العمياء"، أين الحساب؟
أين العدل؟ كيف يتحول الموت في غرفة العمليات لمجرد إحصائية؟!
كيف تزهق أرواح وتقيد القضايا ضد مجهول وكأن الطبيب لا اسم له، لا سجل، لا مسؤولية؟ هذا التجاهل هذا الصمت هو مشاركة في الجريمة،
والسكوت على قلة تسيء لمهنة عظيمة، هو خيانة لكل طبيب شريف يؤدي رسالته بضمير.
النقابة مطالبة الآن لا بالصمت أو البيانات بل بالإجراءات، تماما كما يمنع المدرس من التدريس إن أخطأ، يجب أن يمنع الطبيب من ممارسة الطب إن تسبب في أذى لا يعالج.
نحن لا نطلب المستحيل فقط العدالة، لا نطلب الانتقام بل الردع،
لا نريد أن نحاسب الجميع، بل نحمي الأبرياء، لأن كل خطاء طبي هو في الحقيقة جريمة مكتملة الأركان
ولأن كل ملف يغلق ضد مجهول، يقتل قلب أم، أو أب، أو ابن ويسبب جرحاً لا يغلق أبدا.
عزيزي الطبيب كفى أنت في مهنة حياة أو موت، مهنة تمسك بخيط الحياة، والخطأ ليس خيارًا والخطأ المتكرر جريمة.