رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


وجوه غربية فضحت الصهيونية

4-5-2025 | 15:24


د. ياسر ثابت,

لم يكن العرب وحدهم من ناهض الصهيونية، بل إن ثمة أسماء لامعة في الغرب كشفت الوجه القبيح للحركة الصهيونية وجرائمها البشعة، وفضحت مساعيها لغسل الأدمغة وابتزاز العالم بدعوى أنها الضحية، مع أنها تلعب دومًا دور الجلاد.

تشومسكي.. عرّاب الحق الفلسطيني تصدى الباحث والأكاديمي الأمريكي نعوم تشومسكي للدعاية الصهيونية، ويمكن استقراء بعض آرائه ومواقفه من الحركة الصهيونية في كتابه "أوهام الشرق الأوسط".

تعاطف تشومسكي بقوة مع عدالة القضية الفلسطينية، ما جرّ عليه اتهامات بأنه "معادٍ للسامية" أو حاقد على يهوديته؛ إذ كيف يخون دينه ويساند الإرهاب العربي؟! شُنّت عليه حملات مكثفة وتطاولت عليه كتابات اتهمته بالكذب والتناقض. من ذلك كتاب پول بوكدانور "200 كذبة من كذبات تشومسكي"، وكتاب تشارلز كالينا "نعوم تشومسكي ونقاده"، وغيرهما.

كما تمنعت عليه "جائزة نوبل" على الرغم من أنها ذهبت إلى بعض تلاميذه، لم يتراجع تشومسكي ولم يهادن، بل وقف ضدّ أطماع الصهيونية ومشروعاتها التدميرية؛ إذ كيف لمفكر أو أي إنسان عاقل أن يقبل بتشريد شعب بكامله، ليحيا شعب آخر بدلًا منه؟ وفي كتابه المشترك مع المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه "عن فلسطين"، الذي ضم حوارًا مطولًا يجمع بين نعوم تشومسكي وبابيه، يحاول المؤلفان الإجابة عن أسئلة مهمة ويناقشان موضوعات شائكة، من خلال تحليل ينم عن فهم عميق لتاريخ القضية الفلسطينية وتأثيرها العالمي.

وبالإضافة إلى تقديم الكتاب -الصادر عام 2023 في ترجمته العربية عن منشورات "جدل" بترجمة سالم عادل الشهاب- حلولًا ومعالجات للقضية الفلسطينية وتحليله لواقع النزاع داخل المجتمع الإسرائيلي وصراعاته الطبقية، يشارك الكاتبان تجربتهما داخل المجتمع الإسرائيلي وخارجه، وأهم التحولات التي طرأت على الرأي العام الأمريكي، بما في ذلك الأوساط الأكاديمية التي تبدو أكثر تقبلًا للطرح المناهض لنظام الفصل العنصري من ذي قبل.

وتركز مناقشتهما، التي أدارها وتدخل فيها الناشط البلجيكي فرانك بارات، على الصهيونية كظاهرة تاريخية، وعلى نظام الفصل العنصري ومدى فعالية حملات المقاطعة، ثم عن حق العودة والحلول الممكنة للقضية التي تتأرجح بين حل الدولتين وحل الدولة الواحدة.

وذلك من خلال 3 أقسام أولها عن الماضي في محاولة لفهم الفكر الصهيوني، والثاني عن الحاضر والدور الذي يجب أن يلعبه الناشطون المتضامنون مع فلسطين، أما الثالث فقد خُصّص لمناقشة مستقبل القضية الفلسطينية وتفكيك الخيارات المطروحة على طاولة النقاش.

وفي محاولتهما لتحديد مفهوم الصهيونية وتطوره التاريخي كجزء رئيسي يمكن من خلاله فهم الماضي فهمًا شاملًا، يؤكد بابيه أن هناك تعريفات عدة لهذه الحركة، أبرزها وأكثرها حيادية على حد وصفه هو أنها "أيديولوجية"، ويعني ذلك -بالنسبة له- "أن اليهودية بوصفها حركة وطنية لديها الدافع والحق في الحصول على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية".

