خليفة «فرنسيس» فى الفاتيكان اختيار «البابا».. العالم يترقب «الدخان الأبيض»
يترقب العالم، بمختلف فئاته وعقائده الدينية، الإعلان عن خليفة البابا فرنسيس، الذى رحل عن دنيانا أواخر أبريل الماضى، بعد معاناة مع المرض خلال فترة بابويته التى استمرت 12 عامًا، وذلك عن عمر يناهز 88 عامًا.
اختيار البابا الجديد يتم من خلال 135 كاردينالاً دون سن الثمانين، من أصل 252 يشكلون مجمع الكرادلة، يحق لهم التصويت لاختيار البابا الجديد.. 108 منهم وقع عليه الاختيار، وجرت رسامتهم من قِبل البابا المتنيح، بينما 27 كاردينالاً سبقت رسامتهم تنصيبه، ويعد ذلك هو العدد الأكبر من الكرادلة الذين يحق لهم التصويت فى تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، حيث يجتمعون الأسبوع الجارى داخل الفاتيكان، من مختلف أنحاء العالم لانتخاب بابا جديد خلفًا للراحل فرنسيس، فى عملية سرية تعود لقرون تُعرف باسم «الكونكلاف» أو «المجمع المغلق».
وفى انتظار اختيار بابا الفاتيكان الجديد، قال الأنبا باخوم، المتحدث الرسمى باسم الكنيسة الكاثوليكية بمصر، «بعد وفاة بابا السلام، بابا الرجاء، بابا الأخوة والإنسانية، الذى كان يعتبر أبًا للكاثوليك وللعالم أجمع.. ننتظر الآن ونصلى من لاختيار بابا جديد يواصل المسيرة من أجل خير النفوس والمحبة والسلام»، متابعًا: «عند وفاة البابا أو استقالته، تبدأ الكنيسة الكاثوليكية سلسلة من الإجراءات الدقيقة لاختيار بابا جديد يتولى كرسى بطرس فى العاصمة الإيطالية روما، هذا الاختيار يتم وفق تقاليد تعود لقرون، وتتولى تنفيذه هيئة تعرف باسم «الكونكلاف» والمعنى الحرفى له «مع المفتاح» أو «بالمفتاح»، وهذا يُشير إلى الكنيسة التى يتم فيها الانتخاب، وتكون مغلقةً من الخارج بمفتاح، فلا يتمكن أى أحد الخروج أو التواصل مع العالم الخارجى».
وأضاف المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية، أن الكونكلاف هو اجتماع سرى يُعقد فى الفاتيكان، يضم الكرادلة الذين تقل أعمارهم عن 80 عامًا، ويبلغ عددهم حوالى 120 كردينالًا، هؤلاء الكرادلة هم وحدهم من يحق لهم انتخاب البابا الجديد.. وفى النظريّة، يمكن انتخاب أى رجل كاثوليكى معمّد بابا، حتى لو لم يكن كاهنًا أو راهبًا، لكن فى الواقع، دائمًا ما يُختار البابا من بين صفوف الكرادلة، لافتًا إلى أن الشعب الكاثوليكى، بما فى ذلك مؤمنو روما، لا يشارك مباشرة فى اختيار البابا، كذلك، لا يملك بطاركة الكنائس الكاثوليكية الشرقية – مثل بطريرك الموارنة أو بطرك الكلدان – حق التصويت، إلا إذا كانوا أيضًا كرادلة تحت سن الثمانين.. الدور الأساسى فى الانتخاب يبقى محصورًا فى الكرادلة المصوّتين فى الكونكلاف، ويجرى التصويت مرتين يوميًا (صباحًا ومساءً)، ويحتاج المرشح إلى ثلثى الأصوات على الأقل للفوز، وتُحرق أوراق الاقتراع بعد كل جولة، ويُضاف إليها مواد كيميائية تُظهر الدخان باللون الأسود إذا لم يتم انتخاب بابا، بينما يكون دخانًا أبيض حال تم انتخاب بابا جديد.
أما عن قبول واختيار الاسم، أوضح الأنبا باخوم، أنه يُسأل عميد الكرادلة المنتخب: «هل تقبل انتخابك؟» إذا وافق، يُسأل عن الاسم الذى يرغب أن يُعرف به كبابا، ثم الإعلان الرسمى، حيث يخرج أحد الكرادلة إلى شرفة كنيسة القديس بطرس ويقول: Habemus Papam (لدينا بابا)، ويظهر البابا الجديد لأول مرة للعامة ويمنح بركته.
