رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


حكايات مزمنة.. الحاجة فين؟!

25-5-2025 | 11:11


محمد السيد,

دق جرس الباب كان دكتور التحاليل، جاء ليأخذ العينة كالمعتاد كل 15 يوم روتين دوري، لكن نتائجه لا تتشابه أبداً أحياناً مطمئنة وأحياناً أخرى تقلقني بشدة.

أجهز حقيبتي المعتادة قبل الذهاب للجلسة، مشروبات، مناديل وأدوية، ووقفت أمام باب المستشفى في الموعد وكالعادة  تبدأ المعاناة لا توجد أماكن ولا مجال لمرافق، وبعد محاولات مضنية، تمكنت من الحصول على ذلك التصريح العزيز.

في ذلك اليوم تحديدا، راودني شعور غريب أن شيئاً ما سيحدث بدايته لم تكن مبشرة، مواقف صعبة توالت، أولها تلك الفتاة التي تعطل أوراقي في كل مرة، لكنها هذه المرة لم تكن موجودة، ظننت أنني أخيراً نجوت، ولكن للأسف رئيسها اتبع نفس أسلوبها! بل وأخبرني أنها تركت ملاحظات ضدي في ملفي فقط لتحقق أمنياتها الشريرة في الانتقام من أشخاص لا تعرفهم!

كانت الجلسة الأصعب خُيرت إما أن أدخل دون مرافق، أو أنصرف وأحاول في يوم آخر وافقت أن أبقى وحيداً وتوكلت على الله.

 جمعت أشيائي ودخلت الغرفة وحيداً وانصرف الأمل برفقة من رافقني.

ولكن عند دخولي وجدت امرأة تجلس على السرير الآخر! تراجعت سريعاً لأتأكد من الاسم على باب الغرفة، نعم اسمي موجود! وبجواره اسم مريض آخر!

طرقت الباب بحذر فجاءني صوت ضعيف يشبه نسيم العمر المتكسر 
 "خش يا ابني، أنا لوحدي"

دخلت متردداً لكنها ابتسمت وقالت
"متستغربش يا ابني... عادي جداً ومتحاولش تسأل حد، عشان محدش يقول عليك ساذج، المرضى هنا ممكن يتشاركوا الغرف، بص بس على سني... وبالكاد أقدر أتكلم"

بدأت أفرغ حقيبتي وهي لم تتوقف عن الحديث، تحكي قصصاً غير مفهومة، تلمع عيناها وكأنها تحفظ شيئاً لا نعرفه، داخل عقلي كنت أصرخ "يا ريت تسكتي شوية طيب، إيه القصص المستفادة يا حجة؟!"

كالعادة، دخل أحد أفراد التمريض ليسجل البيانات، ثم آخر لقياس الضغط والسكر والأكسجين، لكن الغريب، أن كل طاقم التمريض كان يتجاهلها تماماً كأنها غير موجودة!
وهي ما أن ترى أحدهم تختبئ تحت الغطاء! كأنها متهمة هاربة من جريمة قتل!

وحين يخلو المكان، تعود لتسرد القصص التي لا تنتهي، لا تهدأ أبداً بحجة أن الإضاءة ترهقها، تختبئ كلما دخل أحدهم.

مرت الأيام وأنا في حيرة، ألاحظ أنها  لم تأخذ أي جرعات علاج! هل هي مريضة فعلاً؟ أم ماذا؟!
جمعت شجاعتي وسألتها "إنتي مش بتاخدي جرعات ليه يا حجة"؟!

ردت بابتسامة منهكة "هيعمل إيه العلاج يا ابني؟ ياما خدت وبعدين هما بينسوني دايماً"!

في نهاية الجلسة، حييتها تحية الوداع من بعيد، وغادرت دون أن أسألها حتى عن اسمها.

وأثناء إجراءات الخروج، وجدتهم يسجلون مبلغاً مالياً تحت بند مرافق
قلت لهم استغراب، "أنا كنت مع مريضةبس مكنش معايا مرافق"!

أكد لي الموظف أن الغرفة كانت فاضية! وسألني سؤالًا غريباً "كنت في أنهي دور؟ وغرفة كام"؟!

أجبته فابتسم ابتسامة غريبة خبيثة غير مبررة، وأصدر لي وصل الدفع،
لكن الفضول التهمني صعدت إلى طاقم التمريض لأتأكد، "أنا كان معايا مريضة في الغرفة"!

ابتسم الجميع، وقالوا "متدققش يا أستاذ محمد"!

فتحت باب الغرفة، فوجدت السرير الآخر مكسوراً ولا يوجد عليه أحد اقتربت مني ممرضة وهمست "متدققش يا عم محمد الغرفة دي في الصيانة من فترة، وكل اللي بيدخلها بيحكي حكايات غريبة عن ناس بيشوفوهم جواها"!!!! 

انصرفت بصعوبة بخطوات مندهشة واكتشفت سذاجتي في الحديث مع الحجة، التي لم أرى ملامح وجهها بوضوح طوال أيام الجلسة...

وكلما ذهبت إلى جلسة جديدة، يعود عقلي يتقافز بين الأسئلة ويرن في أذني صوت أحمد راتب "هي الحجة طلعتلك يا منسي"؟!

لكني حتى الآن لا أعرف هل كانت مريضة مثلنا؟!  ولا كانت مجرد ذكرى  بتهيم في أروقة المستشفى تبحث عن أحد يسمع حكاياتها؟
ولا يمكن كانت أنا في زمن تاني؟!

" ما أنا مش عايز أقتنع أبدا إنها عفريت دي كانت بتحكيلي قصص يومية،  وبالرغم أنني لم أرى وجهها يوما بوضوح، ولا سمعت أحد ينطق اسمها، ولكن الأغرب إن كل مرة أمر من أمام باب الغرفة" بسمع صوتها بيناديني من "خش يا ابني أنا لوحدي".