بعد الهجمات الواسعة على كييف.. خبراء: التصعيد الروسي يستهدف الضغط على أوكرانيا للقبول بأي شروط للمفاوضات
استهدفت روسيا خلال الساعات الماضية من فجر الخميس، الأراضي الأوكرانية بهجمات مختلفة باستخدام الصواريخ والمسيرات، طالت بعضها العاصمة الأوكرانية كييف، ما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة أكثر من 50 آخرين جراء وجهت موسكو 7 ضربات صاروخية روسية على مدينة خاركيف شمال شرق أوكرانيا، في هجوم وصف بأنه الأكثر فتكا في العاصمة الأوكرانية.
ووصف خبراء التصعيد بأنه يستهدف المزيد من الضغط الروسي على كييف للقبول بالمفاوضات وما تسفر عنه، لتحقيق أكبر مكاسب لموسكو.
الهجوم الروسي على كييف
وقال سلاح الجو الأوكراني إن روسيا أطلقت 70 صاروخا و145 مسيرة على ست مناطق أوكرانية.
وقال وزير الخارجية الأوكراني أندري سيبيجا إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يظهر من خلال أفعاله، وليس أقواله، أنه لا يحترم أي جهود للسلام ويريد فقط مواصلة الحرب"، منتقدا "مطالبات موسكو المتطرفة بانسحاب أوكرانيا" من المزيد من أراضيها كشرط للسلام.
وفي تصريحات له، أكد الرئيس الأوكراني فولديمير زيلنسكي أن "أوكرانيا ستظل دائما تتصرف وفقا لدستورها، ونحن على يقين تام بأن شركاءنا، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، سيتصرفون انسجاما مع قراراتهم الحاسمة".
ضغوط على كييف
ويقول الدكتور نبيل رشوان، الخبير في الشأن الروسي، إن التصعيد العسكري الروسي، نوع من الضغط على كييف للقبول بالشروط التي تقترحها الولايات المتحدة في المفاوضات الجارية، وكذلك محاولة إثارة الرأي العام داخل أوكرانيا على الرئيس الأوكراني فولديمير زيلينسكي، وربما الضغط عليه للقبول بأي شروط من الممكن أن تقترحها الولايات المتحدة، مقابل وقف إطلاق النار.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن مسألة السيطرة الروسية على كامل الأراضي في أوكرانيا أمر غير وارد في الوقت الراهن، فهي عملية صعبة بالنسبة لروسيا في الوقت الحالي، لأنه لا توجد قوات كافية للاستيلاء على أوكرانيا بالكامل، فالقوات الروسية، مثلها مثل القوات الأوكرانية، في حالة إجهاد جراء الصراع المحتدم منذ ما يزيد عن 3 سنوات.
وأضاف رشوان أن معظم مواقع الضربات التي نفذتها روسيا خلال الساعات الماضية تقع داخل المدن ومواقع مدنية، ولا علاقة لها بمواقع عسكرية، ولذلك من الصعب القول بأن هذه العملية تصب في اتجاه توسيع روسيا لرقعة الأراضي التي تسيطر عليها داخل الأراضي الأوكرانية.
وعن الموقف بعد رفض أوكرانيا مقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أكد أن واشنطن لا تزال حريصة على استمرار المفاوضات في أوكرانيا، لأن كييف تهم الجانب الأمريكي وكذلك أوروبا أيضًا، من حيث الموقع والموارد الطبيعية، وكذا، وبالتالي فمن المستبعد أن تتخلى الولايات المتحدة عن أوكرانيا بهذه الطريقة وتتركها لروسيا.
وشدد على أن الولايات المتحدة لا تقدم حاليًا أي مساعدات، لا عسكرية ولا اقتصادية ولا أي شيء لأوكرانيا، وبالتالي فأوكرانيا لن تخسر شيئًا، من تغير الموقف الأمريكي، حيث أنهت هذا الدعم بدرجة كبيرة جدًا، وبالتالي لم يعد لدى الولايات المتحدة وسيلة تضغط بها على أوكرانيا، مشيرا إلى أن الأوروبيين هم من يريدون تقديم الدعم لأوكرانيا في المجمع العسكري الصناعي، وتطوير الصناعات العسكرية في كييف، وربما تقديم بعض الأسلحة والمعلومات الاقتصادية والعسكرية.
وأشار إلى المقترح الأمريكي بشأن الاعتراف بالسيادة الأمريكية على شبه جزيرة القرم والرفض الأوكراني لذلك، موضحا أنه فشل بشكل ما خاصة بعد فشل الاجتماع الذي كان مقررا في لندن أمس، و لم يحضره وزير الخارجية الأمريكي أو الألماني أو الفرنسي واقتصر الأمر على بعض المسؤولين من مستوى مستشار الأمن القومي البريطاني، ومسؤولين أوكرانيين والمبعوث الأمريكي واتفقوا على استمرار الحوار.
