د. عمرو دوارة,
تجدر الإشارة في البداية إلى أن من السلبيات الواضحة بحياتنا المسرحية خلال العقود الثلاثة الأخيرة تقلص عدد الفرق المسرحية الخاصة بل واختفاء عدد كبير منها بعدما توقف نشاط عدد كبير منها، وذلك نظرا لوفاة بعض المنتجين الكبار (في مقدمتهم الكاتب/ سمير خفاجي مؤسس «فرقة المتحدين»، والمؤلف والمخرج/ فايز حلاوة مؤسس فرقة «تحية كاريوكا»، وكذلك المخرج/ جلال الشرقاوي مؤسسس فرقة «مسرح الفن»، وأيضا مرض الفنان/ جورج سيدهم مؤسس ومسئول فرقة «الثلاثي»، بسبب هجرة شقيقه إلى الخارج .
هذا بالإضافة إلى تعذر استمرار كثير من الفرق نظرا للارتفاع الرهيب في تكلفة الإنتاج كنتيجة منطقية لارتفاع تكلفة إيجار المسارح – نتيجة لندرتها – كذلك للمبالغة الشديدة في أجور النجوم، مما أدى إلى اضطرار الفرق إلى رفع قيمة التذاكر إلى ألفين جنيه!! وبالتالي انخفاض عدد المشاهدين. وللأسف لم يستطع الصمود حتى الآن سوى الفنان القدير/ محمد صبحي (الذي يعتمد على نجوميته بمفرده وارتباط جمهوره به واحترامهم وتقديرهم لعروضه المتميزة، وأيضا ملكيته لمسرحه بمدينة سنبل)، بالإضافة إلى بعض المحاولات الجادة – غير المستمرة - من المؤلف المنتج/ أحمد الإبياري مؤسس فرقة "كوميك تياترو"، وهي إحدى الفرق التي قدمت عددا كبيرا من العروض الجماهيرية الناجحة خلال فترة السبعينيات والثمانينيات بالقرن الماضي- وهي فترة ازدهار فرق القطاع الخاص المسرحية، لدرجة أن عددها كان يصل إلى ما يقرب من عشرين فرقة تتنافس فيما بينها في اجتذاب كبار المبدعين وكذلك أكبر نجوم السينما والكوميديا، وتقدم عروضها على مسارح "القاهرة" وخلال شهور الصيف الأربعة بمدينة "الإسكندرية أيضا".
بدايات المسرح المصري الحديث
جدير بالذكر أن المسرح المصري الحديث قد تأسس وتطور بفضل نخبة من المبدعين الرواد الذين تحملوا مسئولية تأسيس فرقهم المسرحية بدءا من الرائد/ يعقوب صنوع (عام 1870)، ميخائيل جرجس (1887)/ وسلامة حجازي (1905)، عزيز عيد (جوق المسرح الكوميدي - 1907)، جورج أبيض (1912)، وأولاد عكاشة (1914)، ومنيرة المهدية (1915)، ونجيب الريحاني (1916)، وعلي الكسار (1916)، عبدالرحمن رشدي (1917)، فوزي الجزايرلي (1917)، فوزي منيب (1920)، ويوسف وهبي (فرقة رمسيس عام 1923)، ويوسف عز الدين (1925)، فيكتوريا موسى (1926)، وفاطمة رشدي (1927)، وملك (ومسرحها الغنائي 1942).
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن المسرح المصري الحديث لم يعرف خلال مسيرته الفنية مفهوم فرق مسارح الدولة إلا عام 1935 ، وهو تاريخ تأسيس أول فرقة حكومية بالوطن العربي والشرق الأوسط وهي الفرقة القومية (المسرح القومي حاليا)، والتي اتخذت عدة مسميات خلال مسيرتها من بينها: المصرية للتمثيل والموسيقى (1942)، المصرية الحديثة (1953)، المسرح القومي (1958). هذا وقد شهدت الخمسينيات تأسيس بعض الفرق التابعة للدولة أيضا وهي فرقة "القاهرة للعرائس (1959)، وفرقة المسرح الغنائي (1959)، كما شهدت فترة الستينيات من القرن الماضي تأسيس عدة فرق مسرحية جديدة وهي" مسرح الجيب (1962)، وكذلك فرق مسارح التليفزيون"بشعبها المختلفة ومن أهمها: المسرح الحديث (1962)، العالمي (1962)، المسرح الكوميدي (1962)، مسرح الحكيم (1964)،: الفرقة الاستعراضية (1967)، مسرح الأطفال (1968).
ويتضح مما سبق ذلك الدور الحيوي المهم لفرق "القطاع الخاص" في تأسيس وتطور المسرح المصري الحديث عبر مسيرته الفنية التي وصلت إلى قرن ونصف القرن من الزمان. ويذكر أن فرق القطاع الخاص إذا كانت قد نجحت خلال النصف الأول من القرن العشرين في تقديم عدد كبير من روائع المسرحيات العالمية المترجمة من عيون المسرح العالمي لكبار الكتاب العالميين، فإنها قد نجحت في النصف الثاني أيضا في تقديم عدد كبير من العروض المتميزة فنيا التي نجحت في تحقيق كل من النجاح الأدبي (بشهادة النقاد والمتخصصين )، والجماهيري (بشهادة شباك التذاكر )، ومن بينها على سبيل المثال:"انقلاب" (لفرقة مسرح الفن - 1988)، "سيدتي الجميلة" (لفرقة الفنانين المتحدين- 1969)، "موسيقى في الحي الشرقي" (لفرقة ثلاثي أضواء المسرح)، "روبابيكيا" (لفرقة تحية كاريوكا - 1967)، "الدنيا مزيكا" (لفرقة الكوميدي شو - 1976)، "وجهة نظر" (لفرقة استديو 80)، "ماما أمريكا" (لفرقة محمد فوزي - 1994)، "كارمن" (لفرقة ماستر للإنتاج الفني- 1999).شاهد ما شفش حاجة (لفرقة المتحدين - 1975)، "بودي جارد" (لفرقة المتحدين - 1999).وهي العروض والفرق التي ساهمت كقوة ناعمة في تحديد تلك المكانة السامية للفن المصري، وكانت أيضا عنصرا مهما في تحقيق الجذب السياحي إلى "مصر"، لدرجة أن بعض الدول العربية الشقيقة – وخاصة بدول الخليج العربي -كانت تنظم رحلات سريعة لمشاهدة عروض نجوم الكوميديا الكبار كعادل إمام ومحمد نجم، وهو ما ساهم في استمرار بعض العروض لمدة تزيد على ثماني سنوات.