كما يلفت إلى وجود بُعدٍ واحد للصهيونية لا يتغير مع الزمن وهو أنها استعمارية-استيطانية، ويوضح بالقول: "قد تتغير الوسائل المستخدمة لاستعمار فلسطين بمرور الزمن، لكن الرؤية ما زالت نفسها، من خلال هذا المشروع الاستعماري، تنبثق النظرة للسكان الأصليين على أنهم عقبة لنجاح هذا المشروع".

أما نعوم تشومسكي، فيقدِّم موجزًا لتاريخ مفهوم الصهيونية والتغييرات التي لحقت به بعد قيام إسرائيل، مشيرًا إلى أنه منذ عام 1948 أصبحت الصهيونية تعني دين الدولة.

ومن الملاحظات التي يرى تشومسكي أنها داعمة لفكرة عنصرية إسرائيل، محاولاتها لحجب ومنع أي حديث أو إشارة إلى النكبة والإقرار بها، في إشارة منه إلى قانون النكبة الذي أقره الكنيست الإسرائيلي في 23 مارس 2011، وينص على منع إحياء ذكرى النكبة بدلًا من "يوم استقلال إسرائيل".

ويتابع أنها بالإضافة إلى سياستها باستقطاب أكبر عدد من اليهود -التي ستؤدي إلى تدميرها ذاتيًا- فإنها ارتكبت خطأ انتحاريًا عام1971 برفضها معاهدة سلام كامل عرضتها مصر. ويشير تشومسكي في هذا الصدد إلى أن تفضيلها لنهج سياسة التوسع بدلًا من السلام سيؤدي بها لأن تصبح دولة منبوذة وفاقدة للشرعية، وسيصبح دعم الولايات المتحدة الأمريكية وسيلتها الوحيدة للبقاء.

ويؤكد في الوقت ذاته أن "الناس الذين يدعون إلى مناصرة إسرائيل هم في الحقيقة مناصرون لسقوطها الأخلاقي، وربما لتدميرها الذاتي أيضًا".

فينكلشتاين.. كشف الأكاذيب كونه الباحث الأكثر إثارة للانقسام في الولايات المتحدة بين متخصصي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أمضى نورمان فينكلشتاين السنوات الأربعين الماضية منبوذًا من قبل وسائل الإعلام التقليدية ومن الأوساط الأكاديمية الأميركية، ثم دفعه هجوم السابع من أكتوبر إلى دائرة الضوء وأصبح كتابه "غزة: تحقيق في استشهادها"، الصادر عام 2018 أكثر الكتب مبيعًا في فئة تاريخ الشرق الأوسط في موقع أمازون، وفينكلشتاين هو سياسي أميركي وناشط وأستاذ جامعي سابق حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة برنستون.

وتُرجمت كتبه الكثيرة إلى حوالي 50 لغة أجنبية، ويؤكد جون ميرشايمر، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة شيكاغو، أنه "لم يقم أي باحث بأكثر مما قام به فينكلشتاين لتسليط الضوء على معاملة إسرائيل القاسية للفلسطينيين في غزة".

يقول فينكلشتاين إن معركته ضد سردية إسرائيل نابعة من التزامه بقيم العدالة والحقيقة، وليست مرتبطة بهويته اليهودية.

خاض فينكلشتاين معارك ثقافية كثيرة ضد السردية الصهيونية، كان أبرزها تفنيده كتاب "من زمن سحيق" لجوان بيترز، الذي حاول الترويج لفكرة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".

ويروي فينكلشتاين كيف قضى ليالي طويلة في المكتبة، يدقق في الأرقام والدراسات الديمغرافية، حتى اكتشف زيف الادعاءات الواردة في الكتاب، ويقول: "في إحدى الليالي، اكتشفت فجأة أن الدراسة الديمغرافية في الكتاب كانت ملفقة؛ لا يمكن أن أصف لك شعوري، جسدي كله كان يرتجف".

هذا الاكتشاف فتح أمام فينكلشتاين بابًا جديدًا؛ إذ تلقى اتصالًا من المفكر الأميركي نعوم تشومسكي، الذي اعتبر ما فعله بمنزلة "دك أركان المشهد الثقافي الأمريكي"، ونصحه بمواصلة البحث في المزيد من الأكاذيب التي تضمنها الكتاب ودحضها.

