رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الدكتور أحمد زايد: مكتبة الإسكندرية نافذة مصر إلى العالم ومساحة إبداع ثقافي ومعرفي| حوار

28-5-2025 | 17:39


د. أحمد زايد

دعاء برعي

- نعمل على إصدار المكتبة مجلة ثقافية تنشر مقالات لكل المفكرين والكتّاب المصريين بمختلف أطيافهم

- سننشئ مركزًا للإنتاج الإعلامي، يدرب الشباب الدارسين في كليات الإعلام والمهتمين بهذا المجال على مهارات كتابة السيناريو والإخراج والتصوير

- نُعد لمركز متخصص لتدريب الشباب على الابتكارات في مجال تكنولوجيا المعلومات والتطبيقات الإلكترونية

تُمثل مكتبة الإسكندرية أحد أبرز المعالم الثقافية في مصر والعالم العربي، ليس فقط لما تحمله من رمزية تاريخية، بل لما تقدمه اليوم من أدوار حيوية في مجالات الثقافة، والبحث العلمي، والتكنولوجيا، والتواصل المجتمعي.. وفي هذا الحوار مع مديرها المفكر والعالم الدكتور أحمد زايد نسلّط الضوء على رؤية المكتبة في العصر الرقمي، وأولويات إدارتها الحالية، ومشروعاتها المتنوعة، وسُبل تفاعلها مع الشباب والمجتمع، بالإضافة إلى حضورها الدولي المتنامي، من خلال إجابات وافية تُقدم صورة دقيقة عن ديناميكية هذه المؤسسة الثقافية الرائدة.

ـ كيف تنظرون إلى دور مكتبة الإسكندرية اليوم في المشهد الثقافي المصري والعربي؟ وهل ترون أنها تؤدي الدور المنتظر منها؟

بالتأكيد تؤدي الدور المنتظر منها، وفكرة أن المؤسسة تعمل بأقصى طاقة لها وقد لا تصل إلى الاكتمال، فكرة واردة، فالمكتبة تسعى دائمًا لتحقيق دورها، ولديها أدوار محددة، ورؤية واضحة، وهدفها نشر العلم والثقافة، وأن تكون نافذة لمصر على العالم، وللعالم على مصر.

كما تحاول أن تربط مصر بسياقها الإقليمي والعالمي على المستوى الثقافي. كل هذه الأهداف نحاول تحقيقها من خلال أنشطة متعددة في مجالات متنوعة في قطاعات البحث الأكاديمي، والفنون، والتواصل الثقافي، وقطاع المكتبات الخاص بالقراءة والبحث.

وتعمل كذلك مع الطفل والمرأة، وفي مجالي النشر العلمي والثقافي، وأيضًا في توثيق التراث، وجميعها أنشطة متنوعة تسعى عن طريقها المكتبة إلى تحقيق رؤيتها في تعزيز التواصل الثقافي على المستويين العربي والعالمي.

ـ ما هي أولوياتكم الأساسية في إدارة المكتبة؟ وما الذي تسعون إلى تغييره أو تطويره؟

دائمًا أحاول أن أقدم أشياءً جديدة، لم تكن موجودة في المكتبة، وهو ما أعتبره جوهر مفهوم التطوير؛ أن تُبدعي أو تُطوري برامج تتسم بالتجديد، والخروج من دائرة تكرار المحاضرات والندوات، فعلى سبيل المثال، أصدرنا سلسلة "كتب التراث الإنسانية للنشء والشباب"، وهي كتب قصيرة، يلخص كل منها فكرة ما عن عالم ما، سواء كان مفكرًا أو فنانًا أو شاعرًا أو أديبًا، وهي تهدف إلى خلق مساحة كبيرة جدًا من المعرفة لأبنائنا الشباب، في مختلف المجالات، وتغرس فيهم الإيمان بأن الحضارة التي نحياها لم نصنعها وحدنا، بل ساهم في بنائها أفراد عديدون من بلدان مختلفة، وفي مجالات متنوعة، كالفن والفلسفة والاجتماع والعلوم، مما يُسهم في تقليص النزعة إلى التعصب.

