رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


«لايفات التيك توك».. مغسلة أموال رقمية عابرة للحدود

15-5-2025 | 21:05


التيك توك

بقلم : احمد فتحى محمود

فى الذكاء الاصطناعى وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعى على حياة الملايين، برز تطبيق «تيك توك» كإحدى أبرز منصات الترفيه المؤثرة عالميًا، لا سيما بين جيل «زد» و«ألفا» الذى يمثل الشباب والمراهقين، ورغم ما يقدمه من محتوى ترفيهى ومساحات للإبداع، بدأت تتصاعد فى الآونة الأخيرة مؤشرات خطيرة تشير إلى استغلال هذا التطبيق فى أنشطة مالية مشبوهة، وعلى رأسها غسيل الأموال، فى واحدة من أكثر الظواهر إثارة للقلق فى العالم الرقمى.. ولعل السؤال الذى يطرح نفسه هو: لماذا «تيك توك» تحديدًا أصبح منصة مفضلة لمثل هذه الأنشطة؟ الإجابة تتلخص فى عدة أسباب، أبرزها سهولة إنشاء الحسابات دون الحاجة إلى بيانات تحقق معقدة، وعدم وجود رقابة مالية صارمة على عمليات التحويل، بالإضافة إلى صعوبة تتبع مصادر الهدايا الرقمية التى لا تخضع للقواعد التقليدية فى البنوك أو المؤسسات المالية، كما أن التيك توك يسمح بتحويل النقاط إلى أموال بسهولة، مع أخذ نسبة من الأرباح، ما يعنى أن المنصة نفسها تستفيد ماليًا من هذه العمليات بغض النظر عن مشروعيتها.

يُعتبر غسيل الأموال هو عملية إخفاء أو تمويه المصدر الحقيقى للثروات التى تم الحصول عليها بطرق غير قانونية، من خلال تحويلها إلى أصول أو معاملات توحى بأنها ناتجة عن أنشطة مشروعة، ومع تطور التكنولوجيا وظهور وسائل التواصل الاجتماعى، استغل المجرمون هذه المنصات كوسيلة جديدة لغسل الأموال، على سبيل المثال، يستخدم إنشاء حسابات مزيفة على منصة «تيك توك» لإرسال أموال غير مشروعة إلى حسابات أخرى مقابل عمولة، ما يُضفى على هذه الأموال مظهرًا شرعيًا.

 

وتُعد ميزة البث المباشر «تيك توك لايف» من أبرز الأدوات التى استُغلت فى عمليات غسيل الأموال، حيث يمكن للمستخدمين إرسال «هدايا» رقمية باستخدام أموال حقيقية، ثم تتحوّل هذه الهدايا إلى «نقاط» يمكن استبدالها بنقود، هذا النظام، الذى يسمح بتحويل الأموال دون الكشف عن هوية الأطراف، جعل المنصة هدفًا للمجرمين لغسل أموالهم.

 

ورغم حداثة ظاهرة وسائل التواصل الاجتماعى، إلا أن تأثيرها على الجريمة المالية بات واضحاً، ففى عام 2018، كشف تقرير لمكتب التحقيقات الفيدرالى عن غسيل أموال ما يقارب 300 مليون دولار عبر هذه المنصات، كما أصدرت هيئة الحماية من الاحتيال (CIFA) فى عام 2020 تقريراً يشير إلى تسجيل أكثر من 17,000 حالة غسيل أموال تورّط فيها شباب تتراوح أعمارهم بين 21 و30 عاماً، ما يسلط الضوء على حجم التهديد المتنامى المرتبط بالشبكات الاجتماعية الرقمية.