لم تقتصر معارك فينكلشتاين على تفنيد الروايات الصهيونية، بل امتدت لتشمل نقدًا لاذعًا لاستغلال ذكرى المحرقة النازية، لكنه أوضح أن كتابه "صناعة الهولوكوست" المتعلق بهذه القضية لم يشكك في المحرقة النازية، لكنه اهتم بكيفية استخدام المحرقة واستغلالها كأداة سياسية.

ويقول فينكلشتاين إنه على الرغم من أن الهولوكوست كان حدثًا مروعًا، فإنه تحول فيما بعد إلى "أداة ابتزاز رخيصة" استخدمتها إسرائيل واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة للضغط على أوروبا والحصول على تعويضات مالية وسياسية.

ويشير فينكلشتاين إلى أن الهولوكوست فقد قيمته الأخلاقية بوصفه حدثًا تاريخيًا، وأصبح يُستخدم فقط لتحقيق مصالح سياسية ضيقة، وهذا الاستخدام المبتذل للهولوكوست هو ما جعله يعارض بشدة السياسات الإسرائيلية التي تستخدم ذكرى المحرقة لتبرير قمع الفلسطينيين.

ويضيف أن "الادعاء كان بسيطًا جدًا، وهو أنه لا أحد في تاريخ البشرية عانى مثلما عانى اليهود، وإذا لم يعانوا مثل ما عانى اليهود فلا يمكنك محاسبة اليهود بمعايير الآخرين نفسها لأن معاناتهم كانت فريدة".

تأثرت مسيرة فينكلشتاين الأكاديمية بشكل كبير بسبب مواقفه الصريحة ضد إسرائيل والصهيونية، ففي حين كانت له مسيرة ناجحة بصفته أستاذًا جامعيًا في جامعة ديبول، انتهى به الأمر بفقدان وظيفته الأكاديمية؛ إذ تم فصله من الجامعة بسبب مواقفه الحادة.

ورغم الثمن الباهظ الذي دفعه فينكلشتاين من فقدان فرص العمل والتعرض لحملات تشويه، فإنه يصر على مواصلة نضاله، ويقول: "أعتقد أنني قمت بما كنت مُلزمًا أخلاقيًا بفعله، وفعلت ما أردت أن أفعله في حياتي، حياتي هي شهادة على ما فعل في عائلتي، ولن أفعل شيئًا يخون ذكر ما حدث معهم أبدًا".

ويصر فينكلشتاين على أنه لم يندم على ما فعله، فبالنسبة إليه، كانت هذه المعركة ضرورية، لأنها ليست مجرد معركة فكرية، بل هي صراع حقيقي من أجل العدالة.

غارودي.. تفنيد الأساطير لا أحد يمكن أن يتصور ما حدث للفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي، بسبب كتابه "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"؛ إذ حُكِم عليه بالسجن الموقوف لمدة 9 أشهر، مع تغريمه مبلغًا قدره 250 ألف فرنك، ما أدى إلى إفلاسه ماليًا، قال "كنت أراهن على أن يحدث هذا الكتاب الذي وضعته، مستندًا إلى وثائق دامغة، وإلى أقوال ذات صدقية عالية، زلزالًا في اللاوعي الفرنسي، وحتى في اللاوعي الأوروبي، لكنني فوجئت بتعريتي حتى من عظامي وحصاري بالأسلاك الشائكة".

اسمه أزيل من الموسوعة الفلسفية، ومن كل الموسوعات الأخرى.

قال "لا أعتقد أن الحاخامات هم من قام بالثورة الفرنسية.

لكن، ما حدث أن هذه الثورة حررت اليهود من الاضطهاد لكي يضطهد قادتهم الآخرين".

ويضيف: "لكن رأسي بقي طليقًا. لم يتمكنوا من إقفاله بالشمع الأحمر".

لهذا وضع كتابه "Le proces du sionisme israelien" الذي نقله إلى العربية كل من رانيا أبو ناصيف وبيار ريشا بعنوان "غارودي يقاضي الصهيونية الإسرائيلية".

ما قاله لدى صدور الكتاب أثار عاصفة من الاحتجاجات التي زادت من الحصار عليه، باعتباره "فيلسوف المحرقة"، وهو الذي أكد أنه وضع المحرقة (الهولوكوست) في صورتها الحقيقية بعدما تم تسييسها لأغراض زبائنية، معتبرًا أن من انقض عليه خاف من زعزعة البنية الأيديولوجية والتاريخية التي شكلت الحيثيات السياسية لإقامة "إسرائيل".

