رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


وكلاء الدين

1-5-2025 | 15:10


.

بقلـم: إيمان رسلان

فجأة عادت قضية الميراث للأنثى إلى وجهة الحديث العام، وقامت الدنيا مجددا بسبب ما قاله د. سعد الهلالى، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، حول تفسيرات وأسانيد شرعية يطرحها فى قضية الميراث، ولكن بدلا من المناظرة بالرأى حدث تجاذب هنا وتجاذب هناك، وسبّ وقذف أحيانا، وبيانات وبيانات مضادة، حتى نتصور أن الرأى والاجتهاد والحديث عنه هو الخروج من الملة، وليس اجتهادا يستوجب النقاش والحوار، بدلا من وُلاة الدين وملوكه.

 

 استمعت إلى حديث د. الهلالى مرة واثنتين وثلاثا، واستمعت كذلك لمداخلته مع عمرو أديب حول تصريحاته، إذ قال د. الهلالى نصا لم أقُل بإبطال الآية «للذكر مثل حظ الأنثيين»، أى الدكتور لم يقُل بما تم اتهامه به، ولكنه شرح الكثير والكثير حول ميراث الأنثى والابنة. 

إذًا هذا هو مربط الفرس فى الموضوع، وأن الهجوم الشديد وليس المحاورة والتناظر لأن القضية باختصار تخص المرأة، هذا هو جوهر الموضوع، فى النهاية المرأة، مع أن النص القرآنى واضح، والاجتهاد والفقه واضحان أيضا، ولم يمنع الدين أبدا تقسيم الميراث بالتراضى إذا كان ذلك هو رغبة أسرة المتوفى، أى إعادة التقسيم بعد الوفاة فليس عليه حظر أو تحريم، وكذلك الوصية وتقسيم الأموال فى حياة الإنسان نفسه فهذا حق مطلق للإنسان فى حياته وبرغبته، فإذا أراد تقسيم ما لديه بالتساوى أو أن يكتبه فى حياته فهذا حق مطلق له، لا ينازعه فيه فقه أو غيره. فلمَ إذًا النزاع والاتهامات والبيانات؟ دعونى أكن أكثر صراحة.. أليس الآن فى واقعنا اليومى الكثيرون من الأهل الذين لديهم صنف واحد، هن البنات، يلجأون إلى التقسيم المباشر والمتساوى فى حياتهم ويطلقون عليه الوصية أو غيره من المسميات، أليس قانون التأمينات الاجتماعية يساوى بين الأبناء، الإناث والذكور منهم، فى النسبة التى تتحصل أو يتحصل عليها كل منهم؟، الإجابة نعم، لأنه قانون مدنى ولكنه لا يخالف الدين أيضا لأن حياة الإنسان وعمله فى حياته، تعنى أنه يربى ويساوى بين أبنائه فى حياته ومن ثم بعد مماته أيضا، فهو المسئول عنه أولاده، وبالتالى جاء القانون بالتأمينات لكى يراعى ويستمر هذا الفعل، فعلى سبيل المثال مات الأب وأبناؤه فى مراحل التعليم فكيف ستكتمل المسيرة؟ هل نعطى لابن معاشا أكبر من أخته فتطرح مثلا خروجها من مسيرة التعليم لصالح أخيها؟، لا أعتقد أن ذلك سيكون مقبولا اجتماعيا بل حتى فى الحفاظ على صلة الرحم. بل العكس سيخلق فى حياتنا المعاصرة الأزمات وربما الضغائن، إذًا كان المشرع والقانون يستلهم مقاصد الشريعة والواقع بل وفقه الحياة نفسه، لأنه من غير المتصور مثلا أن تُحرم البنت من تكملة مشوار التعليم لصالح أخيها، إذ لم يكن قانون التأمينات قد حصّن لها ذلك لأنه منطقيا ليس هناك أب أو أم، أما الآن فى عصرنا الحالى فستفضل عدم تكملة ابنتها لمشوار التعليم، بل إن المقولة الخالدة لدى المصريين هى أن التعليم سلاح ضد الزمن وتقلبات الحياة، ومن هنا زادت وارتفعت نسبة الإناث فى التعليم بمراحل المختلفة حتى فى الدراسات العُليا، ولولا القناعة بأهمية التعليم لدى المصريين لما أصبح سلاحا الكل يحرص عليه، فقراؤه قبل أغنيائه، ومن الطبيعى أن تأتى القوانين لتكرس هذا المنحنى بالمساواة والعدل الذى هو فى الأصل صلب الدين نفسه. وبما أن ظروفى العائلية فرضت علىّ وفاة الأم أولا ونحن صغار ولأنها امرأة عاملة حصلنا على المعاش بولاية أبى، ثم بعد وفاته ونحن فى مراحل التعليم أيضا حصلنا على المعاش، وكنا بنات، إذًا لولا هذا القانون المدنى فى حق المعاشات والبنات لربما تغير المسار قليلا، ولكن على الناحية الأخرى بعيدا عن التأمينات دخل الأهل معنا فى الميراث فى غير المعاش الذى تدخل به فقط (الجد والجدة) والقانون المصرى يطبق النص «للذكر مثل حظ الأنثيين» فى التوزيع بين حتى الأعمام والعمات، لعدم وجود ذرية من الذكور لنا، وكانت تلك المعضلة تشغلنى دائما، خاصة أنه ليس هناك نص صريح لدخول الأعمام والأخوال والعمات والخالات، لأن ليس لدينا ذكر، والآيات ليس بها ما يُفهم وقد يكون فهمى (خطأ) أن الأعمام والعمات أى الإخوة لأب من الدخول ومأزقه سورة النساء تقول (ولد) وقد فهمتها أنها تنطبق على الذكر والأنثى معا وإلا لجاء التحديد مثل أول الآية بذكر وتحديدا بالذكر والأنثى. وتقول بالميراث للأم والأب أى جدتى وجدى، وليس هناك ذكر بالآية لأعمام والعمات أى الإخوة إلا لمَن لم ينجب أصلًا، وهو المقصود بكلمة كلالة فى الآية وكتبت فى ذلك الأمر وكان اجتهادا منى فى الفهم، فالدين هو ملك لنا للفهم، وطرحت أن توسيع دائرة الميراث لتشمل الجميع والإخوة رغم أن المتوفى لها ولد كما فهمتها بمعنى أنها الأولاد سواء بنات أو ذكورًا، ولذلك وأنه ليس هناك ما يمنع من سنّ قانون مدنى بالمساواة يُطبق اختياريا لمَن يريد وليس إجباريا، وهو ما أراه فقه المواءمة، أى حق الاختيار. 

