رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


«قانون الفتاوى» يواجه فوضى «الآراء المتطرفة».. وشيوخ «الترند» أول المتضررين

18-5-2025 | 21:13


.

تقرير: مروة سنبل

«فوضى الفتاوى»، مصطلح يصف حال المجتمع فى ظل الغزو الرقمى والإلكترونى لحياتنا الراهنة، فهى أحد أبرز التحديات التى تواجه أمن مصرنا؛ حيث نُطالع آلاف الفتاوى التى تُحل الحرام وتحرم الحلال دون تأصيل علمى، أو ضبط، وتسعى الدولة لتنظيم عملية الإفتاء وتحديد معايير القائم بها والجهات المختصة بالفتوى، عبر إصدار قانون «تنظيم إصدار الفتوى الشرعية»، وذلك لضبط الخطاب الدينى، وحماية المجتمع من فوضى الفتاوى التى تنتشر عبر وسائل الإعلام التقليدية، كما لم يسلم الدين من عشوائية السوشيال ميديا، حيث تنتشر الفتاوى المضللة والشاذة والطائفية عبر صفحات التواصل الاجتماعى ومنصات اليوتيوب.

وينص مشروع القانون على أن الفتاوى العامة التى تتعلق بالقضايا المجتمعية تُصدر عن هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ودار الإفتاء، بينما تختص الهيئة ومجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء ولجان الفتوى بوزارة الأوقاف، بالفتاوى الخاصة بالأفراد.. كما يُتيح القانون إنشاء لجان فتوى داخل وزارة الأوقاف بقرار من الوزير المختص، مع وضع شروط وضوابط لاختيار من سيقومون بالفتوى.

كما يُلزم مشروع القانون، وسائل الإعلام والصحف والمواقع الإلكترونية بعدم نشر أو بث أى فتوى شرعية إلا من الجهات المختصة، مع اشتراط أن يكون المشاركون فى البرامج الدينية من المختصين بالفتوى وفقا للقانون.

وقد أجمع الخبراء على أهمية وجود قانون يضبط عملية الإفتاء، ويحدد الجهة المختصة بالفتوى وآليات إصدارها، ويضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان صدور فتوى صحيحة علمية معترف بها، مع الالتزام بثوابت الشريعة ومقاصدها، وهو ما يعزز نشر الفكر الوسطى والتصدى للتطرف الدينى.

وأكد هشام النجار، الباحث فى الحركات الإسلامية، أن «القانون خطوة على الطريق الصحيح، وصولاً تدريجيًا إلى نشر التثقيف والوعى وإفهام الناس الدين والفكر السليم فى مختلف المسائل الإشكالية»، مضيفًا أن «أبرز مزايا القانون الجديد هو إسهامه فى ترشيد الفتوى وفلترتها وحجب غير المتخصصين عن ممارستها، كما من مزاياه تحميل المختصين مسؤولية الحفاظ على هذا المجال الحيوى المهم، والتجديد فيه وتطويره بما يتسق مع قيم ومبادئ القرآن الكريم العليا، وينفع المجتمع ويواكب متغيرات العصر، بما يسهل على الناس معايشهم، ويعطى لهم الإجابات الدقيقة المنضبطة لتساؤلاتهم، ليتحقق التوافق بين معتقداتهم وقيمهم وواقعهم المعيش.

«النجار»، أشار إلى أن ما يتضمنه القانون من عقوبات لمحاسبة المخالفين، سواء فيما يتعلق بإصدار الفتاوى من غير المختصين أو عدم التزام المؤسسات الإعلامية بالضوابط المنظمة، فإن تلك العقوبات الصارمة تُسهم فى ضبط المجال العام وردع معتادى استخدام الفتوى لأغراض سياسية وحزبية والترويج لتنظيمات وجماعات بعينها، كما يحد من التجاوزات بدون شك، وكان يجب ولا مفر أبداً من قوانين رادعة لكل المتجاوزين المعتدين على صورة ومنهج الإسلام القائم على الرحمة والمحبة والتسامح والمساواة والعدل.

