من غزة إلى طهران.. مصر تحذر من اشتعال الشرق الأوسط تحت غطاء الصمت الدولي
في مشهد طغى عليه الخذلان الإنساني، وقف مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير أسامة عبد الخالق، مخاطبا دول العالم برسالة دبلوماسية أخلاقية، حول الكارثة الإنسانية في غزة، وعن مصير الشعب الفلسطيني الذي يحاصر بالموت تحت أنقاض عجز دول العالم الكبرى، والعدوان الإسرائيلي على إيران.
وفي كلمة السفير المصري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أدان الإبادة الجماعية في قطاع غزة، مع ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولية صمته، وإصلاح شامل لمنظومة الأمم المتحدة، موجهًا انتقادات مباشرة لاستخدام "الفيتو" كأداة لحماية المعتدين، في إشارة واضحة إلى ممارسات الولايات المتحدة داخل مجلس الأمن.
وأكد السفير اسامة عبد الخالق، الموقف المصري الثابت الداعي للسلام الإقليمي، محذرًا من انزلاق المنطقة نحو صراع مفتوح، في ظل ممارسات إسرائيل التصعيدية واعتداءاتها المتكررة، سواء في غزة أو ضد السيادة الإيرانية، ما قد يهدد الاستقرار الدولي برمته.
أبرز نقاط كلمة مصر أمام الجمعية العمومية بالأمم المتحدة
تحدث عبد الخالق في عدة نقاط، منها الإبادة الجماعية في قطاع غزة حيث وصف الوضع في غزة بأنه "عار على الضمير الدولي" وقد حمل المجتمع الدولي مسؤولية التدخل العاجل لوقف المعاناة الإنسانية، مشددًا على الحق الفلسطيني في تقرير مصيره، وفضلا عن مناداته بمنح دولة فلسطين عضوية كاملة في الأمم المتحدة مع جعل القدس الشرقية عاصمة لها.
وفي جانب آخر، أكد ضرورة توجيه كل الضغوط الدولية على إسرائيل لإنهاء الحصار على القطاع وفتح المعابر، مع إدخال المساعدات الإنسانية دون قيود، مشددًا على ضرورة إصلاح هيكلية مجلس الأمن، خاصة استخدام "الفيتو"، وأنه لا يمكن أن يصبح غطاء للإفلات من المسؤولية تجاه الجرائم.
وفي سياق متصل، أفاد بأن ما يجري في غزة يعد "جرائم حرب" ويجب محاسبة المسؤولين عنها وفق القانون الدولي، مؤكدًا التزام مصر بدعم الجهود الدولية بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة، لدفع وقف إطلاق النار وإنهاء الحصار، وأدان السفير الهجوم الإسرائيلي على إيران، وحذر من الخطر الذي قد يلحق بالاستقرار الإقليمي.
صلاح حليمة: حق الفيتو أصبح غطاء لجرائم الحرب ودعوة لاستمرار سفك الدماء
وفي هذا السياق، قال السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن ما قاله السفير أسامة عبد الخالق، في كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، يؤكد ما قاله وزراء خارجية العرب والدول الإسلامية في عدة نقاط منها الاعتداء الوحشي من إسرائيل على قطاع غزة، فضلا عن الاعتداء الواضح على السيادة الإيرانية، وان ما جرى من الكيان الصهيوني على إيران وفلسطين هو بلغة الجمعية العمومية للأمم المتحدة هو عدوان وأيضا طبقا للاتفاقيات الدولية.
وأضاف حليمة في تصريح خاص لبوابة "دار الهلال" أن السفير عبد الخالق قد أشار إلى الجانب الإنساني في خطابه من ما تم ارتكابه من جزائك وانتهاكات القانون الدولي والإنساني بشكلٍ عام وما ما من المفترض أن يترتب على ذلك من أدانه القادة الإسرائيليين.
واستطرد: من ضمن أهم النقاط هي حق الفيتو، والذي يُستخدم في غير محله، بل يعكس دعوة لاستمرار الحرب وقتل المدنيين الغُزل، وكان في ذلك نقد للجانب الأمريكي بشكل كبير، حيث سبق وأن أدانته حوالى ١٤ دولة على ما تقوم به إسرائيل من مذابح متنوعة في القطاع، ولكن باستخدام حق الفيتو تمكنت الولايات المتحدة من فك سلاسل الإدانة من رقبة إسرائيل بسبب "الفيتو".
واختتم حديثه بما يجري حاليًا من تغيير في سياسة الشرق الأوسط، فضلًا عن التغيرات الديمغرافية والجغرافية التي تحدث حاليًا في فلسطين، بالإضافة إلى السعي وراء تغيير ميزان القوى، ودليل ذلك مهاجمة إيران من قبل الكيان، وما يترتب عليه من نتائج سلبية من عدم استقرار الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ويؤثر بما في ذلك على الاقتصاد الدولي مع ارتفاع سعر النقل البحري والبترول.
