رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


مضيق «هُرمُز».. ممر الصراعات الذي تختنق عنده الجغرافيا

16-6-2025 | 14:48


مضيق هرمز

همت مصطفى

في زاوية ضيقة جدا من جغرافيا العالم، حيث تتداخل القارات وتتشابك المصالح، أو تتعارض وتضطرب المياه، يرقد مضيق «هُرمُز» كأحد أكثر الممرات البحرية حساسية وإثارة في العالم، خاصة في هذا الأيام الأخيرة الذي نشهدها وهو ليس مجرد ممر للنفط، بل شريان حضاري نزف عبر التاريخ، وعبرت ضفتيه حضارات وسفن وقصائد وأطماع.

وهنا، في هذا المضيق يختلط صوت الأمواج برنين الأساطير، وتتشابك الرواية السياسية بالحكاية الثقافية، وتبقى أسئلة المصير معلقة في الهواء المشبع بالتوتر.. هل سيظل المضيق معبرًا للحياة؟ أم سيتحوّل إلى بوابة لزمن مشحون بالمواجهة؟

الشرق القديم في مشهد معاصر

في قلب هذه المسافة المائية، تتجلى دراما الشرق القديم في مشهد معاصر، حيث لا تنفصل خطوط الطاقة عن خطوط الذاكرة، ولا يمر التاريخ دون أن يترك بصمته على الصخور والموانئ والكلمات

وسط تصاعد التوترات الإقليمية، والتحركات العسكرية في منطقة الخليج، يعود مضيق «هُرمُز»  إلى واجهة الأحداث، ليس فقط باعتباره أحد أهم الممرات المائية في العالم من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية، بل بوصفه رمزًا تاريخيًا وثقافيًا يعكس موقعًا التقاءً حضاريًا عمره قرون.
ويقع مضيق  «هُرمُز»  بين إيران شمالًا وسلطنة عُمان جنوبًا، ويمثل البوابة الشرقية للخليج العربي، وهو الشريان الذي يمر عبره ما يقرب من ثلث صادرات النفط المنقولة بحرًا عالميًا لكن خلف هذا البُعد الاقتصادي، يكمن إرث حضاري غني، إذ مرّت عبره حضارات قديمة مثل السومرية والفارسية والعربية، وتقاطعت عليه طرق التجارة بين الشرق والغرب، من الصين والهند وحتى أفريقيا وأوروبا.

 مضيق «هُرمُز»  لماذا هذا الاسم؟ 

وسمّي المضيق بـ «هرمز» لتوسّطه مملكة  «هُرمُز»  القديمة والتي اشتهرت باسم «باب الشرق السحري»، كما نُسبت تسميته لـ «هرمز» أحد ملوك بلاد فارس، كذلك إلى اسم الجزيرة «هرمز» الواقعة على ساحل «إقليم مكران» التابع لإيران اليوم ولبلاد فارس سابقًا، وسمّي اليوم مضيق نهر «ميتاب» التابع لإيران.

أبعاد مضيق «هُرمُز» الجغرافية

عرض  مضيق «هُرمُز» 50 كم (34 كم عند أضيق نقطة) وعمقه 60م فقط، ويبلغ عرض ممرّي الدخول والخروج فيه ميلين بحريّين  أي «10,5كم»  وتعبره 20-30 ناقلة نفط يوميًا بمعدّل ناقلة نفط كل 6 دقائق في ساعات الذروة، محمّلة بنحو 40% من النفط المنقول بحرًاعلى مستوى العالم.

مضيق «هُرمُز»  بالفارسية «تنگه هرمز» أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن.، و يقع في منطقة الخليج العربي فاصلًا ما بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، فهو المنفذ البحري الوحيد لدول  العراق والكويت والبحرين وقطر، وتطل عليه من الشمال إيران «محافظة بندر عباس» ومن الجنوب سلطنة عمان  «محافظة مسندم»   التي تشرف على حركة الملاحة البحرية فيه باعتبار أن ممر السفن يأتي ضمن مياهها الإقليمية.

الشاهد على تفاعل الثقافات واللغات وأساطير

وكان  مضيق «هُرمُز»  شاهدًا على تفاعل ثقافات ومذاهب ولغات وأساطير، حيث كان وما زال مسرحًا للملاحم البحرية، ومحط أطماع القوى الاستعمارية، ومصدر إلهام للأدباء والرحالة الذين وصفوه بأنه «نقطة توازن العالم »  .

وفي ظل الأحداث الجارية، و المتصاعدة بين قوات الاحتلال وإيران، تتجدد المخاوف من أن يتحول هذا الممر الضيق، الذي لا يتجاوز عرضه 50 كيلومترًا، إلى شرارة لصراع أوسع. ومع ذلك، فإن مضيق هرمز يحمل في طياته فرصة لفهم أعمق لحقيقة التداخل بين الجغرافيا والثقافة والسياسة، حيث لا تنفصل خطوط النفط عن خطوط التاريخ.

مضيق «هُرمُز».. فضاءً متعدّد الأصوات

 يمثل المضيق،ثقافيًا، فضاءً متعدّد الأصوات، حيث تتجاور الموانئ القديمة والأسواق الشعبية مع ممرات الناقلات العملاقة، وتظل اللغة العربية والفارسية والإنجليزية حاضرةً في أسماء المدن والموانئ والقصائد التي كُتبت على ضفافه.

القانون الدولي لـ  مضيق «هُرمُز» 
يعتبر المضيق في نظر القانون الدولي جزءًا من أعالي البحار، ولكل السفن الحق والحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها. في 30 أبريل 1982م تمّ اعتماد الاتفاقية الدولية لقانون البحار، وذلك من جهة الدول المطلة على البحار، وأهمّ ما في هذه الاتفاقية هي المادة 38 منها وهي كالآتي: «تتمتع جميع السفن العابرة للمضائق الدولية، بما فيها مضيق هرمز، بحق المرور دون أي عراقيل، سواء كانت هذه السفن أو الناقلات تجارية أو عسكرية»

وفي مؤتمر قانون البحار (جنيف 1958 - 1960م): حاولت إيران خلال المؤتمر الأول والثاني لانعقادهما لوضع «قانون البحار»، واللذان عُقدا تحت راية الأمم المتحدة، المطالبة بحقها في الإشراف على مضيق هرمز باعتباره يقع ضمن مياهها الإقليمية، إلا أن طلبها رُفض من قِبل جميع المشاركين، وفي مؤتمر قانون البحار (30 أبريل 1980م): طالبت إيران مجدّدًا بحقها في الإشراف على مضيق هرمز، إلا أن طلبها رُفض كليًا وللمرة الثالثة. حتى جاء القانون الدولي لحماية المضائق البحرية في أبريل 1982م.

الجزر القريبة من  مضيق «هُرمُز» 
يضمّ المضيق عدداً من الجزر الصغيرة غير المأهولة أكبرها جزيرة قشم الإيرانية وجزيرة لارك وجزيرة هرمز، إضافةً إلى الجزر الثلاثة المتنازع عليها بين إيران والإمارات  « طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى» .

مضيق «هُرمُز»  رمزًا لاختبار التوازن العالم

اليوم، وبين التحليلات العسكرية والتقارير الاقتصادية، يبقى  مضيق «هُرمُز»  رمزًا لاختبار التوازن العالمي، ومجالًا لفهم كيف تُشكل الجغرافيا المصير الثقافي والسياسي لشعوب المنطقة، وكيف يمكن لممر مائي أن يلخّص صراعًا أبعد من النفط... صراعًا على المعنى والهوية والمستقبل.