رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الرئيس.. وسياسة «رأب الصدع»

17-4-2025 | 18:00


.

عبداللطيف حامد,

الكبير كبير بأفعاله ومواقفه، وليس بأمواله أو حجمه، والإنصات إلى وجهة نظره، وتنفيذ توصياته فى أوقات الأزمات، وأثناء مناقشة الخلافات ترجع إلى حكمته البالغة ورؤيته الثاقبة، وما أشبه رؤساء الدول وزعماء البلاد بكبار العائلات وعواقل القبائل؛ لأن قادة العواصم يحرصون على الاستماع إلى آرائهم فى القضايا الفارقة، ويأخذون بتقديرهم للموقف فى القضايا المصيرية، ويستجيبون للحلول التى يطرحونها للملفات الشائكة؛ ثقة فى خبراتهم، وتقديرًا لأمانتهم، وإدراكًا لترفّعهم عن الصغائر، فضلا عن أنهم دائما أصحاب مبادئ راسخة فى مناصرة الحق، ومواجهة الظلم، بعيدا عن أى مكاسب خاصة أو مآرب شخصية.

 

 

وبالرجوع إلى المواقف المتتابعة، والتحركات المتلاحقة للرئيس عبدالفتاح السيسى، ندرك بقناعة تامة ويقين ثابت أنه خير مثال فى التصرف بأخلاق الكبار، وطباع الشرفاء، وشيم الكرام، فلا ينشغل بالزلّات، ولا يلقى بالًا للعقبات، ولا يهاب المخاطر طالما يسير فى الطريق الصحيح، ويسعى لتحقيق العدل، ويؤمن بالسلام، فهو يلتزم سياسة «رأب الصدع» بهدوء أعصاب وقوة إرادة، بعيدًا عن الصوت العالى أو الشعارات العنترية، مع الاستعداد لكل السيناريوهات، ومختلف التحديات. وبنظرة سريعة على مسار الأحداث، وقراءة مبسّطة لتطورات القضايا خلال الفترة الماضية؛ نفطن بسهولة لهذا النهج الرئاسى الذى لا تُخطئه عين، خصوصًا فى التعاطى مع مستجدات قضية القضايا العربية، وهى القضية الفلسطينية منذ 7 أكتوبر 2023، وحتى اليوم.

القيادة المصرية سارعت منذ الساعات الأولى لبدء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، بشكل واضح لا لبس فيه، وبطريقة مباشرة لا تقبل التأويل، بالتحذير من مخاطر التصعيد بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، وطالبت دولة الاحتلال بوقف الاعتداءات والأعمال العدائية بحق الفلسطينيين، وضرورة مراعاة القانون الدولى، ثم انطلقت الجهود المصرية لمحاصرة العدوان الإسرائيلى الغاشم، وتوالت اتصالات ولقاءات ومباحثات الرئيس السيسى بالزعماء، سواء العرب أو من مختلف الدول؛ لتأكيد أن حل الدولتين وفق مرجعيات الشرعية الدولية هو الضمانة الوحيدة لتحقيق الاستقرار بالمنطقة.

ويُحسب للرئيس السيسى أنه أول مَن تنبّأ بالمخطط الإسرائيلى لتهجير أهالى قطاع غزة، وحذّر منه قبل الجميع، بل ويقاومه بجسارة مع عموم المصريين رغم الحصار الاقتصادى الذى يفرضه علينا حلفاء دولة الاحتلال حتى نرضخ، وكل يوم يتكرر المطلب الحرام فى السر والعلن، ومع صلابة الموقف المصرى الذى لا تهزّه رياح المؤامرات، ولا تكسره مخططات صُنّاع الشائعات ترتفع فاتورة الإغراءات لتصل إلى مئات المليارات من الدولارات، لكنهم واهمون وجاهلون فى الوقت نفسه، «هى أشياء لا تُشترى»، ولن نرضى بتصفية القضية أبدًا مهما كانت المكاسب، ولن نشارك فى ظلم الفلسطينيين قطعًا. ولإنعاش الذاكرة، أعود إلى الوراء بشريط الأحداث، وتحديدًا يوم 10 أكتوبر 2023، عندما ردّ الرئيس فى كلمته أثناء لقائه عددًا من الإعلاميين على هامش حفل تخريج دفعة جديدة من أكاديمية الشرطة على المخطط الإخوانى الإسرائيلى بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء -والذى سبق أن كشفه فى مايو 2018 محمود عباس الرئيس الفلسطينى بإقامة مشروع دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة فى سيناء- فقد حسم السيسى الموقف، بقوله الحازم: «مصر لن تسمح بتصفية القضية على حساب أطراف أخرى.. ولا تفريط فى أمن مصر القومى تحت أى ظرف»، ثم توالت اللاءات الرئاسية ضد التهجير.

