الحق الفلسطينى.. قرار مصرى راسخ
احتار الكثير من المحللين السياسيين فى تصنيف القمة العربية الرابعة والثلاثين.. والتى انتهت أعمالها فى العاصمة العراقية بغداد يوم السبت الماضي.. ونبعت تلك الحيرة من غياب الغالبية العظمى من قادة الدول العربية عن تلك القمة.. ولكن هؤلاء المحللين السياسيين قد أجمعوا على أن كلمة مصر.. التى ألقاها الرئيس السيسي.. قد أنقذت تلك القمة.. وخاصة تلك الفقرة التى أكد فيها الرئيس على أن الدولة الفلسطينية.. هى الضمانة الوحيدة.. لوجود السلام الدائم والعادل والشامل فى المنطقة.. وأن مثل هذا السلام لن يتحقق.. حتى لو استطاع الكيان المحتل التطبيع مع كل الدول العربية.. وتأتى هذه الفقرة لتؤكد موقف مصر الثابت والدائم.. فى العمل على وجود الدولة الفلسطينية المستقلة..
ذلك الموقف الذى بدأ منذ اغتصاب الأراضى الفلسطينية.. ولن يتوقف حتى تصبح الدولة الفلسطينية حقيقة دامغة.. وقد وقفت مصر منذ عشرات السنين.. فى وجه كل المظالم التى عانى منها الشعب الفلسطيني.. وقد بدأت عمليات استهداف فلسطين.. قبل سنوات طويلة جدا.. وتحديدا بعد الحملة الفرنسية على مصر عام 1798.. حيث فكر نابليون بونابرت فى إقامة وطن قومى لليهود فى فلسطين.. ولكن فشل الحملة ورحيلها عن مصر عام 1801.. عمل على تأجيل الفكرة.. حتى جاء المؤتمر الصهيونى الأول.. الذى عقد فى بازل بسويسرا عام 1897.. وخلال هذا المؤتمر أعلن تيودور هرتزل أنهم سيقيمون دولتهم فى أرض الميعاد بعد خمسين عاما.. وقد تعاونت الصهيونية المسيحية مع الصهيونية اليهودية.. فى العمل على جمع كل اليهود فى أرض الميعاد.. التى هى فلسطين.. وسعيا لتحقيق هذا الهدف.. استخدموا كل الوسائل غير المشروعة.. التى بدأت بمؤتمر لندن عام 1907.. ذلك المؤتمر الذى حمل اسم رئيس وزراء بريطانيا فى ذلك الوقت كامبل بنرمان.. وخرج هذا المؤتمر بالعديد من القرارات.. أهمها زرع جسم غريب بين دول الوطن العربي.. يمنع وحدة هذا الوطن ويدين بالولاء للغرب.. لكى تظل هذه المنطقة طوال الوقت مفككة وجاهلة وضعيفة.. وبعد عشر سنوات من مؤتمر لندن صدر وعد بلفور عام 1917.. بإنشاء وطن قومى لليهود فى فلسطين.. وعمل الغرب على دفع اليهود للهجرة إلى فلسطين بالترغيب والترهيب.. ووصل الأمر إلى حد اتفاق الصهيونية العالمية مع الألمان خلال الحرب العالمية الثانية.. للعمل على دفع يهود أوربا إلى الهجرة إلى فلسطين.. فظهرت مبالغات موضوع أفران الغاز وحرق اليهود.. التى فندها العديد من كبار المؤرخين والمفكرين.. وفى مقدمتهم روجيه جارودي.. