الأسهم و«العملات المشفرة» تتراجع.. وتوجهات نحو الذهب والدولار.. «النفط» يحصـــد المكاسب
لم تكد تتنفس الأسواق العالمية إزاء تقدم المباحثات التجارية بين الصين والولايات المتحدة حتى اندلعت حرب بين إسرائيل وإيران، أعادت الأسواق إلى حالة من عدم اليقين المتزايد، لتصبح السمة الاقتصادية السائدة هذا العام. وانعكس التصعيد العسكرى بين البلدين على أداء الأسهم والعملات المشفرة، حيث شهدت تراجعًا واضحًا بينما توجه المستثمرون إلى الملاذات الآمنة التقليدية مثل الذهب والدولار الأمريكى. أما النفط، فكان له نصيب الأسد حيث شهد ارتفاعًا كبيرًا فى الأسعار مما أدى إلى إحياء المخاوف من أن تتعطل إمدادات الطاقة جراء نشوب صراع أوسع نطاقًا فى الشرق الأوسط.

وأثارت الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران هزة فى أسواق المال العالمية أدت إلى تراجع الأسهم فى البورصة الأمريكية بشكل حاد، وتكبدها خسائر أسبوعية، حيث شهد مؤشر «داو جونز» الصناعى تراجعًا بنسبة 1.8 فى المائة، وهبط مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» بنسبة 1.1 فى المائة، بينما تهاوى مؤشر «ناسداك» المركب الذى يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا بنسبة 1.3 فى المائة. فى المقابل، ازداد مؤشر تقلب بورصة شيكاغو، وهو مقياس الخوف فى «وول ستريت»، بنسبة 19 فى المائة.
كما أثرت أنباء الضربات على قطاع الطيران، حيث انخفضت أسهم شركات الطيران الأمريكية، مثل شركة يونايتد إيرلاينز (UAL) بنسبة 4.4 فى المائة، ودلتا إيرلاينز (DAL) بنسبة 3.8 فى المائة، وأمريكان إيرلاينز (AAL) بنسبة 4.9 فى المائة. فى المقابل، ارتفعت أسهم شركات المقاولات الدفاعية، حيث زادت أسهم لوكهيد مارتن (LMT) بنسبة 3.7 فى المائة، وجنرال ديناميكس (GD) بنسبة 1.1 فى المائة.
فى سياق متصل، شهدت العملات المشفرة وعلى رأسها «البيتكوين» انخفاضًا، حيث يتم تداوله عند 105 آلاف دولار فى تراجع واضح عن مستوياته القياسية التى كسرت حاجز 110 آلاف دولار. ويعزى ذلك إلى أن العملات المشفرة غالبًا ما تتأثر سلبًا بالتوترات الجيوسياسية، والمستثمرون يميلون إلى التخلص من الأصول عالية المخاطر مثل العملات المشفرة والتحول إلى أصول تقليدية أكثر أمانًا مثل الذهب والدولار الأمريكي، ويظهر ذلك جليًا فى ارتفاع مؤشر الدولار الأمريكى بنسبة 0.9 فى المائة مقابل سلة من العملات الرئيسية، أما الذهب فقد ارتفع بنحو 1.4 فى المائة ليصل إلى 3433 دولارًا للأونصة مقتربًا من أعلى مستوى قياسى وصل له 3500 دولار، والذى سجله فى أبريل الماضي.
وعن وضع المعدن الثمين، أوضح عمرو المغربى، عضو شعبة الذهب بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن «أسعار الذهب شهدت فى الفترة الماضية ارتفاعات وانخفاضات فى السوق المحلى والعالمى بسبب قرارات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب المتغيرة بين فرض رسوم جمركية ثم تعليقها، فضلًا عن الحرب التجارية بين الصين وأمريكا، والخلافات بين ترامب ورئيس البنك الفيدرالى جيروم باول. ومع اندلاع الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، ارتفعت أسعار الذهب بشكل مفاجئ وكبير، حيث زاد سعر الأوقية عالميًا أكثر من 1 فى المائة فى أقل من 24 ساعة، مما أثر على السوق المحلى متسببًا فى ارتفاع سعر جرام الذهب بمقدار 150 جنيهًا. ويبقى السؤال: هل استمرار الحرب سيؤثر على ارتفاع سعر الذهب أكثر ونشهد ارتفاعات مرة أخرى أم ستحصل حالة من الهدنة والتراجع مما يؤدى إلى إعادة تصحيح سعره؟
«المغربى»، أضاف أن «الأنظار تتجه إلى البنك الفيدرالى وقراره فى الاجتماع القادم إن كان سيحدث تغيير فى سعر الفائدة، وبالتالى محليًا ينعكس ذلك فى تغير سعر صرف الجنيه أمام الدولار»، مؤكدًا أن الوضع الآن يشوبه القلق والتوتر مما يؤثر على سعر الذهب بشكل إيجابى أو سلبى، كما يصعب التوقع فى الفترة الحالية فى ظل حروب اقتصادية وسياسية.