مرحلة روحانية لاختيار البابا الجديد
وواصل الأنبا باخوم حديثه قائلاً: «لكن من المهم أن نرى ما هى التحضيرات النفسية والروحية التى يمر بها الكرادلة قبل انتخاب البابا الجديد، وهى مرحلة غنية بالروحانية والتأمل العميق.. أولًا: الانعزال والتأمل، فقبل بدء الكونكلاف، ينتقل الكرادلة إلى «بيت القديسة مرتا» داخل الفاتيكان، حيث يعيشون فى عزلة شبه تامة، والهدف هو التفرغ الكامل للصلاة والتأمل دون مؤثرات خارجية.. ثانيًا: الصلوات المشتركة حيث يقيم الكرادلة صلوات جماعية يومية، وخاصة قداسات يطلبون فيها النعمة من الروح القدس لقيادة الكنيسة، ومن أبرز هذه الصلوات، القداس من أجل انتخاب البابا... ثالثًا: الاعتكاف الروحى (الخلوة)، حيث يعتمد الكثير من الكرادلة على الاعتكاف الشخصى أى قراءة الكتاب المقدس، صلوات طويلة، والبحث عن صفاء القلب لتمييز إرادة الله بخصوص المرشح الأنسب.
رابعًا.. التحاور بضمير حى قبل بدء الاقتراع، ويجتمع الكرادلة فى «الاجتماعات العامة – التى تعرف بالاجتماعات ما قبل الكونكلاف، يناقشون خلالها أوضاع الكنيسة والتحديات الحالية، ما يساعدهم فى بلورة نوع القائد الذى يحتاجه العالم فى تلك اللحظة، وخامسًا: طلب إلهام الروح القدس، حيث يؤمن الكرادلة أن اختيار البابا ليس مجرد عملية انتخابية بشرية، بل عمل روحى يقوده الروح القدس، ولذلك يصلّون بحرارة أن تكون قراراتهم نابعة من الإلهام الإلهى، لا المصالح الشخصية، وكل هذه المراحل تجعل الكونكلاف لحظة ذات بُعد روحى عميق، يتجاوز مجرد السياسة أو الإدارة».
التسلسل الزمنى لاختيار البابا الجديد
أما الشماس آندرو جما، فقال نقلًا عن «كتاب التغريد مع الله» للأب ميشال ريميرى، إنه عندما يموتُ البابا، يكون هنالك الكثيرُ مما يجب القيام به، يُكسى جثمان البابا المتوفى بثيابه الإكليريكية المعتادة للقداس الإلهى، ويُسجّى خارجًا أمام مذبح القدّيس بطرس، حيث يُدفن الباباواتُ عادةً فى سرداب تحت بازيليك القدّيس بطرس، ومن الطبيعى أن البابا الميت يجب أن يُدفن بطريقة لائقة، لكن الترتيبات الضرورية لخلافته يجب أن تكون موضع اهتمام، فالكرسى البابوى هو بعد شاغر.
وأضاف الشماس آندرو جما، أن كرادلة من كل أنحاء العالم يحضرون إلى روما طوال تسعة أيام متتالية، حيث يُقام يوميًا قداس إلهى على نية البابا الراحل، بعدئذ يبدأ اجتماع مجلس الكرادلة، الكرادلة كافة دون الثمانين من العمر الذين سوف ينتخبون معًا بابا جديد، متابعًا: أثناءَ انعقاد مجمع الكرادلة الانتخابى، يعيش الكرادلة فى فندق داخل جدران الفاتيكان، ويتقابلون رسميًا فى الصباح، وفى فترة بعد الظهر داخل كنيسة «كابيلا سيستين»، وطوال فترة المجمع، مهما طالت، لا يستطيع الكرادلة الاتصال بأى شخص فى الخارج، حتى الصحفُ والإنترنت والتلفزيونات والهواتف، تكون كلها خارج الخدمة طوال المجمع.
كما أوضح الشماس آندرو جما، أن الدخان الأبيض رمزية اختيار البابا الجديد، وهو خصّيصًا للمجمع يوضع فى كنيسة سيستين موقد ذو أنبوب عريض يبلغُ السطح، وصباح كلّ يوم من المجمع، وبعد الظهر، تُحرق أوراق الدورتين الانتخابيتين، إذا لم يكن قد تم اختيار بابا، يكون الدخان المتصاعد أسودَ اللون، لذلك الناس المحتشدون فى ساحة القديس بطرس يعلمون أن عليهم مواصلة الصلاة سائلين الروح القدس أن يلهم المجمع، اما الدخان الأبيض فيشير إلى أنه تم اختيار البابا لكن إنتاج دخان أبيض أو أسود ليس دائما بالسهولة التى يمكن أن تتخيلها، فأثناء مجمع انتخاب البابا سنة 2005 حدث خطأ ما فى المدخنة، ما جعل كنيسة سيستين بكاملها تمتلئ بالدخان، بينما لم يشاهد أى شيء فى الخارج، وليس مفاجئًا أن خطأ ما قد يحدث مجددًا.