والمعلوم بالضرورة أنه منذ هذا اليوم لم تتزحزح الدولة المصرية قيد أنملة عن تلك القناعة المستقرة كالجبال، الثابتة كالأوتاد، ولن يكلّ الرئيس السيسى عن رأب الصدع مع كل الأطراف العربية والدولية من أجل توحيد الصفوف لتحقيق حلّ الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ما قبل يونيو 1967، وأحدث تلك التحركات المستمرة بلا توقف على مدى 16 شهرا من حرب غزة -هى الجولة الخليجية الأخيرة إلى دولتى قطر والكويت، فها هو البيان المصرى - القطرى المشترك فى ختام جلسة المباحثات بين الرئيس السيسى والأمير تميم بن حمد بالدوحة يشدّد على مركزية القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأولى، والتأكيد على موقفهما الثابت والداعم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى، وفى مقدمتها حقه فى إقامة دولته المستقلة، وتجديد دعمهما الكامل لخطة إعادة إعمار قطاع غزة، والتأكيد على أهمية تمكين الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى التهدئة والحلول السلمية، واستنكار الجانبين كلّ محاولات تقويض المسارات التفاوضية أو استهداف الوسطاء والتى لا تهدف إلا إلى تخريب جهود الوساطة.

وفى ثانية محطات جولته الخليجية بدولة الكويت الشقيقة، تبادل الرئيس السيسى، خلال لقائه مع الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، الرؤى حول الوضع المتردى فى قطاع غزة، وشدّد الزعيمان على ضرورة وقف إطلاق النار بشكل فورى، ومواصلة تبادل الرهائن والمحتجزين، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية بكميات كافية بشكل عاجل، والتأكيد على الدعم الكامل للخطة العربية للتعافى وإعادة إعمار قطاع غزة وضرورة تنفيذها فور وقف إطلاق النار، مع الرفض التام لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وعلى ضرورة إيجاد تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية من خلال إقامة الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

وأجدنى مدفوعًا بشدة للوقوف أمام توابع استقبال الرئيس السيسى هذا الأسبوع بقصر الاتحادية، للرئيس الإندونيسى برابوو سوبيانتو؛ لأن إندونيسيا خلال الفترة الماضية تحوّلت إلى بؤرة اهتمام المتابعين لتطورات القضية الفلسطينية، وفى مقدمتهم المتخوفون من تمرير مؤامرة التهجير، خاصة بعد الإعلان الرئاسى أن جاكرتا مستعدة لاستقبال ألف فلسطينى كدفعة أولى من الجرحى والمصابين واليتامى بشكل مؤقت، وعلى ما يبدو أن هذا سيكون المسمار الأول فى صلب القضية الفلسطينية حتى تتفرق دماؤها بين الدول، لكن الموقف تغيّر بنسبة 100 فى المائة بعد تلك الزيارة، فقد أكد الرئيسان السيسى و«سوبيانتو» على ضرورة بدء عملية إعادة إعمار قطاع غزة، دون تهجيــر أهالى القطـــاع، وصولًا إلى حلّ شامل ودائم، يستند إلى مبادئ الشرعية الدولية، ويضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفقا لحدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها «القدس الشرقية»، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق السلام الدائم، والأمن والاستقرار فى المنطقة. وبعيدًا عن التنظير الطويل أو التحليل الكثير، سياسة الرئيس السيسى فى رأب الصدع من أجل حماية القضية والتصدى لمخطط التهجير إلى أى دولة وليس مصر فقط -تحقق النجاح المرجو منها، وإنّا على ذلك مجتمعون، وبجانبه واقفون كالبُنيان المرصوص، مهما تعددت المحاولات، أو تنوعت المناورات.

