احتفالاً بعيد النصر.. ٨٢ عامًا من «التقارب المصرى - الروسى»
فى إطار حرص مصر على إقامة علاقات متوازنة مع كافة دول العالم، تبرز الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وموسكو بأنها راسخة الجذور ويظهر ذلك جليًا فى نجاح البلدين فى إرساء تعاون مثمر فى شتى المجالات على أساس قاعدة متينة من المصالح المشتركة. ومن أهم أعمدة الحفاظ على العلاقات الثنائية بين البلدين، العلاقة القوية التى تجمع بين الرئيس عبدالفتاح السيسى، ونظيره فلاديمير بوتين، وهناك حرص من الزعيمين على حضور المناسبات الوطنية فى البلدين منها عيد النصر الذى تحتفل به روسيا يوم 9 مايو.
الامتداد التاريخى للعلاقات الدبلوماسية بين مصر وروسيا بدأ منذ الحقبة السوفيتية عام 1943، حيث كانت روسيا شريكًا عسكريًا مهمًا لمصر، وبلغت العلاقات ذروتها فى فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حين ساعد آلاف الخبراء السوفييت مصر فى إنشاء العديد من المشاريع، من بينها السد العالى فى أسوان، ومصنع الحديد والصلب فى حلوان، ومجمع الألومنيوم فى نجع حمادى، ومدّ الخطوط الكهربائية من أسوان إلى الإسكندرية.
وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991، برزت مصر فى طليعة الدول التى حرصت على إقامة علاقات دبلوماسية مع روسيا الاتحادية. ومع تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى رئاسة مصر فى عام 2014، شهدت العلاقات المصرية-الروسية نقلة تنموية كبيرة، وتعد اتفاقية الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي، الموقعة بين مصر وروسيا فى عام 2018، حجر الزاوية فى تعزيز الشراكة بين البلدين، والارتقاء بها إلى مستوى استراتيجى غير مسبوق، حيث تمثل إطارًا يضمن استمرار تطوير التعاون بين القاهرة وموسكو فى المجالات السياسية، والأمنية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والثقافية بما يخدم مصالحهما المشتركة.
وقد أشاد الرئيس السيسى بالتطور الذى تشهده العلاقات الثنائية بين مصر وروسيا منذ توقيع الاتفاقية، والمساهمة الروسية الفعالة فى تنفيذ المشروعات القومية، وعلى رأسها إنشاء المنطقة الصناعية الروسية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وبناء محطة الطاقة النووية فى الضبعة، وهو مشروع تنموى عملاق.
وأوضح الدكتور أديب السيد، الخبير فى الشؤون الروسية والدولية، أن العلاقات الروسية-المصرية تطورت فى السنوات الأخيرة بشكل مطرد فى مختلف المجالات. وشكّل الاتفاق على إقامة منطقة صناعية فى منطقة قناة السويس وبناء محطة كهروذرية فى الضبعة نقلة نوعية فى العلاقات الثنائية فى المجالات الاقتصادية والتجارية. كما جاءت مشاركة الرئيس السيسى فى مؤتمر القمة الإفريقية-الروسية الذى عقد فى منتجع سوتشى فى عام 2019، كرئيس للمؤتمر إلى جانب الرئيس الروسى، لتعكس مدى عمق العلاقات الثنائية من جهة، ورغبة موسكو فى أن تلعب القاهرة دورًا رياديًا فى القارة الإفريقية والشرق الأوسط من جهة أخرى.
وعن العلاقة الشخصية القائمة بين الرئيسين السيسى وبوتين، أكد «السيد» أنها تلعب دورًا هامًا فى تطوير العلاقات الثنائية، لا سيما أن روسيا تقدر لمصر نظرتها المتوازنة إلى الصراع الدائر فى أوكرانيا وحرص مصر على لعب دور إيجابى فى البحث عن تسوية لهذا النزاع. ومن جهتها، فإن مصر تقدر عاليًا الموقف الروسى حيال الصراع فى منطقة الشرق الأوسط، وتأكيد روسيا على ضرورة إيجاد معالجة للقضية الفلسطينية من خلال تحقيق حل الدولتين كأساس لتسوية النزاع العربي-الإسرائيلي.