واتفق معه فى الرأى، الدكتور حسام النحاس، أستاذ الإعلام بجامعة بنها، مرحباً بمشروع القانون، بل واعتبره ضرورة ملحة، وأنه يناقش فى التوقيت المناسب - وإن جاء متأخراً نسبياً، خاصة فى ظل ما نشهده من فوضى كبيرة فيما يخص ملف الفتوى، سواء كان ذلك عبر الفضائيات والقنوات والصحف أو تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعى، مؤكدًا أن مشروع قانون تنظيم الفتاوى خطوة فى «غاية الأهمية» لضبط الخطاب الدينى وحماية المجتمع من هذه الفوضى الدينية.

وأوضح «النحاس» أسباب فوضى الفتاوى، حيث تتم استضافة غير المتخصصين عبر وسائل الإعلام المختلفة، وبالتالى تصدر عنهم فتاوى شاذة ومضللة ليس لها علاقة بالعلم ولا بالتخصص، تحض على كراهية الآخر وتدعو للفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين فى مناسبات عدة وتشجع على العنف، بل وتطعن فى الثوابت الدينية المتعارف عليها.

كما رحب «د. النحاس» بالمادة التى تُلزم وسائل الإعلام والصحف بعدم نشر أى فتوى إلا من الجهات المختصة، مؤكدًا أن ذلك سيحد من الفوضى الإعلامية التى تسببت فى انتشار الفتاوى الشاذة وغير الصحيحة خلال السنوات الماضية وحتى وقتنا الراهن، مشيرًا إلى أن منصات الإعلام شريك أساسى فى هذا الضلال عبر عدة مسارات، المسار الأول وهو استضافة أشخاص ليس لهم علاقة بالأزهر ولا الأوقاف ويتم سؤالهم عن بعض القضايا الخلافية، فتصدر عنهم فتاوى شاذة وغير دقيقة. والمسار الثانى وهو ظاهرة تأجير وبيع الهواء على القنوات الفضائية، وهناك من يقومون بإنتاج برامج دينية يكون فيها مقدم البرنامج نفسه غير متخصص ويتورط فى تقديم فتاوى على الهواء وهو أمر مرفوض كليًا.. فضلاً عن استضافة مثيرى الفتن بغرض تصدر التريند، إما لمقدم البرنامج أو القناة نفسها، وهذه أمور يجب التوقف عنها تمامًا ومحاسبة من يرتكبها.

وأضاف: ما نشهد على مواقع التواصل الاجتماعى ومن خلال التطبيقات المختلفة أو قنوات اليوتيوب، نجد دعاة ومفتين وواعظين جددًا، يخلطون الجائز بالمستحب بالمكروه، والفرض بالسنة، ويروجون لآراء شاذة فى العقائد والأديان، ويتم تداول الأمر على المواقع والمنصات المختلفة من أجل زيادة أعداد المشاهدات والأمور المرتبطة بالربح المالى، وللأسف يصدقهم بعض الأشخاص خاصة الشباب، وهذا أمر شديد الخطورة.

وحذر من خطورة إصدار الفتوى على الهواء مباشرة، حيث يعد أمرًا بالغ الأهمية، لأن الفتوى تحتاج إلى معرفة بالظروف والملابسات والتفاصيل بشكل دقيق ومفصل؛ لذلك يجب حظر إصدار الفتاوى فيما يخص القضايا المختلفة، على الهواء مباشرة، لأنه أمر ليس فى محله تمامًا.

شدد أستاذ إعلام بنها، على ضرورة أن يضع القانون الجديد ضوابط صارمة لعدم تسلل غير المؤهلين إلى مجال الإفتاء، كما يلزم وسائل الإعلام بعدم نشر أى فتوى إلا من خلال الجهات المختصة بذلك، وهو ما يساعد على مواجهة الفتاوى الشاذة الصادرة عن غير المؤهلين، التى تؤثر بالسلب على المجتمع، مشيرًا إلى ضرورة وجود قانون ينظم عملية الإفتاء، ويمنع استغلال الدين لتحقيق مكاسب سياسية وشخصية، وفى الوقت نفسه يعمل على نشر الفكر الوسطى والتصدى للتطرف الدينى.

