المملكة الأردنية سمحت للجماعة الإرهابية بدخول البرلمان فخططوا للفوضى وجهزوا المسيّرات والصواريخ
أعلن فى المملكة الأردنية الهاشمية الأسبوع الماضى عن ضبط ثلاث خلايا كانت تخطط لعمليات إرهابية وعنف داخل المملكة وخارجها انطلاقاً من أراضى المملكة، وتم ضبط صواريخ قصيرة المدى تم تصنيعها بأدوات محلية وأخرى مستوردة بالإضافة إلى طائرات مسيّرة، وتبين أن عناصر الخلايا تلقت تدريبات فى الخارج، الوزير الأردنى المختص ذكر أن جماعة الإخوان وراء تلك الخلايا، وأن المقبوض عليهم من الجماعة اعترفوا وأقروا بعضويتهم وتكليفاتهم، وتبين كذلك أن لديهم مخازن وغرفًا خرسانية كثيرة لتخزين الذخائر والأسلحة.
جماعة الإخوان محظورة فى الأردن بقرار من جلالة الملك صدر سنة 2021 بعد أن تبين ضلوع الجماعة فى أفكار العنف والدعوة إليه، لكن هناك أعضاء من الجماعة دخلوا البرلمان الأردنى، تحت مسميات تنظيمية أخرى، أى أن الجماعة عمليا ممثلة فى البرلمان، حتى لو دخلت تحت اسم آخر، على طريقة «أحمد بدلاً من الحاج أحمد».
الواضح أن التاريخ يعيد نفسه وإن كان بلا تكرار، هناك تغيير فى بعض المشاهد، ودرس التاريخ أن كل مواجهة فى المنطقة مع إسرائيل تستغلها هذه الجماعة للتحرك باسم مواجهة إسرائيل أو المقاومة، لتدمر المجتمع المحلى وتعمل على إسقاط الدول الوطنية.
بعد حرب 1948 قامت الجماعة فى مصر وبتكليف من حسن البنا باغتيال محمود فهمى النقراشى رئيس الوزراء، وبرروا فعلتهم بأن النقراشى «عميل صهيونى» والحق أن النقراشى كان وطنياً مخلصاً، حكم عليه بالإعدام من الإنجليز بعد ثورة 1919 وهو الذى أشرف على دخول الجيش حرب فلسطين سنة 1948، وهو الذى رفض العرض الأمريكى سنة 1947 قبول تهجير الفلسطينيين إلى مصر، مساعدة على إنشاء إسرائيل، فى مقابل أن تصوت الولايات المتحدة فى مجلس الأمن لصالح مصر بضرورة جلاء بريطانيا التام، كانت جريمة النقراشى أنه وقف ضد العمليات الإرهابية التى كانت بتكليف من البنا فى القاهرة. لكن ذلك التبرير كان بهدف إسقاط النظام والاستيلاء على الدولة، فى الأردن جرى اغتيال مؤسس المملكة الملك عبدالله الأول على باب المسجد الأقصى بعد أداء صلاة الجمعة، وهكذا فى كل مواجهة مع إسرائيل تتحرك هذه الجماعة، هل نتذكر واقعة «الفنية العسكرية» حين تحرك صالح سرية عضو الجماعة سنة 1974 بعد حرب أكتوبر بأشهر للسيطرة على مخزن السلاح بالكلية الفنية العسكرية ثم التحرك إلى مقر الاتحاد الاشتراكى لاعتقال الرئيس السادات أثناء اجتماع هناك مع قيادات الدولة؟، وفى التحقيقات تبين أن العلمية كان بدأ التخطيط لها بداية سنة 1973 وتمت باستئذان مرشد الإخوان وقتها حسن الهضيبى، لم يكن صالح سرية مصريا، كان فلسطينيا، هاجر إلى العراق ثم جاء إلى مصر لنيل الدكتوراه من كلية التربية- جامعة عين شمس، ومنذ صباه كان منخرطا فى الجماعة.
ما جرى فى الأردن الأسبوع الماضى، يؤكد أن الجماعة لا تغير رأيها أبداً، يتصور البعض أن محاولة إدماج الجماعة فى العملية السياسية والديمقراطية تعنى أن تتحول عن أهدافها وخططها القديمة، هذه الفكرة تبنتها الولايات المتحدة منذ نهاية الأربعينيات، حيث قررت الإدارات الأمريكية توظيف الجماعة لمحاربة الاتحاد السوفيتى والأفكار الاشتراكية، تحت ذريعة أن الاشتراكية تقوم على الإلحاد.