وبشأن العلاقات الاقتصادية بين البلدين، يرى «السيد» أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين روسيا ومصر شهدت تطورًا كبيرًا. وإذا أخذنا فى عين الاعتبار المخزون البشرى والعلمى والتكنولوجى فى كلا البلدين والإمكانات الاقتصادية، يمكن أن يصل حجم التبادل التجارى إلى مستويات أعلى. كما أكد أن انضمام مصر إلى منظمة «بريكس»، التى تحولت فى الآونة الأخيرة إلى تجمع سياسى واقتصادى عالمى هام، يعكس مدى عمق العلاقة بين مصر وروسيا، التى تتولى حاليًا الرئاسة الدورية فى هذه المنظمة الدولية الكبرى.
وفى ختام حديثه، أكد «السيد» أن روسيا تعتبر مصر واحدة من الدول القليلة التى تملك قرارًا سياسيًا مستقلًا، وأن القاهرة تنطلق فى تقييم علاقاتها مع الدول الأخرى وفى نظرتها إلى القضايا الدولية من المصالح القومية المصرية أولًا وأخيرًا. وفى الوقت نفسه، فإن موسكو تقيّم عاليًا النهج السياسى الهادئ والمتوازن للقيادة المصرية، التى تحرص على المساهمة إيجابيًا فى تسوية النزاعات على أساس الحلول السلمية ونبذ اللجوء إلى القوة. وأشادت موسكو مرارًا وتكرارًا بالجهود التى تبذلها مصر فى إيجاد حل للنزاع فى قطاع غزة.
من جانبه، قال الدكتور على الإدريسى، الخبير الاقتصادى: إن «العلاقات الاقتصادية بين مصر وروسيا شهدت تطورًا كبيرًا منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكم، حيث تحولت من علاقات تقليدية إلى شراكة استراتيجية شاملة، تشمل التجارة والاستثمار والطاقة والسياحة، وقد بلغ حجم التبادل التجارى بين مصر وروسيا نحو 4.7 مليار دولار فى عام 2023، وفقًا لبيانات وزارة التجارة والصناعة المصرية».
وأضاف «الإدريسى»: تحتل روسيا مرتبة متقدمة ضمن أهم الشركاء التجاريين لمصر، حيث تستورد مصر أكثر من 40 فى المائة من احتياجاتها من القمح من روسيا، وبينما تصدر روسيا إلى مصر القمح والزيوت والمعدات الصناعية، تصدر مصر لروسيا المنتجات الزراعية خاصة الموالح والخضراوات، وتتم مناقشات مستمرة بين البلدين لتصدير المنتجات الزراعية المصرية إلى الأسواق الروسية، وتسهيل دخولها عبر الموانئ الروسية، وهو ما يعزز الميزان التجارى لصالح مصر.
وعن الاستثمارات الروسية فى مصر، أوضح «الإدريسى»، أن «الاستثمارات الروسية فى مصر بلغت حوالى 8 مليارات دولار، ويُعد أبرزها مشروع إنشاء المنطقة الصناعية الروسية فى شرق بورسعيد، التى ستُقام على مساحة 5.25 مليون متر مربع، ومن المتوقع أن تجذب استثمارات تصل إلى 7 مليارات دولار، وتوفر ما لا يقل عن 35 ألف فرصة عمل».
وفيما يتعلق بمجال الطاقة، أشار «الإدريسى» إلى مشروع محطة الضبعة النووية باعتباره أبرز أوجه التعاون، حيث يعد أكبر مشروع للطاقة النووية فى إفريقيا بتكلفة تتجاوز 30 مليار دولار، وتنفذه شركة «روسآتوم» الروسية بتمويل روسى يغطى 85 فى المائة من المشروع.
