ليس الضرر الاقتصادى المباشر الذى يلحق بِنَا هو السبب الذى يدعونا فى مصر لرفض عدوان إسرائيل على إيران والمطالبة بوقفه فورًا، وإنما هناك أسباب مباشرة تتعلق بالأمن القومى المصرى وبمستقبل المنطقة وصورة الشرق الأوسط تجعلنا نرفض هذا العدوان الإسرائيلى على إيران وندينه، كما أوضحنا موقفنا بجلاء وبشكل فورى فى بيان وزارة الخارجية المصرية بعد الضربة الإسرائيلية الأولى لإيران، والتى جاءت كما قال الإسرائيليون والأمريكيون معاً إنها تمت بعلم وموافقة أمريكية ونقول نحن إنها جاءت بمشاركة أمريكية أيضًا، غير معلنة وغير مباشرة، من خلال تقديم أمريكا الدعم اللوجستىَ والمعلومات الاستخباراتية لإسرائيل، كما كشفت ذلك وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية معًا.
قد بدا الضرر الاقتصادى لنا وللعالم كله للحرب الإسرائيلية الإيرانية منذ اليوم الأول لها وبعد الضربات الأولى فيها والتى بدأتها إسرائيل وأسفرت عن مقتل عدد من القادةَ العسكريين فى إيران وعدد من العلماء النوويين الإيرانيين وتدمير عدد من المنشآت، فضلاً عن إصابة مفاعل نووى مهم.. وحدث ذلك عندما بدأت أسعار النفط فى الارتفاع. عالميًا لتتجاوز الرقم الذى كان سائدًا ومقبولاً عالميًا.. وبالطبع إذا استمرت تلك الحرب طويلاً فسوف تواصل أسعار النفط العالمية ارتفاعها هى الأخرى.. وسيترجح ذلك بشكل مباشر فى زيادة الأعباء المالية علينا لأن إنتاجنا من النفط والغاز لا يكفينا الآن ونلجأ لسداد احتياجاتنا النفطية بالاستيراد من الخارج، وهذا يعنى زيادة قيمة فواتيرنا لاستيراد المواد البترولية والغاز الذى تراجعت وارداتنا من إسرائيل لتوقف إنتاج أهم حقولها.. وهكذا تأتى لنا الحرب الإسرائيلية الإيرانية بمزيد من المتاعب الاقتصادية المباشرة والتى ستكون مرهونة بالطبع بالمدى الزمنى لتلك الحرب.
ولسنا وحدنا بالطبع الذين سوف نعانى اقتصاديًا بسبب الحرب الإسرائيلية الإيرانية.. العالم كله بما فيهم أمريكا التى وافقت وشاركت بشكل غير مباشر وغير معلن فى هذه الحرب.. وهذا ما يراهن عليه البعض فى الإسراع باحتوائها ووقفها على غرار ما حدث فى حرب الهند وباكستان.. فأمريكا ذاتها لن يكون مقبولاً لديها. ارتفاع أسعار النفط عالميًا لأن ذلك سيشعل التضخم فيها فى الوقت الذى وعد فيه ترامب الناخبين الأمريكيين بإنهاء التضخم ووقف ارتفاع الأسعار.. وهو ما يعنى أنه ليس من مصلحة أمريكا ترامب استمرار الحرب الإسرائيلية الإيرانية طويلاً.. يكفى أسبوعًا أو أسبوعين لدفع إيران للعودة الى مائدة التفاوض فى مسقط والاستعداد لتقديم بعض التنازلات المطلوبة أمريكيًا.. فإن ترامب كما تذهب كل التحليلات عندما سمح للإسرائيليين بضرب إيران أراد أن يضعها تحت ضغط بعدما لم تسفر خمس جولات. عن الاتفاق النووى الذى يريده ترامب ولا يكون مسموحًا فيه لإيران بأى نسبة من تخصيب اليورانيوم!.
وإذا كان عدوان إسرائيل على إيران يلحق الضرر بِنَا اقتصاديًا فإنه يلحق بِنَا ضررًا استراتيجيًا أكبر.. فهذا العدوان يستهدف صياغة شرق اوسط جديد تهيمن عليه إسرائيل وتفرض فيه إرادتها، وهذا ضد مصالحنا بالطبع ويهدد بشكل مباشر أمننا القومى لأنه يخل بالتوازن الاستراتيجى لمنطقتنا.. ونحن نرفض صياغة الشرق الأوسط على هوى أمريكا وإسرائيل منذ حلف بغداد وحتى الشرق الأوسط الجديد لنتنياهو ومرورًا بالشرق الأوسط الكبير لبوش الابن.
إن إسرائيل منذ السابع من أكتوبر عام 2023 وهى تعمل بدأب على إعادة رسم خريطة المنطقة مجددًا بإخراج إيران من قائمة القوى الكبيرة فيها واحتواء تركيا مؤقتا لكى لا يتبقى أمامها إلا نحن فى مصر التى تريد إشغالها بتهجير الفلسطينيين من أهل غزة إليها.. وفى ظل هذا المخطط الإسرائيلى الذى يلقى قبولاً أمريكيًا فإننا رفضنا وفورًا العدوان الإسرائيلى على إيران وطالبنا بالحل السلمى والسياسى للنزاعات فى منطقتنا.. وهذا موقفنا بالنسبة لكل نزاعات العالم.. أى أن موقفنا هو موقف مبدئى.