هذا الرهان كان قائما فى المملكة الأردنية، منذ أيام الملك حسين، حيث سمح لهم بدخول مجلس الأعيان «البرلمان» وشاركوا فى العملية السياسية، لكن فى العديد من المواقف تبين للمملكة أن هدفه إسقاط الدولة والسيطرة عليها وإشعال الفتن والفوضى بقي قائما، لم يتحولوا عنه.
وقد يتصور بعض المتعاطفين مع الجماعة أن الهدف هناك كان استخدام الطائرات المسيرة ضد إسرائيل، مع ملاحظة وجود معاهدة السلام بين المملكة وإسرائيل منذ سنة 1994 والتى تعرف باتفاق «وادى عربة» وقيام عمليات هجوم على إسرائيل من الأردن بطائرات مسيرة، يعنى الزج بالمملكة فى حرب عسكرية لم تخطط لها ولم تستعد وتتهيأ لخوضها، ويعنى فى هذا الظرف منح إسرائيل وحكومة نتنياهو مبرراً لاجتياح الضفة الغربية وطرد سكان فلسطين إلى داخل الأردن، ومنذ السابع من أكتوبر بذلت مصر والأردن تحديداً وكذلك معظم الدول العربية جهداً للحيلولة دون ذلك، وقد نجحت حتى الآن الجهود المصرية والأردنية، لكن الواضح أن الجماعة تريد أن تقدم هدية لحكومة نتنياهو.
العمل على إدماج الجماعة – جماعة حسن البنا – فى العملية السياسية كى تصير جزءاً من النظام السياسى، حدث خارج الأردن أيضا، فى مصر تحديداً، أكثر من مرة.. الأولى كانت زمن الملك فاروق بعد اغتيال حسن البنا، فقد سمح لهم الملك بالعودة ثانية، واختير الهضيبى مرشداً عاماً، وقابله الملك، وتبين فيما بعد أنهم أعدوا خطة لاغتيال الملك، تم اكتشافها فى اللحظات الأخيرة، إذ جندوا عامل الأسانسير الخاص بالملك فى قصر القبة، للقيام بهذه الجريمة، وضبط واعترف.
ثم كانت هناك محاولة ثانية بعد ثورة 23 يوليو 1952، فى أكتوبر 1954 حاولوا اغتيال جمال عبدالناصر فى ميدان المنشية، وكان وراء العملية عبدالقادر عودة وكيل الجماعة، رغم أن الجماعة فى تلك الفترة كانت مدللة من مجلس قيادة الثورة، تم استثناؤها من القرار على الأحزاب السياسية واختير عضوان منها فى مجلس الوزراء، وسمح لها بإصدار ما تشاء من الصحف والمجلات، كان عبدالناصر حينها وزيرا للداخلية وهو الذى دافع عن تراخيص تلك الصحف.
المحاولة الثالثة قام بها الرئيس أنور السادات ونتيجتها معروفة، سمح لهم السادات بالعودة إلى الحياة العامة وإلى وظائفهم، وسمح لهم بإصدار مجلتهم، وتأسيس عدد من دور النشر ودخول الجماعات، أمين التنظيم بالاتحاد الاشتراكى محمد عثمان إسماعيل الذى عين فيما بعد محافظا لأسيوط وكان الداعم الأكيد لهم مكلفا من الرئيس السادات، ثم كانت النتيجة، إباحة دم الرئيس السادات والدعوة لاغتياله وتحقق يوم 6 أكتوبر 1981، ولم يكونوا بعيدين عن تلك الجريمة.
أما أطول محاولة لإدماجهم فى العملية السياسية فكانت زمن الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بدأت سنة 1984 بالسماح لهم بدخول مجلس الشعب متحالفين مع حزب الوفد العريق، ثم مع حزب العمل الاشتراكى، وصل الأمر أن صار لديهم 88 نائباً فى البرلمان سنة 2005، وصاروا فعلياً شركاء للنظام، مشاريعهم الاقتصادية قامت، نمت ثرواتهم بل تضاعفت، دخلوا بمجالس النقابات المهنية، استولوا على بعضها بالكامل، كل هذا والنظام يتصور أنه تخلص من عنفهم وإرهابهم وخلق منهم كياناً مدنياً سياسياً، ثم جاءت أحداث 28 يناير 2011، لتقوم عناصرهم بإحراق أقسام الشرطة وعدد من المبانى العامة، ثم اقتحموا السجون وقتلوا ضباطاً وقيادات أمنية، على النحو الذى نعرفه سنة 2012، هددوا المصريين جميعا، إما أن يستولوا على الدولة وإما أن يحرقوا الوطن بأكمله، حتى وصلنا إلى ثورة 30 يونيو للتخلص منهم.
