رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أزمة ورثة «الساحر» وبوسى شلبى تفتح الملف توثيق الطلاق و«الرجعة» .. الحق الغائب

17-5-2025 | 12:51


.

تقرير: أميرة صلاح

 «مطلقة فى الأوراق الرسمية ومتزوجة بشهادة الأصدقاء».. عنوان يمكن أن يختصر كثيرًا من الأزمة الدائرة بين عائلة الفنان الراحل محمود عبدالعزيز، والإعلامية بوسى شلبى، بعدما اكتشفت الأخيرة، وحسب تأكيدها، بمحض المصادفة أنها «مطلقة» بينما كانت تستكمل أوراقها الثبوتية لتعديل بيانات بطاقتها الشخصية من «متزوجة» إلى «أرملة»، لتُفاجأ بالموظف المسئول يخبرها بأن الأوراق تشير إلى أنها «مطلقة».

 

جرت مياه كثيرة فى نهر الأزمة، بيانات متبادلة بين ورثة «الساحر» وزوجة الأب، أو طليقته فى رواية أخرى، وامتد الأمر إلى القضاء الذى أصدر، وفقًا لأحد بيانات العائلة، ثبوت «الطلاق»، وفى المقابل تناثرت على مواقع التواصل الاجتماعى عشرات الشهادات من «أهل الفن» تُشير جميعها إلى أن «بوسى» كانت زوجة الفنان الراحل، وأن الطلاق الذى حدث فى تسعينيات القرن الماضى تلته «رجعة» وإن كانت لم تُسجل فى الأوراق الرسمية، وهو ما فتح ملف «أهمية توثيق الزواج والطلاق والرجعة»، وكذلك أثار العديد من التساؤلات القانونية والاجتماعية حول حقوق الطرفين فى حالة عدم وجود أوراق رسمية تثبت استمرار الزواج أو انتهاءه.

يُشار هنا إلى أنه كانت الشهادة فى الماضى الوسيلة الشائعة للتوثيق، ثم أصبحت غير مأمونة لفساد بعض الذمم، وشهادة الزور، فالتوثيق من شأنه تنظيم الحياة الاجتماعية، والعلاقات الأسرية، وحسم النزاع والخصام، وتأكيد أهمية التوثيق فى حالة موت أحد طرفى العقد؛ فتبقى الوثيقة الضامن الأكبر لتلك الحقوق؛ ولأجل هذا المعنى شُرع التوثيق فى الأحوال الشخصية وغيرها، ولعلّ أبرز هذه التحوّطات التوثّيق للزواج والطلاق والرجعة، فيه تثبت صفة الزوجية عند الجحود، أو إنكار أحد الزوجين للآخر فى حال التنازع، كما به تثبت الحقوق المترتّبة على عقد الزواج الصحيح، كحقّ النّسب، والنفقة فى قائم حياة الزوجين، والحق فى الميراث.

ما سبق أكده الدكتور محمد صلاح، رئيس قسم أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون، جامعة الأزهر، وأضاف أن «التوثيق للزواج والطلاق والرجعة ضرورة ملحة وخاصة مع خراب الذمم، مثلاً قيام زوجين بالطلاق لاستفادة الزوجة من معاش والدها واللجوء للزواج العرفى دون توثيق، وبذلك تكون على ذمة زوجها وتستفيد بالباطل من المال العام، وهناك أيضًا زوج وزوجة يعيشان فى المبانى التى جاء لها قرار إزالة، اقترح الزوج أن يطلق زوجته ويتزوجها عرفيًا دون توثيق ليستفيد كل منهما بالتعويض المادى أو يستفيدا بشقة بديلة لكلٍ منهما».

«صلاح»، قال: إننا نجد أن أغلب الحالات التى تقوم بالتلاعب هدفها الرئيسى هو الظلم، إما أن الإنسان يظلم نفسه لكى يعتدى على المال العام أو أنه يظلم شخصًا آخر ليحرمه من حقوقه، مثلاً يقوم شخص بتطليق زوجته دون علمها و«يرجعها» أو يردها شفهيًا دون توثيق، وبذلك فهى بالأوراق الرسمية ليست زوجته، وبالتالى لا ترث فيه إلا من خلال القضاء لإثبات استمرار الزواج، أو أنه يريد أن يحرمها من الحقوق الشرعية بعد الطلاق بإثبات أقدمية الوثيقة وسقوط كافة الحقوق من نفقة متعة وغيرها.