وأكد أن قضية شبه جزيرة القرم شديد الحساسية للجانب الأوكراني، حيث لا يمكن لها أن تتنازل عن شبه جزيرة القرم، كذلك فهناك نقطة مهمة جدًا يغفل عنها الكثيرون وهي أن الأمر لا يقتصر على اتخاذ القرار من قبل الرئيس الأوكراني من عدمه، بل في القوميين الأوكرانيين، فحتى إذا وافق الرئيس الأوكراني في الحكم هناك في يد التيار القومي القادم من غرب أوكرانيا. وهذا تيار شديد ومتغلغل ومتواصل، والرئيس نفسه قال إنه "لا يوجد في الدستور مادة تتيح التنازل عن أراضي أوكرانيا. ثانيًا، هذه أرض الشعب، ليست أرضي."
العمليات العسكرية والمفاوضات مساران متوازيان
ومن جانبه، أكد لدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية، إن التصعيد الروسي في أوكرانيا أمر طبيعي، فالعمليات العسكرية تسير في مسار متوازي مع المفاوضات، ولتحقيق أكبر مكاسب في المفاوضات، يمارس كل طرف الضغط العسكري، وهذا ما يفعله الرئيس الروسي بوتين في الحقيقة، وهذا أيضًا يتزايد مع التصريحات الأمريكية التي تفيد بأنه على أوكرانيا أن تقبل فكرة الاحتلال الروسي لأراضٍ أوكرانية، خصوصًا شبه جزيرة القرم.
وأوضح سلامة، في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن عملية التصعيد العسكري التي ينفذها بوتين هي ممارسة لأقصى درجات الضغط لتحقيق مكاسب سياسية على مائدة المفاوضات، خاصة أن هناك مساندة أمريكية للمواقف الروسية، حيث يحاول بوتين استقطاب الدعم الأمريكي لصالح مكاسب سياسية معينة.
وشدد على أن الحرب ستنتهي في صورة صفقة، ستكون على مدى أطول حيث ستأخذ وقتًا أطول قليلًا إلى أن يقرر بوتين لأنه الطرف الأقوى، أنه حقق هذه المكاسب، وبالتالي تتوقف الحرب في أوكرانيا، وذلك في إطار التوافق مع الولايات المتحدة الأمريكية، مضيفا أن الأمور تشير إلى أن تلك الصفقة ستكون لصالح روسيا، وخاصة أن أوكرانيا مستهدفة بفكرة اتفاق المعادن مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا أيضًا ينتقص من قدرات كييف ومن أمنها القومي.
وأكد سلامة أن التصعيد يستهدف تحقيق سيطرة أكبر على أراضٍ أوكرانية، لأن كييف كانت جزءًا من الاتحاد السوفيتي السابق، وكثير من الثقافة، خصوصًا في الأقاليم المتاخمة للحدود مع روسيا، تتحدث باللغة الروسية، وثقافتها مرتبطة بالروس بدرجة كبيرة، إلى درجة أن المناهج التعليمية نفسها هي مناهج روسية، مشيرا إلى أن بوتين يحاول أن يستعيد فكرة الإمبراطورية الروسية، وهو أمر ما زال حلمًا يراوده، خاصة أن العالم اليوم قيد إعادة التشكل.
ولفت إلى أن روسيا الاتحادية، ليست روسيا فقط بل التي تسيطر على أقاليم من أوكرانيا وتسيطر على شبه جزيرة القرم، وهذا ينعكس على نظرة العالم إلى موسكو من ناحية، وعلى قدرتها على أن تكتسب مزيدًا من الاحترام ومزيدًا من السيطرة عالميًا، وهذا كله لا ينفصل عن مرحلة التغير التي يشهدها العالم في إطار فكرة تعدد الأقطاب الجديدة.
وشدد على أن المشروع هو روسيا الاتحادية في ثوب جديد، أقرب ما يكون إلى الاتحاد السوفيتي السابق، وبالتالي فالمناطق التي تسيطر عليها روسيا مثل شبه جزيرة القرم أو التي نجحت في ضمها عسكريا بعد اندلاع الحرب على أوكرانيا قبل 3 سنوات، لن تتخلى عنها موسكو بأي شكل من الأشكال، وإذا بلغت المسألة أقصاها، قد تصبح هذه المناطق مناطق حكم ذاتي، ولكن تحت السيطرة الروسية."