وكالات «التيك توك» أصبحت الواجهة الرسمية لغسيل الأموال، فهناك العديد من المؤثرين المصريين الذين حاولت وكالات مشبوهة التعامل معهم تحت مسمى «وكالة تسويق رقمى للتيك توك» لتطلب منهم الظهور ببث مباشر «لايفات» فى أوقات محددة سيقوم فيها داعمون تابعون للوكالة بإغراقهم بالهدايا الرقمية عالية الثمن مثل «الأسد الذى يساوى 20 ألف جنيه أو تيك توك ستارز الذى يصل إلى 29 ألفاً» فى مقابل أن يحصل فقط على نسبة ضئيلة من تلك الأموال التى يقوم بسحبها بشكل شرعى وإرجاعها مرة أخرى للوكالة كأموال نظيفة، مما شجع أصحاب النفوس المريضة إلى استغلال تلك الثغرة لتجنيد الكثير من الشباب للعمل معهم فى مقابل الربح السريع فى «لايفات التيك توك» استغلالًا لحاجتهم إلى المال، والأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل اتجهت بعض وكالات الإعلانات والتسويق الكبرى التى تمتلك فروعًا فى دول مختلفة، لاستغلال التيك توك لغسيل الأموال عابر الحدود ليكون ستارًا لتمويل الجماعات الإرهابية وزعزعة الأمن القومى للدول.

 

خلال الأشهر الماضية، لاحظ العديد من المتابعين والباحثين فى الشأن الرقمى تزايد البث المباشر «اللايفات» على تيك توك التى لا تقدم أى محتوى حقيقى فى عدة دول عربية، ولكنها تحصد «هدايا رقمية» بقيم مالية ضخمة من متابعين مجهولين، هذه الهدايا، التى يمكن تحويلها من نقاط رقمية إلى أرباح بالدولار، باتت تستخدم، بحسب اتهامات وجهت لبعض مشاهير التيك توك فى دول عربية مختلفة، كوسيلة فعالة لغسيل الأموال القادمة من مصادر غير مشروعة، حيث يتم إنشاء حسابات مزيفة أو استخدام حسابات حقيقية لشخصيات معروفة لاستقبال تلك الهدايا، ومَن ثم سحبها كأرباح «نظيفة» دون أن تُطرح تساؤلات حول أصل هذه الأموال.

 

وتحتل مصر المركز 13 عالميًا بين أكثر 20 دولة استخدامًا لتيك توك، طبقًا لتقرير موارد الإعلانات الخاصة بشركة «بايت دانس» الصينية المالكة للمنصة، حيث أشارت إلى أن «تيك توك» لديه 32.94 مليون مستخدم تبلغ أعمارهم 18 عامًا أو أكثر فى مصر فى أوائل عام 2024، لتصبح مصر ثانى أكثر الدول العربية انتشارًا فى التفاعل على المنصة بعد السعودية.

 

يحذر خبراء أمن المعلومات من خطورة منصة التيك توك التى تمثل الأنظمة المالية غير الخاضعة للرقابة، حيث توفر بيئة خصبة لغسيل الأموال وتمويل أنشطة أخرى قد تكون أكثر خطورة مثل الإرهاب أو تجارة البشر أو المخدرات، والسبب أن التشريعات الموجودة بأغلب دول العالم حاليًا لا تستطيع أن تضع المنصة الصينية تحت الرقابة والتى يقابلها عدم إلزام المنصات الرقمية بتطبيق معايير مكافحة غسيل الأموال يجعل مثل هذه التطبيقات ميدانًا مفتوحًا للأنشطة غير القانونية.

 

ورغم تأكيد شركة «تيك توك» فى بيانات رسمية على التزامها بمكافحة الاحتيال وتعهدها بالتحقيق فى أى تجاوزات، إلا أن الشركة لم تقدم حتى الآن بيانات مفصلة أو تقارير شفافة عن عدد الحسابات التى تم حظرها أو الأموال التى جرى التحفظ عليها بسبب الشبهات، الأمر الذى يضع علامات استفهام حول مدى جديتها فى التصدى لتلك الظواهر.

 

التحدى اليوم لا يكمن فقط فى خطورة استغلال تيك توك، بل فى قدرة الحكومات على وضع آليات رقابية حقيقية على المنصات الرقمية، خاصة تلك التى تقدم خدمات مالية غير تقليدية، من الضرورى أن تتبنى الدول تشريعات تُلزم هذه التطبيقات بتطبيق معايير البنوك مثل «اعرف عميلك (KYC)، وفرض رقابة على حركة الأموال الرقمية المشبوهة، كما يجب تعزيز التعاون الدولى لتبادل المعلومات وملاحقة الشبكات التى تستخدم الإنترنت كوسيلة لغسيل الأموال العابرة للحدود.