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فى عام 1945 تسارعت الأحداث.. لنصل إلى قرار التقسيم فى نوفمبر 1947.. والذى نص على إنشاء دولتين فى فلسطين.. الأولى يهودية على مساحة أكثر قليلا من نصف مساحة فلسطين التاريخية.. ودولة عربية على أقل من نصف المساحة الكلية.. على أن تظل مدينة القدس تحت الإدارة الدولية.. ورفض العرب هذا القرار الظالم.. ولكن الغرب عمل بكل القوة على تحويله إلى أمر واقع.. فتم إعلان قيام الكيان المحتل فى 15 مايو 1948.. وكانت الدول العربية ما زالت تعانى من ويلات الاستعمار.. ورغم هذا دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين فى أكتوبر 1948.. وللأسف لم تكن تلك الجيوش على قلب رجل واحد.. ورغم هذا حقق الجيش المصرى الكثير من البطولات.. ولكن الغرب تدخل لفرض الاحتلال.. الذى توغل وتغول وسيطر على 78 فى المائة من مساحة فلسطين التاريخية.. وعاد البكباشى جمال عبدالناصر من حرب فلسطين.. وهو على يقين بأن فلسطين لن تتحرر إلا إذا تحررت مصر.. فقاد تنظيم الضباط الأحرار وقاموا بثورة يوليو 1952.. تلك الثورة العظيمة التى قادت كل حركات التحرر فى العالم.. وحققت الكثير من المشروعات القومية العملاقة داخل مصر.. وأعلن جمال عبدالناصر قائد الثورة تصميم مصر على وجود الدولة الفلسطينية.. فعمل الغرب على ضرب التجربة المصرية حتى لا يتم تعميمها فى دول العالم الثالث.. فجاء العدوان الثلاثى عام 1956.. وشاركت فيه إنجلترا وفرنسا والكيان الصهيونى.. بحجة أن مصر قد مارست حقها القانونى فى تأميم قناة السويس.. وانتصرت مصر على قوة العدوان واحتفظت بقناة السويس إلى الأبد.
فكان لابد من عدوان أكثر قسوة وضراوة.. للعمل على إفشال مشروع مصر العملاق.. فكان عدوان الخامس من يونيو 1967.. وسرعان ما تماسكت مصر لتبدأ حرب الاستنزاف الطويلة والعظيمة.. والتى تم تتويجها بانتصار أكتوبر العظيم 1973.. وطوال تلك الفترة كانت القضية الفلسطينية محور التحركات الدبلوماسية المصرية.. تلك التحركات التى حصلت على العديد من القرارات الدولية الملزمة.. تلك القرارات التى أشار إليها الرئيس السيسى فى كلمة مصر أمام القمة الرابعة والثلاثين.. ورغم هذه القرارات الدولية الملزمة.. إلا أن الكيان المحتل راح يراوغ ويواصل العدوان.. وتقدم الإبادة الجماعية التى تتم فى قطاع غزة.. على مدى أكثر من العام ونصف العام.. الوجه البشع لهذا الكيان المحتل.. الذى يتمتع بدعم وحماية الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا.. ورغم هذا الدعم وتلك الحماية تواصل مصر دورها.. الداعى إلى وجود الدولة الفلسطينية.. حيث يعلو الصوت المصري.. ليس فى مؤتمرات القمة العربية.. ولكن فى كل المحافل الدولية.. الأمم المتحدة.. ومجلس الأمن.. والاتحاد الإفريقي.. إلخ.. حيث يرتفع الصوت المصرى مؤكدا أنه لا أمن ولا أمان فى منطقة الشرق الأوسط.. إلا بوجود الدولة الفلسطينية المستقلة.
وتؤكد مصر فى كل المحافل الدولية أن الدولة الفلسطينية هى الطريق الوحيد الذى سيعمل على نشر السلام العادل والشامل والدائم.. ليس فى المنطقة العربية فقط.. ولكن فى كل الإقليم.. وهذه الدولة الفلسطينية حتما ستولد بتضحيات أبنائها.. وبالمواقف العربية الحاسمة.. مثل الموقف المصرى الثابت منذ عشرات السنين.. والذى يجب أن يكون قدوة ونبراسا لكل الدول العربية والإسلامية.