أما بالنسبة للجوائز، فنظمنا جائزة للقراءة وهي أول جائزة للقراءة في مصر وتمت بشفافية مطلقة ودقة عالية، فأعلنا عن مسابقة مصرية في القرن الـ19 تاريخًيا وثقافيًا، ونفذنا بنك أسئلة يحتوي على 1000 سؤال، أعد الأسئلة أساتذة في التاريخ وفي الفكر، ثم تم تحليلها موضوعيًا بعرضها على متخصصين، وأتيحت المسابقة عبر شبكة الانترنت من خلال أسئلة مختلفة لكل متسابق.

أيضًا نظمنا جائزة عالمية حول تطبيقات التكنولوجيا الخضراء، سيغلق باب التقدم لدورتها الأولى نهاية مايو الجاري. وهناك جائزة كبرى للمبدعين الشباب في فروع متنوعة هي السرد، والشعر، والمسرح، والفكر الفلسفي والاجتماعي، والدراما، والابتكار العلمي، وريادة الأعمال، سنطلق كامل تفاصيلها وطرق التقدم لها قريبًا.

كما نقدم للنشء والشباب أفلامًا تُلخص لهم تراث مصر وثقافتها، بما يعزز الانتماء والهوية والثقافة المصرية، كسلسلة أفلام "عارف" التي أنتجنا منها حوالي 30 فيلمًا من هذه، لدينا أيضًا "بودكاست" ولقاءات مع مثقفين تُبث عبر موقع المكتبة، كما نُطور الموقع ونسعى لتوفير أكبر عدد من الكتب المرقمنة ليقرأها القارئ من أي مكان. إضافة إلى ذلك، أطلقنا مشروع "سفارات المعرفة" في الجامعات المختلفة، وكلها أنشطة جديدة.

ـ كيف توازنون بين الحفاظ على الإرث الثقافي والتاريخي للمكتبة والانفتاح على متطلبات العصر الرقمي؟

المكتبة ترقمن يوميًا نحو 3000 صفحة، أي ما يعادل رقمنة ما بين 20 و30 كتابًا، وتسعى جاهدة لتوفير أدواتها للعالم الرقمي. كما أننا نستخدم الآن بعض أدوات الذكاء الاصطناعي في البحث عن الكتب داخل المكتبة، وأيضًا في التفاعل السياحي مع المتاحف المتاحة داخلها. نحن نُدرك تمامًا التحديات، لكننا نعي أيضًا أهمية مواجهتها وتذليلها من خلال التطوير المستمر.                        

ـ ما أبرز المشروعات البحثية أو الثقافية التي تعمل عليها المكتبة حاليًا؟ وهل هناك مشاريع جديدة مرتقبة؟

لدينا مشاريع كثيرة جدًا، منها مشروعات خاصة بالشباب، حيث نعمل معهم في مشروعات متعددة، ونعمل كذلك مع المرأة في عدد من المشروعات، ولدينا مشروعات مخصصة للطفل. هناك أيضًا "معمل تبسيط العلوم" للشباب، نسعى من خلاله إلى تشجيع الشباب الصغير على ريادة الأعمال والابتكارات المختلفة، وتقديم أفكار حول مشروعات متنوعة، والمشاركة أحيانًا في مسابقات تُنظَّم على مستوى عالمي، يستطيعون من خلالها السفر إلى الخارج للمشاركة في المسابقات الإقليمية والعالمية.

وهناك أفكار جديدة نعمل على تنفيذها، منها إصدار مجلة ثقافية تنشر مقالات لكل المفكرين والكتّاب المصريين بمختلف أطيافهم. كما سننشئ مركزًا للإنتاج الإعلامي، يدرب الشباب الدارسين في كليات الإعلام والمهتمين بهذا المجال على مهارات كتابة السيناريو، والإخراج، والتصوير، وفنون الإعلام المختلفة.