وأذكر عندما كتبت ذلك، وكانت تونس تطبق مثل هذه القوانين، وسبقتها تركيا على ما أعتقد بالقانون الاختيارى والحق المتساوى، وبعدها ظهرت منذ سنوات قليلة فى برنامج إعلامى، وكان الطرف الآخر فى الحوار أستاذ فلسفة وعقيدة من الأزهر، وقال إن ما أتحدث عنه هو حالة شاذة، ويقصد توريث وحصول الأعمام والعمات على الميراث لعدم وجود ذكر، فقال إنها حالة شاذة أى وصف حالتى وأسرتى بأنها شاذة، فتعجبت من تفسيره مع العلم أن مما يقرب من نصف الأسر ينجبون بنات. فكيف نكون حالة شاذة؟ للحقيقة لقد كانت العائلة فى بعض المواقف بعد ذلك كريمة معنا، وأعاد بعضهم ما تم الحصول عليه، وكان ذلك تراضيا من البعض، ولكن ليس كل الأسر هكذا، بل أكاد أعلم عن الكثير من الأسر أنها تحصل على نصيبها، ولا تسأل أو تساعد فى حياة مَن ورثوا منهم، وهذا هو عكس التراحم المقصود. ومنعًا لهذه الأزمات الأسرية والمشاكل وحفاظًا على صلة الأرحام فإن العديد من الأسر الآن تكتب ما لديها للأبناء فى حياتهم؛ منعًا للأزمات وبصيرة لدحض التناحر مستقبلا، وهذا هو المقصود بالفقه الإنسانى فالإسلام ليس به سلطات مطلقة للكهنوت، وإنما هى تأتى من التفقه أى العلم وبالتالى فالعلم يعنى وجود افتراضيّة ومحاولة إثباتها وهذا هو صلب العلم بل والإيمان أيضا، فالله هو العدل، فكيف يستقيم العدل من حرمان البعض من الحق، بزعم أنها أنثى وقد كتب لها الوالد أو الوالدة وفى حياتهم نصيبا من ثروته؟، رغم أن العدل موجود فى الحساب نفسه يوم القيامة عند الله، فالذكر والأنثى متساويان فى الحساب وفى الحسنة والسيئة، فكيف يستقيم العدل هنا ولا يستقيم مثلا فى أن أكتب لبناتى فى حياة عينى ما يعينهن على الحياة.

أعتقد أن ذلك هو جوهر العدل وحق الإنسان فى نتيجة ما كسب وتوزيعه فى حياته، فهذا يكفله الدين ولا يحرمه، وهو المقصد دائما من الإيمان والعمل الصالح، وأن يعيش الأبناء حياة كريمة، فالعقل عبادة، ولذلك علينا التدبر بالعقل والمنطق فى أحكام الله العادلة ومن خلق الذكر والأنثى.