هذه التجارب التى مرت بها مصر منذ العهد الملكى وحتى يومنا هذا، وتجربة المملكة الأردنية، تحتاج إلى أن نتذكرها ونستوعبها جيداً، ليس من باب الحكايات المؤلمة ولا نقوم بتجديد الآلام والجراح، لسنا من أنصار النواح، ولكن لأن هناك من يطل علينا بين حين وآخر بنداء المصالحة وعفا الله عما سلف.. ثم هناك من يحاولون تبرير ذلك! بمقولة إن جماعة الإرهاب استوعبوا الدرس وأن قواهم تراجعت، وأن المصالحة ولم الشمل واجب.
لم الشمل هدف وطنى واجتماعى وإنسانى نبيل، قامت به الدولة المصرية، بمبادرة من الرئيس السيسى شخصياً، حين دعا إلى الحوار الوطنى فى إفطار الأسرة المصرية، شهر رمضان المبارك سنة 2021، والتقت القوى الوطنية والسياسية مجتمعة، جرت جلسات وحوارات مطولة، تم فيها الاتفاق والاختلاف، فى النهاية كان هناك منتج أو مخرجات لهذا الحوار وقد التزمت بها الدولة واتخذت فى معظمها إجراءات فورية، لجنة العفو الرئاسية عادت للعمل، الرئيس توسع فى قرارات العفو عن المحكومين بالسجن، وتمت إعادة تأهيلهم وإلحاقهم بالوظائف وتدبير فرص عمل.
المصالحة واجبة وضرورية والعفو شيمة الكبار والتسامح خلق وسلوك كريم، وإذا كان الأمر على هذا النحو بالنسبة للأفراد والمجموعات البشرية فى أى مجتمع، فهو أكثر وجوبا بالنسبة للدولة، التى يجب أن تمنح الفرصة لمن يتجاوز القانون فى أن يبدأ من جديد، لكن كل ذلك يتم مع من يؤمن بضرورة الدولة الوطنية ويقر بسيادة الوطن، أما من يعمل ضد الوطن والدولة بل ينكر الوطن ويعتبره حفنة من تراب عفن، أو من يعلن بكل قبح «طظ فى مصر» ومن يرفض وجود الدولة بالمرة ويريدها طوائف ومذاهب.. فكيف يمكن التصالح معه؟!
لا بد أن نتذكر ذلك ونستوعبه جيداً، نتذكر كذلك الذين أحرقوا المجمع العلمى المصرى ومقر مجلس الشورى القديم، ومن رفعوا شعار «نحكمكم أو نقتلكم» ومن يرقصون على أنغام بنيامين نتنياهو، ويحاولون تقديم الذرائع له، عن شعور أنهم مع الفوضى يمكن أن يقفزوا إلى السطح ويكرروا ما جرى سنة 2011/2012.
الخلايا التى كُشفت فى المملكة الأردنية، تكشف عدة أمور جديدة، يجب أن نتوقف عندها.
أولاً: الجماعة تستعمل الأسلحة السهلة والرخيصة، التى يمكن تهريبها بسهولة أو تصنيعها محلياً، مثل الطائرات المسيرة، والصواريخ قصيرة المدى، والصواريخ التى ضبطت فى الأردن مداها يتراوح بين 5 كيلو و15 كيلو مترا، يعنى أنها يمكن أن تطلق داخل مدينة، من حى إلى حى أو من مدينة إلى أخرى قريبة منها، الجماعة منذ سنوات تسير على هذا المنهاج، زجاجات مولوتوف، قنابل المسامير والآن مسيرات وصواريخ.
ثانياً: الجماعة يمكن أن تدرب كوادرها خارج الحدود، وتختار الأماكن التى تكون سيطرة الدولة فيها محدودة، وبعد ذلك يعود الكوادر إلى المناطق المستهدفة وتنفيذ خططهم بها.
ثالثاً: تقدم الجماعة خطاباً معلناً أنها تجمع السلاح وتسعى إلى تجنيد الشباب لتحرير القدس وفلسطين «شهداء بالملايين، ع القدس رايحين» وفى كل مرة يتضح أن الهدف داخلى ويتعلق بهدم الدول والأنظمة وتخريب المجتمعات، وحين تنادى فلسطين يهربون إلى لندن وإلى غيرها.. أما إسرائيل فإنهم حريصون على عدم المساس بها، وتجربة السابع من أكتوبر خير شاهد.
ما قامت به المخابرات العامة الأردنية من متابعة دقيقة للخلايا التى كانت تجهز لعمليات إرهابية داخل المملكة وربما خارجها - رسالة للعالم العربى كله أن هذه الجماعة لا تجدى معها مصالحة، ولا ينفع معها أى عملية إدماج سياسى، هى جماعة لديها هدف واحد فقط، هو إسقاط الدولة الوطنية المدنية وشق الأوطان، ونحن فى مصر أكثر من عانينا ذلك.