وفي قطاع "الأي تي" (تكنولوجيا المعلومات)، نُعد لمركز متخصص لتدريب الشباب على الابتكارات في مجال تكنولوجيا المعلومات والتطبيقات الإلكترونية.

أيضًا في ذهني فكرة برنامج ثقافي تحدثت عنه كثيرًا من قبل، وأتطلع لتنفيذه في المكتبة، خاصة أن لدينا ستديو ومعدات، على أن تدور فكرة البرنامج حول مشهد تمثيلي أو حكي لموقف مقتبس من الحياة اليومية، ثم نأتي بخبراء متخصصين يناقشون هذا الموقف من ناحية الصواب والخطأ ومن ناحية الدين والأخلاق، وأن نكلف الباحثين بجمع هذه المواقف من الحياة.

ـ ماذا عن جهود الرقمنة وحفظ التراث؟ إلى أي مدى تسير مكتبة الإسكندرية في هذا الاتجاه؟

لدينا مركز كبير لحفظ التراث يُعرف باسم "مركز التراث الطبيعي والثقافي" في القرية الذكية، يُوثّق كل شيء، بدءًا من الحدائق، والحيوانات، والآثار، والقصور، والكنائس، والمساجد، والحرف اليدوية، وصولًا إلى الأفلام التي تتناول العادات والتقاليد والمعتقدات الشعبية المصرية، وكل هذا التراث – سواء الطبيعي أو الثقافي – يتم رقمنته. كما يعمل المركز أيضًا في الأرشفة، ويقوم بطباعة بعض الكتب أحيانًا.

ـ تضم المكتبة مجموعة ضخمة من الوثائق والمخطوطات النادرة. كيف يتم إتاحة هذه الكنوز للباحثين والمهتمين؟

أي باحث يستطيع العثور على المخطوط خلال خمس دقائق فقط، بفضل الحرفية العالية جدًا في التعامل مع البحث داخل المكتبة. هناك العديد من المخطوطات التي نحاول تقديمها للباحثين، وبعضها متوفر على المواقع الإلكترونية، ويمكن الوصول إليه إلكترونيًا من أي مكان في العالم.

ـ كيف تتعاون المكتبة مع المؤسسات الثقافية والعلمية الدولية؟ وهل هناك شراكات استراتيجية جديدة؟

المكتبة وُجدت بالأساس لعقد مثل هذه الشراكات، فنحن لدينا اتفاقيات تعاون مع معظم مكتبات العالم، وخصوصًا المكتبات الكبرى في أوروبا، مثل فرنسا وإنجلترا وإسبانيا وإيطاليا، وكذلك مع الصين واليابان. العديد من السفراء الذين يزورون المكتبة يسعون إلى توقيع بروتوكولات تعاون معها، ونحن نعمل على هذه البروتوكولات بصورة ممتازة.

ـ هل ترى أن مكتبة الإسكندرية قادرة على لعب دور "الدبلوماسية الثقافية" في محيطها العربي والمتوسطي؟

نعم، المكتبة قادرة تمامًا على لعب دور دبلوماسي ثقافي في السياق العربي والإقليمي والدولي.

ـ كيف تسهم المكتبة في دعم الثقافة العلمية ونشر التفكير النقدي لدى الأجيال الجديدة؟

المكتبة تضم قطاعًا مخصصًا للبحث الأكاديمي، يحتوي على مجلات علمية، ومراكز بحثية، وكتب منشورة، بالإضافة إلى برامج تدريبية لتأهيل الشباب في مجالات البحث العلمي. نقدم منحًا للباحثين، وندربهم من خلال ورش عمل، ويتم ذلك أحيانًا عبر الإنترنت، وأحيانًا على المستوى الإفريقي والعربي. تدير المكتبة هذا المشروع بحرفية عالية. كما تنشر المكتبة مجلة "هيباتيا"، التي تهتم بأخبار الباحثات العربيات في مجالات التكنولوجيا والعلم، وتصدر أربع مرات سنويًا.