كما شدد على ضرورة تعزيز دور المؤسسات الدينية الرسمية فى توجيه المجتمع نحو الفكر الوسطى المعتدل، لافتاً إلى أن وجود عقوبات بالقانون سيسهم فى ردع المخالفين والمتجاوزين، ويحد من تأثيرهم السلبى على المجتمع، ومشيرًا إلى أن انتشار الفتاوى غير المنضبطة خلال السنوات الماضية تسبب فى إثارة الجدل وإحداث انقسامات مجتمعية وإثارة البلبلة بين المواطنين.

وواصل قوله: أخطر ما يواجه المجتمع هو إصدار الفتاوى «لكل من هب ودب»، والطعن فى ثوابت أمور الدين بغير علم، لأن فتوى واحدة قد تتسبب فى هدم مجتمع أو تدمير أسرة أو تشكيك الناس فى عقيدتهم ودينهم وفى مختلف أمور حياتهم، وبالتالى يجب تنظيم مسألة الإفتاء وإخضاعها للضوابط.. كما سوف يساهم القانون بشكل كبير فى تحديد معايير الشخصيات التى يمكن أن يصدر عنها الفتوى، ويجب الإسراع بخروج القانون إلى النور فى أقرب وقت ممكن، لأن تطبيق القانون بسرعة وصرامة شديدة، سيكون من باب الردع العام والخاص، وعلى الجميع أن يلتزم بهذا الإطار القانونى، وهو ما سيكون أكثر فائدة على المجتمع.

من جانبه، أكد ناجى الشهابي، رئيس حزب الجيل الديمقراطى، أن قانون تنظيم الفتوى يُعد خطوة بالغة الأهمية فى سبيل الحفاظ على وحدة الصف الوطنى، وتجنيب المجتمع مخاطر الفتنة والتطرف الفكرى والديني، مشيراً إلى أن السنوات الماضية شهدت فوضى فى إصدار الفتاوى، كان لها أثر بالغ السوء على وعى المواطنين واستقرار المجتمع، وموضحاً أن القانون يجب أن يتصدى بقوة لدعاة الفتنة ومنتحلى صفة العلماء، الذين استباحوا الفتوى دون علم أو تأهيل، وأساءوا إلى الدين والوطن على حد سواء.

وأضاف: لقد عانى المجتمع المصرى كثيرا من فتاوى مضللة، تارة باسم الدين، وتارة أخرى لتحقيق مصالح سياسية أو طائفية، وهو ما أدى إلى بث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد، وساعد على انتشار خطاب الكراهية والتحريض والتشدد، واليوم يأتى هذا القانون ليعيد الأمور إلى نصابها، من خلال قصر الفتوى العامة على جهات رسمية موثوقة تمتلك الكفاءة الشرعية والعلمية، كهيئة كبار العلماء، ودار الإفتاء المصرية، ومجمع البحوث الإسلامية، وغيرها من المؤسسات المعتمدة.

وتابع رئيس حزب الجيل، قائلاً: من أهم مزايا هذا القانون أنه لا يهدف فقط إلى منع الفتوى من غير المؤهلين، بل يرسى قواعد الانضباط المؤسسى فى الشأن الدينى، ويُرسخ للفتوى القائمة على الاجتهاد الجماعى والفهم العميق لمقاصد الشريعة، بدلاً من الفتاوى الفردية المتسرعة التى غالبًا ما تُستغل فى إشعال الفتن أو زرع الفرقة بين أفراد المجتمع، مؤكداً أن القانون يأتى فى توقيت مهم جداً، تزامنًا مع دعوة القيادة السياسية لتجديد الخطاب الدينى وتحصين الشباب من الفكر المتطرف، وهو ما يجعل منه إحدى أدوات الدولة فى حماية الأمن القومى من مخاطر التشدد والتكفير والانقسام.

