ترامب فى جولته الخليجية الاقتصاد أولاً.. وتجاهل لإسرائيل
مع مثول المجلة للطبع، استقبلت المملكة العربية السعودية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بحفاوة بالغة، حيث أُقيم له عرض حرس الشرف، وشاركت خيول عربية أصيلة فى مراسم الاستقبال، إلى جانب وفد من أفراد العائلة المالكة وقادة الأعمال، وذلك فى مستهل جولة تستغرق أربعة أيام عبر الخليج، تُعد أول رحلة خارجية كبرى له فى ولايته الثانية.
وصل ترامب على متن الطائرة الرئاسية الخاصة التى هبطت فى الصالة الملكية، المخصصة لكبار الشخصيات فى مطار الملك خالد الدولى بالرياض. وكان فى استقباله ولى العهد الأمير محمد بن سلمان، على سجادة أرجوانية، قبل أن يجلسا معا على كراسى ذهبية داخل مبنى فخم تغمره أشعة الشمس وتزينه الأعمدة الرخامية. وفى قاعة فخمة، جلس الرئيس الأمريكى وولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان على مكتبيهما ووقعا اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، وسط تصفيق حار من الحضور، حيث وقعا على وثيقة الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية بين البلدين. كما وقّع الزعيمان اتفاقية تعاون دفاعى لتحديث قدرات القوات المسلحة السعودية، واتفاقية بين وكالة الفضاء السعودية ووكالة ناسا. بالإضافة إلى ذلك، وقعت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة اتفاقية تعاون فى مجال الطاقة.
رافق ترامب خلال الزيارة، وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الدفاع بيت هيجسيث، إلى جانب كبار أعضاء إدارته. حضر بعض من كبار قادة الأعمال الأمريكيين منتدى استثمارى استضافته الحكومة السعودية، ومن بينهم إيلون ماسك والرؤساء التنفيذيون لشركات آى بى إم وبلاك روك وسيتى جروب وبالانتير وإنفيديا وغيرها. ويعتبر الهدف الأساسى من زيارة ترامب للشرق الأوسط هو اقتصادى بالدرجة الأولى، حيث تشمل الرحلة زيارة الرئيس الأمريكى إلى قطر والإمارات العربية المتحدة. وقد أبلغ مستشاريه برغبته فى توقيع اتفاقيات تزيد قيمتها عن تريليون دولار.
تتوافق زيارة ترامب مع المصالح المالية لعائلته، التى لديها صفقات معلقة مع شركة عقارية مملوكة بأغلبية سعودية، وصفقة عملات رقمية مع شركة تابعة لحكومة الإمارات العربية المتحدة، ومشروع جديد للجولف وفيلات فاخرة بدعم من حكومة قطر. فى الوقت ذاته، تستعد إدارة ترامب لقبول طائرة بوينج 747-8 فاخرة كتبرع من العائلة المالكة القطرية، فيما قد يكون أكبر هدية أجنبية تتلقاها الحكومة الأمريكية على الإطلاق.
تعتبر المملكة العربية السعودية شريكا استراتيجيا موثوقا به ومركزا محوريا لمناقشة القضايا الإقليمية والدولية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. حيث بلغت الاستثمارات الأمريكية المباشرة فى المملكة العربية السعودية حوالى 15.3 مليار دولار أمريكى فى عام 2024، مع 28 مصنعا مملوكا لمستثمرين أمريكيين بالشراكة مع مستثمرين سعوديين تقع فى الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية. كما بلغ حجم التبادل التجارى بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية 32 مليار دولار أمريكى فى عام 2024، حيث بلغت قيمة صادرات المملكة العربية السعودية إلى الولايات المتحدة من السلع والمنتجات 13 مليار دولار أمريكى، بينما بلغت قيمة وارداتها من السلع 19 مليار دولار أمريكى.
وتأتى زيارة ترامب فى وقت «حرج» فى العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، خاصة بعد قرار ترامب عدم زيارة إسرائيل خلال جولته فى الشرق الأوسط. حيث أثيرت بعض التكهنات حول تجاهل ترامب لنتنياهو. فبحسب صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، أشار تقرير نُشر قبيل الزيارة إلى أن الإسرائيليين يعتقدون أن هناك المزيد من التصدعات تظهر بين رئيس «أمريكا أولا» وإسرائيل، بعد أن قال ترامب: إنه أبرم هدنة مع الحوثيين فى اليمن حدّت من هجمات الجماعة على السفن الأمريكية، لكنها لم تشمل إسرائيل. وبعد أيام، ظهرت تقارير تفيد بأن ترامب كان يفكر فى منح المملكة العربية السعودية إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا النووية المدنية دون مطالبة المملكة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو الشرط المسبق الذى وضعه الرئيس جو بايدن.
الآن، يتساءل العديد من الإسرائيليين عما إذا كانت إسرائيل هى الحليف التالى للولايات المتحدة الذى سيتخلف عن الركب بعد رئيس اعتبروه، قبل أشهر فقط، الأكثر تأييدا لإسرائيل فى التاريخ. حيث قال مايكل أورين، السفير الإسرائيلى السابق فى واشنطن: «إنه أمر مقلق». فى الوقت ذاته قال شالوم ليبنر، المساعد السابق لنتنياهو والزميل فى المجلس الأطلسى، واصفا الأجواء فى إسرائيل «إنه ذعر مطلق». وقال دينيس روس، المسؤول الكبير السابق فى وزارة الخارجية، الذى شغل منصب مبعوث الشرق الأوسط فى عهد رؤساء ديمقراطيين وجمهوريين: «إن المخاوف الإسرائيلية بشأن مفاوضات ترامب مع إيران والتهديدات الأخرى لإسرائيل لا تُؤخذ فى الاعتبار، أو إذا وُجدت، يتم تجاهلها.»
تأتى جولة ترامب الخليجية فى ولايته الثانية كترجمة واضحة لأجندة اقتصادية تتقاطع مع مصالح استراتيجية حساسة، وسط تحولات إقليمية متسارعة. وبينما تفتح صفقات المليارات أبوابًا جديدة للشراكة مع دول الخليج، تلوح فى الأفق ملامح فتور فى علاقته مع إسرائيل، الحليف التقليدى للولايات المتحدة. وبينما تحتفى العواصم الخليجية بالحفاوة والاتفاقيات، تزداد التساؤلات فى تل أبيب حول موقعها فى خريطة الأولويات الأمريكية الجديدة.