ـ هل توجد آليات لتوسيع دور المكتبة خارج الإسكندرية والوصول إلى فئات أوسع في المحافظات والريف؟

نعم، لدينا في المحافظات ما يُعرف بـ"سفارات المعرفة"، وهي متاحة في الجامعات، وقد بدأنا مؤخرًا في إنشائها داخل المحافظات مثل الأقصر. وقد طلب محافظ القليوبية أمس أن ننشئ واحدة داخل المكتبة العامة ببنها. ولدينا سفارات معرفة في جامعة بنها، وطنطا، والقاهرة، وفي جميع الجامعات الحكومية، وبعض الجامعات الخاصة والأهلية.

يزور الطلبة سفارات المعرفة ليطّلعوا على الكتب المرقمنة، ويستفيدوا من الأبحاث والأنشطة التي تقدمها المكتبة بصورة رقمية وعن بُعد. لقد ساهمت الرقمنة بشكل كبير في إيصال صوت مكتبة الإسكندرية إلى كل المحافظات المصرية.

ـ كيف أثرت خلفيتكم السوسيولوجية على إدارتكم لمؤسسة ثقافية بحجم مكتبة الإسكندرية؟

ليست خبرتي سوسيولوجية فقط، بل ثقافية ومعرفية كذلك، فلست أستاذ علم اجتماع فقط، لكن لدي خبرة في الأطر المعرفية الثقافية في مجالات الآداب، والثقافة، والفلسفة، وعلم الاجتماع. كل هذا يُفيدني في فهم الخريطة الثقافية في العالم بأسره، سواء في الماضي أو الحاضر. مدير مكتبة الإسكندرية لا بد أن يكون على دراية شاملة بالخريطة الثقافية في العالم وفي الإقليم، ومُلمٍّ بمُجمل المعارف الثقافية التي شكّلت العالم المعاصر.

كما أن لديّ دراية كاملة بطريقة إدارة تجمع بين الحب والتواضع، والشراكة والمشاركة، ورفض السلطوية، واعتماد الديمقراطية والحوار. أنا أؤمن تمامًا بالشراكة والمشاركة، وهي ما يُطلق عليها "الإدارة الرشيدة"، وهذا بالضبط ما تُمكِّنني منه العلوم الاجتماعية.

ـ ما هو الكاتب أو الفيلسوف أو المفكر الذي ترك فيك أثرًا لا يُمحى؟

سقراط، فهو صاحب مذهب فلسفي أخلاقي عظيم جدًا، فقد علَّم الناس الخير، والاستبصار، وبعض المبادئ القانونية، ولديه آراء فلسفية عميقة. هناك فلاسفة كُثر أثَّروا بي، لكن سقراط كان الأعمق تأثيرًا.

ـ في ظل ما يشهده العالم من صراعات معرفية وثقافية.. كيف ترى مستقبل الكتاب والقراءة؟ وهل لا يزال لهما الدور المحوري في تشكيل الوعي؟

الكتاب الورقي لن يختفي أبدًا. نحن نقرأ الكتب الإلكترونية، نعم، لكن الكتاب الورقي سيظل دائمًا جاذبًا، حتى للشباب. ومن الممكن أن نشهد عودة قوية للكتب المطبوعة، لأن للكتاب المطبوع بهجته وقيمته الكبيرة التي لا تُضاهى.

ـ ختامًا.. ما هو الحلم الأكبر الذي تتمنى أن تحققه خلال وجودك على رأس مكتبة الإسكندرية؟

أن أحقق المزيد من النجاح في أداء مهمتي، ليس أكثر من ذلك، وعلى الإنسان أن يكون دائم السعي، ودائم الطموح لتحقيق المزيد من النجاح، والعمل، والمثابرة.