رئيس قسم أصول الفقه، أوضح أن «الشريعة الإسلامية نصت على أنه يجب التوثيق، ولكن إذا رجع بدون توثيق نقول إن الرجعة صحيحة مع الذنب، صحيحة لأنه ليس زنًا وفى ذات الوقت هناك إثم لأنه خالف التوثيق، مثل مَن يتزوج بعقد كامل الأركان ولم يوثق»، لافتًا إلى أنه «لا يشترط رضا المرأة للرجعة إذا طلقها طلاقًا رجعيًا، والتى يجب أن تتم خلال فترة العدة وهى تختلف من امرأة لأخرى، فالمرأة التى لا تحيض عدتها ثلاثة أشهر، والتى تحيض عدتها ثلاث حيضات، وأقل مدة عدة اختارها القانون من المذهب الحنفى تنتهى بعد 60 يومًا من الطلاق».

«د. صلاح»، أشار إلى أن «الرجعة تقع وتكون صحيحة بالقول أو بالفعل، أى إذا عاشر الزوج الزوجة معاشرة الأزواج، وذلك وفقًا لآراء الفقهاء بما فى ذلك حفاظًا على حقوق المرأة، مثلاً إذا رد الزوج زوجته دون توثيق وتوفى الزوج، فهنا لا يمكن التحقق بالقول لأن الزوج توفى ولا يوجد تسجيل صوتى، لذلك تلجأ الزوجة لإثبات الفعل باستمرار الزواج وذلك بشهادة الشهود أمام القضاء القادر على البحث والتدقيق وسؤال الشهود والاطلاع على الأوراق المطلوبة لإثبات ذلك، كل هذه أدلة وقرائن تثبت إذا كانت الرجعة صادقة أم غير صادقة، فكما شككنا فى الزوج يمكن أيضًا أن نشكك فى الزوجة فقد تريد أن ثتبت نفسها زوجة وهى غير وارثة».

وأوضح أن «الله سبحانه تعالى ضبط مسائل الطلاق بما يضمن حق الزوج والزوجة والأولاد والمجتمع والدولة، ولكن المشكلة فى نفوس الناس التى تلجأ للظلم أو التلاعب لحرمان شخص من حقوقه أو الهروب من مسئولية، مثلاً هناك شخص يرفض أن يدخل ابنه الجيش فيقوم بطلاق زوجته ليحصل ابنه على رعاية الأسرة، فالناس تتفنن فى إسقاط الحقوق من خلال الطلاق الرسمى والرجوع دون توثيق».

كما لفت رئيس قسم أصول الفقه، إلى أن أغلب مشاكل الطلاق والرجعة لا تظهر إلا بعد حدوث مشكلة أو وفاة أحد الشخصين، مؤكدًا أن هناك تكاملاً مع الشريعة الإسلامية ونصوص القانون التى ألزمت الناس والمأذون بالتوثيق، ولكن ما نحتاج هو إحياء للضمير المجتمعى لدى الكثير من الناس والخوف من الله سبحانه وتعالى، وفى بعض الأحيان يكون قلة وعى بالأمور الشرعية والقانونية.

وطالب بضرورة إلزام الزوج والزوجة بحضور دورات تدريبية توعوية بالنواحى القانونية والشرعية والفقهية والاجتماعية والنفسية كشرط لعقد الزواج، على غرار الإلزام بعمل الشهادة الصحية، للتأكيد على الوعى بأسس الزواج الصحيح والنصوص القانونية المرتبطة بالزواج، وإدراك حقوق كل طرف وواجباته، وتكون هذه الشهادات موثقة.

الدكتور حمدى سعد، عميد كلية الشريعة والقانون بطنطا قال إنه: يجب أن نفرق بين أمرين «وقوع الطلاق» وبين «توثيق الطلاق»، الطلاق يقع بمجرد التلفظ به أو بالكتابة أو إذا توافرت الشروط الشرعية وفقًا للضوابط المحددة بالمذاهب الفقهية، وقوع الطلاق ينتج عنه تحريم المرأة على الرجل إذا كانت المرة الثالثة ولن ترجع له مرة أخرى إلا بنكاح زوج آخر، ولكن تكمن المشكلة فى الإثبات مما يدفعنا للتوثيق، والذى قد يكون بأكثر من طريقة من خلال الكتابة أو التسجيل الصوتى، أو عند المأذون ليكون طلاقًا شرعيًا وقانونيًا.

