رأى الصحفي الأمريكي المخضرم توماس فريدمان أن ما يحدث في إدارة الرئيس دونالد ترامب يوميا يتسم بالكثير من الجنون .. ضاربا مثلا على ذلك بما حدث في الثامن من أبريل الجاري في البيت الأبيض "حينما قرر ترامب في خضم حربه التجارية المستعرة، أن الوقت قد حان لتوقيع أمر تنفيذي لدعم تعدين الفحم".
وقال ترامب - محاطا بعمال مناجم الفحم وهم أعضاء في قوة عاملة انخفضت إلى حوالي 40 ألفا من 70 ألفا خلال العقد الماضي-: "نحن نعيد إحياء صناعة مهجورة. سنعيد عمال المناجم إلى العمل". وأضاف ترامب، إنهم يريدون تعدين الفحم؛ هذا ما يحبون عمله.
وقال فريدمان إنه لأمر جدير بالثناء أن يكرم ترامب الرجال والنساء الذين يعملون بأيديهم. لكن يثني ترامب على عمال مناجم الفحم بينما يحاول استبعاد تطوير وظائف التكنولوجيا النظيفة من ميزانيته، ففي عام ٢٠٢٣، قامت صناعة طاقة الرياح الأمريكية بتوظيف ما يقارب ١٣٠ ألف عامل، بينما وظّفت صناعة الطاقة الشمسية ٢٨٠ ألف عامل - الأمر الذي يشير إلى أن ترامب واقع في فخ أيديولوجية يمينية متأصلة لا تعترف بوظائف التصنيع الأخضر كوظائف "حقيقية". وتساءل "كيف سيعزز هذا من قوتنا"؟.
ووصف فريدمان، إدارة ترامب الثانية برمتها بأنها مهزلة قاسية، قائلا إن ترامب ترشح لولاية أخرى ليس لأنه كان يملك أدنى فكرة عن كيفية تحويل أمريكا للقرن الحادي والعشرين. بل ترشح ليتجنب السجن وينتقم ممن حاولوا -بأدلة حقيقية- محاسبته أمام القانون. وأضاف "أشك في أنه قضى خمس دقائق في دراسة القوى العاملة المستقبلية".
ومضى قائلا "ثم عاد إلى البيت الأبيض ورأسه لا يزال مفعما بأفكار من سبعينيات القرن الماضي. إذ شن حربا تجارية دون حلفاء أو استعدادات جادة - ولهذا السبب يغير تعريفاته الجمركية يوميا تقريبا -ودون فهم لمدى تعقيد الاقتصاد العالمي، حيث تجمع المنتجات من مكونات من دول متعددة. ثم يدير هذه الحرب وزير تجارة يعتقد أن ملايين الأمريكيين يضحون بحياتهم ليحلوا محل العمال الصينيين.
لكن هذه المهزلة على وشك أن تطال كل أمريكي. بمهاجمته لأقرب حلفائنا -كندا والمكسيك واليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي- وأكبر منافس لنا -وهي الصين- ويوضح في الوقت نفسه أنه يفضل روسيا على أوكرانيا، ويفضل صناعات الطاقة المدمرة للمناخ على الصناعات المستقبلية، ويسبب ترامب خسارة فادحة في الثقة العالمية بأمريكا.
وبحسب الصحفي الأمريكي المخضرم يرى العالم الآن أمريكا ترامب على حقيقتها: دولة مارقة يقودها رجل قوي مندفع منفصل عن سيادة القانون وغيرها من المبادئ والقيم الدستورية الأمريكية.
وأضاف أن الحلفاء الديمقراطيين لأمريكا لم يعودوا يشترون سندات الخزانة بالقدر الذي اعتادوا عليه. لذا، على أمريكا أن تقدم لهم أسعار فائدة أعلى للقيام بذلك - وهو ما سيمتد تأثيره إلى اقتصادنا بأكمله، من أقساط السيارات إلى قروض الرهن العقاري إلى تكلفة خدمة ديننا الوطني على حساب كل شيء آخر.
ثانيا: يفقد حلفاؤنا ثقتهم بمؤسساتنا، فقد اصدرت المفوضية الأوروبية هواتف محمولة وأجهزة كمبيوتر محمولة عادية لبعض الموظفين المتجهين إلى الولايات المتحدة لتجنب خطر التجسس، وهو إجراء كان يقتصر تقليديا على الرحلات إلى الصين.
فلم تعد المفوضية تثق بسيادة القانون في أمريكا. ثالثا: يقنع الناس في الخارج أنفسهم وأطفالهم بأن الدراسة في أمريكا ربما لم تعد فكرة جيدة. والسبب: أنهم لا يعرفون متى قد يعتقل أبناؤهم تعسفيا، ومتى قد يرحل أفراد عائلاتهم إلى سجون السلفادور.
وعلق فريدمان على ذلك بالقول إنك تقلل من شأن كل هذه الأشياء ــ قدرتنا على جذب المهاجرين الأكثر نشاطا وروح المبادرة في العالم، وهو ما سمح لنا بأن نكون مركز الابتكار في العالم؛ كما سمح لنا بالعيش بما يتجاوز إمكانياتنا لعقود؛ وسمعتنا في دعم سيادة القانون - ومع مرور الوقت ينتهي بك الأمر بأمريكا أقل ازدهارا وأقل احتراما وأكثر عزلة.
واختتم فريدان مقاله بالتحذير من أنه ما لم يتوقف ترامب عن سلوكه الخبيث، فسوف يدمر كل ما جعل أمريكا قوية ومحترمة ومزدهرة، فلم أشعر قط بخوف أكبر على مستقبل أمريكا في حياتي.