هكذا، حلّت الأسطورة محل التاريخ، كذلك محل الحقيقة. قراءة الكتاب تُظهِر أن غارودي استند في محطات كثيرة إلى آراء يهود بارزين يمثلون شتى الاتجاهات السياسية والفكرية.

ثمة نقطة لافتة جدًا في الكتاب وهي أن الصهيونية كانت تكذب حين عمدت إلى "التسويق اللاهوتي" للدولة.

في مذكرات مؤسس الحركة تيودور هرتزل قوله "في 23 نوفمبر 1895، كتبت إلى حاخام لندن الكبير، كما إلى مرادوك كاهن، كبير حاخامات باريس، أني لا أخضع لأي باعث ديني في مشروعي" لهذا توجّه في يناير 1912 إلى سيسيل رودز، رئيس وزراء مستعمرة الكاب، وصاحب إمبراطورية الماس، طالبًا استخدام نفوذه لدعم المشروع الصهيوني، كون هذا المشروع وجد لتكريس بقاء الاستعمار، والحؤول دون أي حركة تهدد المصالح الاستعمارية.

غارودي لاحظ أن هرتزل "استخدم الديانة كأداة سياسية لتغطية مؤسسته الاستعمارية.

وعلى طريقة "اللاأدريين" الذين يعدّون القيم الحقيقية للقضايا الدينية أو الغيبية غير محددة، ولا يمكن لأحد تحديدها، لا سيما المتعلقة بوجود الله أو عدمه ـ عدّ نفسه لاأدريًا".

وفي مذكراته كتب أن الحاخامات سيكونون ركيزة أساسية، ومنظمة؛ لتشكيلهم حالة تراتبية مؤثرة. لكن، مع بقاء سلطتهم تابعة للدولة.

كما كتب أن "مناهضي السامية سيكونون أفضل حلفائنا".

من هنا قوله للوزير الروسي فون بلهيف، غداة المجزرة الرهيبة التي نفذها هرتزل نفسه ضد اليهود في مدينة كيشنيف (العاصمة الحالية لجمهورية مولدوفا) في نيسان 1903 إنه سيخلِّصه من الثوار اليهود.

الفيلسوف الفرنسي أظهر مدى المكيافيلية (بالحدود القصوى) في المشروع الصهيوني حين وعد هرتزل الإنجليز بحماية طريق الهند، انطلاقًا من أوغندا أو فلسطين ـ وكلتاهما تتقاطعان مع القارات الثلاث ـ توازيًا، مع التعهد لإمبراطور ألمانيا غليوم الثاني بحماية مشروعه برلين – بيزنطة - بغداد من الإنكليز.

غارودي رأى في مقابلة أجريت معه حول الكتاب وجود شواهد لا تحصى على دور أثرياء اليهود في إضرام الحروب داخل القارة العجوز، مشيرًا إلى ذلك النوع من الحاخامات من أصحاب "النبوءات السوداء" حول الظروف التي يظهر فيها المسيح المخلص (المخلص لليهود فقط) وهم الذين لاحظ حتى ألبرت أينشتاين، حين زار القدس عام 1923 أنهم لم يتمكنوا، أو ربما تعمّدوا، عدم تحويل إلههم من إله قبلي إلى إله كوني (تجربة باروخ سبينوزا في القرن السابع عشر دليل على ذلك).

في كتابه، يشير غارودي إلى قول الحاخام كوهين إن "جدارًا من النار" يفصل اليهود عن الآخرين.

كل آخر هو عدو بالقوة. هنا "أيديولوجيا الكراهية الأبدية".

يستشهد ببعض المؤرخين الذين كتبوا عن "متلازمة العماليق".

وتبعًا لما تقوله الميثولوجيا اليهودية فإن العماليق هم قبائل يمينية انقضت على العبريين لدى خروجهم من مصر.

ويشير إلى أنه في جلسة الكنيست يوم 7 يناير 1952 لمناقشة إصلاحات هيكيلية، رفعت لافتة ضخمة فوق المبنى كتب عليها "تذكَّروا ما فعله بكم العماليق".