وأوضح أن «أغلب المشكلات تحدث نتيجة عدم التوثيق وسوء التعامل، فلا يصح شرعًا أن يطلق الزوج زوجته ولا يخبرها، فهى فى هذه الحالة ليس عليها ذنب وعلى القضاء إثبات حقوقها خلال هذه الفترة، وهذا الأمر يعد خيانة».

فيما شدد «سعد»، على أن «الشريعة حمت حقوق المرأة، حيث نصت على إذا كان الطلاق يجب وقوعه «طلاق صحيح»، فإن الرجوع يتم ويصح سواء كان صراحة أو ضمنًا أى بالفعل أو القول، مثلاً إذا طلق الزوج زوجته وردها باللفظ دون توثيق واستمر الزواج وأنجبت أطفالاً فهل ينسب الأطفال أم لا؟، بالطبع ينسب لأن الرجعة وقعت بمجرد لفظها، ويكون للزوجة والأولاد كافة الحقوق، إذا فإن التوثيق ليس شرطًا للرجوع».

وكشف أن «بعض الأشخاص يلجأون لعدم التوثيق إما لتفضيل أولاده على زوجته وخاصة لو كانت الزوجة الثانية، أو للتحايل، أو حرمان الزوجة من حقها بعد خلافات، وقد يكون الخوف من الورثة، والمرأة تحتاج لبعض النصوص القانونية لحماية حقوقها، لذلك يجب أن يشمل قانون الأحوال الشخصية إعطاء الحق للمرأة باللجوء للمأذون أو المحكمة للحصول على إثبات الزواج أو الطلاق، ولا يكون هذا الأمر فى يد الزوج فقط، فضلاً عن ضرورة توثيق الزواج العرفى، سواء الزواج أو الطلاق للحفاظ على الحقوق».

فى سياق ذلك قال الدكتور أحمد مهران، المحامى بالنقض، إن «هناك فرقًا بين توثيق الطلاق وحجيته من الناحية القانونية والرجوع من الناحية الشرعية، بمعنى أن مثلاً هناك زوج طلق زوجته غيابيًا عند المأذون، هل يجوز الرجوع غيابيًا دون مأذون أو عند مأذون؟ نعم يجوز، لأن من الناحية الشرعية التوثيق لا يبنى عليه وجود الزواج أو عدمه، فمنذ مائة عام لم يكن هناك توثيق فى الجواز، وكان الأمر يعتمد على الكلمة الصادقة فقط».

«مهران»، أكد أن «الرجوع يجوز بالقول أو الفعل، ولكن هل يشترط إذا تم الطلاق رسميًا أو يتم الرجوع رسميًا؟ لا يُشترط، ولأنه يمكن الرجوع بعقد عرفى، أو يمكن الزواج من جديد بوجود شهود وإشهار، وخاصة أن الزوجة ثيِّب «أى سبق لها الزواج»، وبالتالى فهى قادرة على أن تزوج نفسها، وتصبح زوجته رسميًا»، مشيرًا إلى أن عملية التوثيق هى مسألة تكميلية، ولكن العبرة أن تتوفر أركان الزواج الأساسية إيجاب وقبول وإشهار ومهر وشهود والولى فى حالة أن تكون الزوجة أكبر أو قاصرًا، أو تزوج نفسها إذا كانت «ثيِّب»، ومَن ثم يكون الزواج سليمًا، ويلجأ البعض للتلاعب فى عملية التوثيق بسبب الدافع المادى، سواء حرمانًا من الحقوق أو الطمع فى مستحقات الغير».

وأوضح أنه فى قضية الإعلامية بوسى شلبى توافرت كافة الشروط على استمرار الزواج بداية من وجود شهود على أنهما متزوجان، وإشهار وإيجاب وقبول فهى كانت تقيم معه، فضلاً عن أن جواز السفر مدون فيه اسم الزوج محمود عبدالعزيز، وكانت تسافر معه كمحرم، كل هذا يُعتبر أدلة، لذلك من الأفضل أنها كانت ترفع دعوى إثبات زواج، وحينها قد تقضى المحكمة لصالحها بفضل هذه الأدلة وبشهادة الشهود.