رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


ذكرياتى مع الموسيقار «محمد عبد الوهاب» 3 / 3

19-6-2025 | 19:25


.

بقلم: سناء السعيد

فى الرابع من مايو 1991 رحل «محمد عبد الوهاب» أمير الطرب، موسيقار الأجيال، مجدد الموسيقى، والذى قدم أكثر من ثمانمائة لحن، توقف بعدها عن الغناء ليعود بعد عشرين عاماً بأغنية «من غير ليه»، والتى قال عنها النقاد إنها نقلة جديدة فى عالم الغناء. «محمد عبد الوهاب» العملاق الفني الذي عمل بإخلاص من أجل أن يفوز باحترام الناس. عاش لفنه، ولهذا فهو باقٍ بأمجاده.

 

وموسيقاه وأغانيه. إنه النهر الخالد، متجدد الروح والألحان. تحسب له مغامراته فى التطوير والتجديد. ولهذا يسود شعور عام بأنه لم يرحل عن دنيانا فهو باق بألحانه وصوته الجميل. باق بأنغامه، فالنغم لا يموت، إنه النهر الخالد والذى يعد أعذب الأنهار، ويعد ظاهرة فنية فريدة فى عالمنا، إذ إنه لم يكن مجرد فنان يغنى ويعزف، ولكن كان عقله ووجدانه يخترقان الحاضر للمستقبل.

اعتبره الملحنون الأب الروحى الذى يستلهم المرء منه العطاء، كانت ألحانه هى الحافز الذى يحقق النجاح للآخرين. ولهذا فقدنا برحيله المعلم والرائد والأستاذ والبوصلة التي كان الموسيقيون يهتدون بها، ستظل بصماته الموسيقية موجودة على مر الأجيال، تمتع بحساسية وطاقة إبداع لا تنتهى، كان يتمتع بخاصية تمكنه من وضع اللحن المناسب للصوت المناسب ولهذا ظهرت ليلى مراد، ونجاة، ورجاء عبده، وكان الجوهر فى لقائه بالطرب الأصيل مع «أم كلثوم» في أغنية «أنت عمرى».

الحديث مع «محمد عبدالوهاب» أغراني أن أدلف للسؤال عن حياته الزوجية وأسأله عن التنازلات التي قدمها بعد الزواج؟

فيجيبنى قائلا: ( زوجتى هى التى تنازلت عن بعض الأمور. وعامة فإن ما حدث بيننا لا أسميه تنازلاً، وإنما هو نوع من التكيف مع بعض الأمور الثانوية التى يمكن لأى شخص أن يتنازل عنها بسهولة. فمثلاً من عاداتي أن أنام فى ظلام حالك بينما تحب “ نهلة” الضوء الخافت، فلو حدث وتنازلت هى أكون سعيداً وإلا فإني أبادر وأتنازل أنا، كذلك من عاداتي أن أستمع إلى الموسيقى قبل النوم، ومثل هذه الأمور هى ما أطلق عليه الأمور الثانوية، أما الأساسيات والتى تتعلق بالخلق والمواصفات فهى لا تحتاج إلى تنازل، وإنما لابد أن يكون هناك توافق بين الطرفين، وبحيث لا تزيد الفجوة على 10 فى المائة ولله الحمد لا توجد بينى وبين زوجتى فجوات لأن هناك توافقاً بدرجة مائة فى المائة).

وأسأله : هل تغيرت بعد الزواج؟

فيقول: ( أعترف بأني تغيرت إلى الأحسن بعد الزواج، البعض يتصور أن الفنان «بوهيمى» أشعث الشعر فوضوي إلى أقصى درجة. ولكنى أقول على العكس الفن نظام قاتل، والحب يأتي من العلاقة، والحوار هو ذهن من أتحدث معه وصوت من أتحدث معه، هو الروح والإحساس، فكل هذا يقيم إطاراً للحب).

وأسأله: ألم تؤثر كثرة المعجبات بك على حياتك الزوجية؟

يجيبنى وهو يبتسم (على العكس، فأي فنان يلفت النظر، والأمر ليس مقتصراً على المعجبات بل يتعداه إلى المعجبين. إحساس رايق أن يعجب أى شخص بفنان يمنحه السعادة أو المتعة أو الراحة من خلال لحن أو لوحة أو عمل فنى رائع).

وأقول له: حب عبدالوهاب للمرأة انعكس على علاقاته الحميمة ببناته الثلاث واللاتي يعشن وفق أسلوب تقليدى شرقى، حياة فيها احترام الأب والتفاهم مع الابن بعيداً عن الحرية المغلوطة؟

فيقول:(أنا أحب الحياة العائلية التقليدية، لست المسيطر على أبنائى وإنما أميل إلى أن أجعلهم يقتنعون قبل كل شيء، قد تأتي السيطرة بالحوار، والذى أؤمن به، فالكلمة لها أهمية عندى. أنا مؤمن بالعقل والذكاء وأن الإنسان عبارة عن عقل).

ما رأيك فى تدخل الآباء في زيجات الأبناء؟

( الأب والأم فى معظم الزيجات الآن لا يؤخذ برأيهم. لكنى أرى أنه لكى يكون الزواج متكاملا لابد أن يكون للأب والأم رأى يؤخذ به أو على الأقل أن يكونا شركاء فى الاختيار).

ينفرد عبدالوهاب بنفسه فى صومعته لتقييم خواطره والفكرة اللحنية لها دائما معه مسار طويل، قد يعثر على الكلمة الحلوة فيضع لها الترنيمة، وقد يعثر على الجملة اللحنية الخلابة فيبحث لها عن كلمات، لهذا فإن ما كان يعكف عليه من أعمال جديدة لم يكن ليبوح به عادة، والسر فى ذلك أنه كان يقوم بإجراء تعديلات عديدة فى العمل لدرجة تصل إلى اختلاف الصورة النهائية تماما للحن عن صورته الأولى، وأسأله:

ألاحظ أنه رغم عشق الفنان عبدالوهاب للأصوات الجميلة فهو لم يلحن للفنانة “سعاد محمد”، وهى خاطرة جالت بالذهن أطرحها على موسيقار الجيلين؟ فيقول: (أنا لست ملحناً محترفاً، ولهذا فإن اللحن عندى هو علاقة صداقة، أو هو ود. لذلك فأنا لا أعطى لحناً لأى إنسان. لابد أن يجتذب إعجابي قبل كل شىء. ثم يتحول الإعجاب إلى صداقة. كل الأصوات التي لحنت لها كانت صديقة. عبدالحليم، أم كلثوم، ليلى مراد، نجاة، فايزة أحمد، عبدالمطلب. أما سعاد محمد فهى فنانة عظيمة رائعة أعجب بفنها، لكن علاقتى بها محدودة).

فى ختام حواري معه كان عبدالوهاب يتحدث عن صوته الإنسان ويقول لى:

(صوت الإنسان يكشف حقيقته أكثر من وجهه، فالإنسان قد يخدع الآخرين بوجهه عندما يلونه، ولكنه لا يستطيع ذلك بصوته لأنه صادر من أعماقه.. ولهذا أرجو أن يحمل صوتى دلالة أعماقى).

ولكن هل انتهى الحوار؟ لا ليس بعد، فلقد أثار الفنان الكبير قضية في منتهى الأهمية، ربما مر عليها، وربما بزغت من بين خواطره لكنها كانت تحتاج مني إلى مزيد من الحوار معه. إنها قضية الدعوة التى تطالب بقيام “جمعية لتحرير الرجل” أو جمعية لحماية حقوقه من المرأة.