ولتأكيد «أن الذكرى تنفع المؤمنين»، سأطرح غيضًا من فيض تحركات الرئيس السيسى المبكرة لإفشال النيات الإسرائيلية الخبيثة ضد القضية الفلسطينية كنوع من توظيف أحداث 7 أكتوبر 2023 لتنفيذ مخطط التهجير. فمن الساعات الأولى ركّز الرئيس على توحيد الصف العربىّ على كلمة سواء، ورأب الصدع فى المواقف حتى تضيق المسالك التى تتآمر تل أبيب للنفاذ منها، بإجراء اتصالات مع عدد من الرؤساء والقادة؛ منهم الرئيس الفلسطينى محمود عباس، ثم بالعاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى، والتوافق الثلاثى على الضمانة الحقيقية لإرساء الأمن والاستقرار المُستدام بالمنطقة هو الحل العادل والتسوية الشاملة للقضية الفلسطينية، ثم توالت الاتصالات المكثفة على الرئيس السيسى من القادة العرب إدراكًا لأهمية دور القاهرة المحورى فى حل القضية الفلسطينية، ومنها اتصال الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودى، والشيخ محمد بن زايد رئيس الإمارات، والسلطان هيثم بن طارق سلطان عمان، والأمير تميم بن حمد أمير دولة قطر، واتفق الجميع على أهمية التنسيق بين الزعماء العرب للتأكيد على الرؤية العربية بشأن القضية الفلسطينية، وما زالت تلك الاتصالات والمباحثات حول القضية الفلسطينية مستمرة على الدوام.

وتكرر نفس السيناريو المصرى مع عدد من القادة بالشرق الأوسط والدول والمنظمات الأوروبية؛ منهم رجب طيب أردوغان الرئيس التركى، والرئيس القبرصى نيكوس خريستودوليدس، ومستشار النمسا كارل نيهامر، والمستشار الألمانى أولاف شولتس، ورئيس المجلس الأوروبى شارل ميشيل، والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، ووزير الخارجية البريطانى جيمس كليفرلى، وصولًا إلى عدة مؤتمرات وقمم حاشدة، على رأسها قمة القاهرة للسلام، والقمة العربية الطارئة، التى تبنّت الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة دون تهجير فلسطينى واحد كخطة عربية متكاملة.

ناهيك عن نهر المساعدات الإنسانية الذى يجرى من جنبات الدولة المصرية كافة إلى الأشقاء بنسبة تزيد على 75 فى المائة من إجمالى المساعدات من جميع دول العالم، والأمر المؤكد أن الدولة المصرية حريصة على الاستمرار فى هذا الدور تنفيذًا للتوجيهات الرئاسية دون ملل حتى تنقشع الغمة، ويتوقف العدوان، ويكتمل الإعمار.

وعلى نفس المنوال لا يدخر الرئيس السيسى جهدًا، ولا يوفر طاقة فى رأب الصدع فى كل الدول العربية بل على مستوى العالم، فها هو يبحث مع مختلف الأطراف المعنية خطورة استمرار النزاع المسلح فى السودان، وأهمية الوقف الفورى للعمليات العسكرية والعودة إلى مسار الحوار الوطنى الشامل، وأيضا يدعو إلى عودة الاستقرار إلى ليبيا والحفاظ على سيادتها ووحدتها، واستعادة مسار التنمية بها، ودعم مصر لكل المبادرات لتحقيق ذلك، والحرص على تماسك المؤسسات الليبية، والتنسيق بين جميع الأطراف بها لبلورة خارطة سياسية متكاملة مع منع التدخلات الخارجية وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضى الليبية، فضلا عن مناقشة الأوضاع فى سوريا ولبنان، والتأكيد على أهمية الحفاظ على وحدتهما، وحماية مقدرات شعوبهما، ومناقشة تطورات الجهود الإقليمية والدولية لحل الأزمة اليمنية، وصولًا إلى الترحيب باستمرار المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، والدعم لأى مساعٍ سلمية تهدف إلى خفض التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار فى المنطقة، وحتى إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية.

وعلى المستوى الداخلى يتبنى الرئيس السيسى هذه السياسة الحميدة، وهى رأب الصداع لمواصلة معركة البناء والتنمية فى المجالات كافة، والقطاعات عامة، فلا يترك فرصة ولا يتجاهل مناسبة للحديث إلى المصريين، سواء فى داخل القاعات، أو عبر صفحات الصحف وشاشات الفضائيات وأثير الإذاعات، ودائما تتسم أحاديث الرئيس وكلماته بالشفافية والصراحة، فلا يتردد فى توضيح الصورة الكاملة لأهله وناسه فى كل الملفات، ويردّ على جميع التساؤلات المطروحة فى الشارع المصرى وحتى مواقع السوشيال ميديا بمصداقية، مع شرح للأرقام وسرد للمعلومات لإفساد شائعات أهل الشر، وضرب مخططات الفوضى، وفى كل مرة يراهن على وعى المواطنين ويكسب الرهان؛ لأنه لديهم أهل للثقة على الدوام.

حمى الله مصر وشعبها وقيادتها 

ومؤسساتها الوطنية من كل سوء.