وفيما يتعلق بالعقوبات، أكد «الشهابى»، أن النص على جزاءات صارمة للمخالفين بالقانون هو أمر ضرورى ومرحب به، مضيفًا: «لا يكفى أن نمنع غير المؤهلين من إصدار الفتوى، بل لا بد من محاسبتهم حال تجاوزوا، حتى يشعر الجميع بجدية الدولة فى ضبط هذا الملف الخطير، فالفتوى ليست مجرد رأى دينى، بل هى توجيه عام يؤثر فى العقول والسلوك، وقد يتسبب فى تحريك جماعات أو إثارة فتن، ولذلك فإن وجود عقوبات مشددة هو الضمان الحقيقى لردع المتجاوزين، وتعزيز احترام القانون وهيبة الدولة، مختتماً قوله: «ندعم هذا القانون بكل قوة، ونعتبره أحد التشريعات الضرورية التى تسهم فى بناء دولة مدنية عصرية، تحترم المؤسسات وتنبذ الفوضى، وتحمى الدين من التشويه، والمجتمع من الانقسام».

بدوره، وافق إسلام الكتاتنى، الباحث فى الحركات الإسلامية، مع الآراء السابقة، حيث أوضح أن القانون مهم لأنه سيواجه فوضى الفتاوى ، مشيرًا إلى أن إصدار الفتوى بغير ضابط أو إطار قانونى، من شأنه أن يفتح الباب أمام غير المؤهلين لدخول المجال الدقيق التخصص، وهو ما يؤدى لنشر فتاوى غير صحيحة ومتشددة تهدد الأمن الفكرى للمجتمع، ولذلك تأتى أهمية وجود قانون ينظم عملية الإفتاء، ويحدد الجهات المختصة من أجل منع ظهور شخصيات تصدر فتاوى شاذة ليس لها علاقة بالإسلام.

وأكد «الكتاتنى»، أن قانون تنظيم الفتاوى يعد مطلباً وطنياً ودينياً لا بديل عنه، وذلك حفاظًا على أمن واستقرار المجتمع، وحمايته من الفتاوى المتطرفة وغير الصحيحة، حيث إن إصدار الفتوى سيكون من خلال جهات مختصة، الأمر الذى سيقضى على حالة الفوضى من الذين يسعون إلى إثارة الرأى العام، عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى، حيث انتشرت فى السنوات الأخيرة، عدد من الفتاوى المتطرفة والمثيرة للجدل، التى تهدد مبدأ التعايش السلمى داخل المجتمعات، وصدرت عن أشخاص غير مؤهلين أو يتسمون بخلفيات فكرية متشددة، مثل تحريم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، كما صدرت فتاوى عن دعاة متشددين بتكفير بعض الفنانين، وهناك فتاوى صادرة عن جماعات متطرفة إرهابية، بجواز قتل المدنيين غير المسلمين، بل حتى المسلمين الذين لا يطبقون الشريعة، مما أدى إلى ارتكاب العديد من العمليات الإرهابية وقتل الضحايا الأبرياء، ومؤخرًا هناك من أفتى بجواز سرقة التيار الكهربائى والمياه والتعدى على المال العام للدولة، لذلك لا بد من وجود عقوبات صارمة بالقانون تسهم فى ردع المخالفين.

وأتم «الكتاتنى» حديثه، مشدداً على أن ضبط الفتاوى وتقييدها بالضوابط الشرعية والعلمية أمر مهم، هو أبرز أهداف القانون، وأن تكون عملية الإفتاء موكلة إلى المؤهلين والمتخصصين، حيث إن تحديد المرجعية الرسمية لإصدار الفتوى ومنع التضارب فى الفتاوى يساهم فى تعزيز الاستقرار داخل المجتمع.