إكرام بدر الدين: مصر ترفض توسع الصراع الإقليمي وتحذر من عواقبه على العالم
وقال أكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية، إن مصر لا تريد توسع الصراع الإقليمي، ليس لخطورته على الأمن القومي المصري أو العربي، بل للنتائج التي لا يُحمد عقباها على العالم كله، وإن إسرائيل حاليًا تلعب أدوارًا خطيرة في المنطقة، لها تداعيات كبيرة مثلما حدث في تداعيات الحرب اللبنانية، وما نراه أمام أعيننا من الصراع الدائر منذ سنتين بين غزة وإسرائيل، فضلًا عن أحداث البحر الأحمر والحوثيين.
وأضاف في تصريح خاص لبوابة "دار الهلال" أن مصر تريد التهدئة في الشرق الأوسط، فهي لا تريد تدخل الولايات المتحدة في الصراع لصالح إسرائيل، فضلًا عن نتائجه إذا حدث على الجانب الآخر من تدخل أطراف أخرى لصالح إيران مثل الصين وروسيا.
واستطرد: إن مصر تطالب بإصلاح شامل وعادل لمنظومة الأمم المتحدة، والتي بقيت منذ الحرب العالمية الثانية بدون أدنى تعديلات على قوانينها، خصوصًا مجلس الأمن، والذي لا ينطوي على العدالة، وذلك بسبب تدخل الدول الخمس الكبرى في التصويت لصالح ما تراه مناسبًا لها، فالوضع يحتاج إلى إدخال تعديلات وإصلاحات جذرية كبيرة. وإن إصلاح الأمم المتحدة يحتاج إلى موافقة 15 دولة، فضلًا عن الدول الخمس الكبرى، والتي من المؤكد أنها لن توافق على ذلك، لأنه يعني سحب الامتيازات منها.
أستاذ علوم سياسية: تدخل واشنطن المباشر يهدد بانفجار إقليمي على غرار ما حدث في العراق
قال الدكتور رامي عاشور، أستاذ العلوم السياسية، إن الكلمة التي ألقتها مصر مؤخرًا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة جاءت بمثابة تأكيد واضح على المواقف التي سبقتها من دول آسيوية وعربية وإسلامية، حيث شددت على عدة محاور أساسية، من أبرزها إدانة الانتهاكات الإسرائيلية، والتحذير من المساعي الإيرانية لامتلاك السلاح النووي، وكذلك الإشارة إلى الخطر الذي تمثله إسرائيل في هذا السياق.
وأوضح عاشور في تصريح خاص لبوابة "دار الهلال"، أن خطاب مصر الأخير يعكس بوضوح التزامها بالمسار الدبلوماسي والسلمي، وأشار إلى أنها كانت من أوائل الدول في الشرق الأوسط التي أبرمت معاهدة سلام، ما يؤكد أن توجهها نحو تهدئة الأوضاع الإقليمية والدولية ليس وليد اللحظة، بل امتداد لنهج ثابت يسعى لتحقيق سلام حقيقي.
وتطرق عاشور إلى قضية "حق الفيتو"، والذي أكد أنه كثيرًا ما يُستخدم كأداة بيد القوى الكبرى لخدمة مصالحها، واستشهد باستخدام الولايات المتحدة للفيتو مرارًا لحماية إسرائيل، إلى جانب روسيا التي استخدمته أكثر من 18 مرة لدعم نظام بشار الأسد، فضلًا عن الصين، كما أشار إلى أن مصر كانت قد طرحت سابقًا، مع ألمانيا والهند، مقترحًا لتعديل شامل لنظام العضوية الدائمة في مجلس الأمن، إلا أنه قوبل بالرفض.
واختتم عاشور تصريحاته بالتأكيد على أن كلمة مصر عكست بوضوح قلقها من التداعيات الخطيرة المحتملة للصراع الإيراني الإسرائيلي، موضحًا أن الأمر لا يقتصر على الأبعاد الأمنية، كما هو الحال في حرب غزة، بل يشمل تداعيات اقتصادية تؤثر على العالم بأسره، مؤكدًا أن مصر تصطف في هذا الملف إلى جانب الدول العربية والإسلامية من أجل إنهاء هذا الصراع وتفادي عواقب قد تكون وخيمة، خاصة في حال تدخل الولايات المتحدة بشكل مباشر، ما قد يجر المنطقة إلى سيناريوهات شبيهة بما حدث في العراق، ويمنح إسرائيل فرصة أكبر للهيمنة الإقليمية.