تقتضي الإشارة إلى أن رمز "العماليق" في سفر يشوع يعني "ما يجب إبادته" ليستعيد المؤلف قول مناحيم بيغن "لم يقتل آباءكم ألماني واحد.

كل ألماني نازي. المستشار كونراد أديناور هو ووزراؤه قتلة".

مثال آخر: خلال تدريس سفر يشوع (مدرج في المناهج الرسمية) وزع أستاذ في تل أبيب يُدعى تاماران نصًا على ألف تلميذ جاء فيه أن السفر قال "صعد الشعب نحو المدينة (أريحا) واستولى عليها وقتل كل من فيها من الرجال النساء والأطفال.

1ـ هل حسنًا فعل يشوع والإسرائيليون برأيك؟

2 ـ لنفترض أن جيشنا احتل قرية عربية أثناء الحرب، هل يجب أن نفعل بسكانها ما فعله يشوع بسكان أريحا؟ حدث هذا في عام 1972.

الإجابات كانت مخيفة، 70 بالمائة قالوا "نعم".

لنلاحظ أن القادة السياسيين والعسكريين في "إسرائيل" يستندون في أدائهم الهمجي في غزة إلى النصوص التوراتية أو التلمودية الأكثر دموية.

بسلئيل سموتريتش ذهب بعيدًا في التأويل الأبوكاليبتي للنص، دم الفلسطينيين لغسل التراب حتى من وقع أقدامهم؛ إذ يفترض ألاّ يطأ أرض الميعاد سوى اليهود.

يقول غارودي إن العقل السياسي يتشكل في "إسرائيل" على أساس إقامة سور من الكراهية بين اليهود والآخرين.

لذلك، دعا، وبالدرجة الأولى، إلى تحرير اليهود من الترسبات الأيديولوجية التي تعدّ كل ما يفعلونه إنما هو برغبة إلهية.

لم يقل بمشيئة إلهية. حتمًا، لا يدافع صاحب "كيف نصنع المستقبل" عن الجرائم المروعة التي ارتكبها النازيون.

اعتراضه على الدعاية التي انتهجها دعاة الصهيونية لاستثمار المأساة في "السوق السياسية"، حيث يجري "المزج العشوائي بين دماء الضحايا والوحول السياسية".

أكثر من مرة أشار غارودي إلى التداخل أو التماهي بين المكيافيلية العمياء والأيديولوجيا العمياء مستعيدًا ما ورد في كتاب الباحثة اليهودية الألمانية حنا آرنت "آيخمان في أورشليم".

"في البدء، كانت سياسة النازيين تقوم على التعاطف مع اليهود ومن دون جدل، مع الصهيونية".

ألم يقل اليهودي ألفريد روزنبرغ وهو المنظّر الرئيسي للنازية عام 1935 بمساندة الصهيونية ليتم نقل اليهود إلى فلسطين؟ جاذبية الدم أم جاذبية الأرض؟ حتى قبل قيام "إسرائيل"، كتب مدير الصندوق الوطني اليهودي يوسف وينز عام 1940 "فليكن واضحًا أن لا مكان لشعبين في هذا البلد، حتى إذا ما تركنا العرب فلن يترددوا لحظة في قتلنا أو في اقتلاعنا".

وقال "لا سبيل آخر سوى تهجيرهم. يجب ألا تبقى قرية واحدة، أو قبيلة واحدة. ولنشرح لفرانكلين روزفلت، ولكل رؤساء الدول الصديقة أن أرض إسرائيل ليست صغيرة.

إذا رحل العرب، كل العرب، وإذا ما دفعت حدودها قليلًا إلى الشمال على طول نهر الليطاني وشرقًا إلى مرتفعات الجولان".

يشير المؤلف إلى تصريح رئيس الكنيست مئير كوهين عام 1967 إلى أن إسرائيل "اقترفت خطأ بعدم طرد 200000 أو 300000 عربي من الضفة (تقريبًا كل السكان آنذاك) ليعلّق "هنا نحن في صميم محاكمتي المغلفة بالذهنية الصهيونية؛ لذا، عندما أتحدَّث عن السياسة الصهيونية أنها "تطهير عرقي" أو "عنصرية شوفينية" لا يكون ذلك إثمًا وإنما إضاءة لواقع الحال".