وكان سوق النفط أكثر ما تأثر من اشتعال الحرب، حيث قفزت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكى بنسبة 7.3 فى المائة ليصل إلى 72.98 دولار للبرميل، وارتفعت العقود الآجلة لخام القياس العالمى «برنت» بنسبة 7 فى المائة ليصل إلى 74.32 دولار للبرميل. وتعد إيران سابع أكبر منتج للنفط فى العالم، على الرغم من أن العقوبات التى فرضتها الدول الغربية حدت من مبيعاتها، كما تعد ثالث أكبر عضو فى منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»؛ إذ تضخ أكثر من مليونى برميل يوميًا. وبعد قصف إسرائيل أكبر حقل غاز طبيعى بحرى فى العالم فى إيران «بارس الجنوبي»، ازدادت المخاوف من توسع رقعة الصراع لتشمل بنى تحتية أخرى للطاقة أو حدوث اضطرابات فى مضيق «هرمز»، وهو ممر حيوى للشحن البحرى يمر عبره نحو خمس إجمالى استهلاك النفط فى العالم.
الدكتور ممدوح سلامة، الخبير الدولى فى مجال النفط والطاقة قال إن: منطقة الشرق الأوسط مقدمة على توسع فى النزاع بين إسرائيل وإيران، وكذلك مقدمة على احتمالية وقف تدفق النفط من الخليج العربى عبر مضيق هرمز إلى العالم، وهذا يعنى أن أسعار النفط، وخاصةً خام «برنت» ستتجه إلى الأعلى مما سيؤدى إلى مضاعفات كبيرة على الاقتصاد العالمي، والتوتر القائم الآن والنزاعات والضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل قد تجبر إيران على إغلاق المضيق، مما يعنى أنها ستحذر ناقلات النفط من العبور عبره. هذا وحده سيؤدى إلى ابتعاد هذه الناقلات لأن أصحابها لا يريدون أن تُصاب بأضرار بالغة، وبالتالى إذا حدث ذلك، فسيحدث ارتفاع سريع وفورى فى سعر خام برنت قد يصل إلى ما بين 120 دولارا للبرميل لـ130 دولارا للبرميل. والسبب فى ذلك أن 20 مليون برميل من النفط من الخليج العربى تمر يوميًا عبر المضيق، وهذه الكمية تشكل نحو 5 فى المائة من استهلاك العالم اليومى للنفط.
«سلامة»، أوضح أن «هذا السيناريو سيؤدى إلى انكماش الاقتصاد العالمى بنسبة من 2 إلى 3 فى المائة نتيجة ارتفاع الأسعار، وبالتالى التأثير سلبًا على النمو الاقتصادى العالمى وعلى ازدهار الاقتصاد فى المستقبل، كما يوجد احتمال آخر أن النزاع بين إيران وإسرائيل قد يبقى محصورًا فى الضربات المتبادلة دون أن يتوسع كثيرًا ولا يتسع لوقف إمدادات النفط عبر المضيق، وفى هذه الحالة لن ترتفع أسعار النفط بشكل كبير عن 3 أو 4 دولارات للبرميل الواحد، لكنه سيبقى مؤثرًا على اتجاه الأسعار ومحذرًا من أنها قد ترتفع فى المستقبل، كذلك استمرار النقص فى الطلب العالمى للنفط أو فى إمدادات الطاقة العالمية ستكون له مضاعفات كبيرة من حيث أنه سيبقى الأسعار مرتفعة تحسبًا لتطورات جديدة، وفى جميع الأحوال التأثير على أسعار النفط سيظل، وهذا يدعو فى المستقبل إلى استثمارات كبيرة قد تصل إلى تريليونات الدولارات لرفع الطاقة الإنتاجية للنفط، وسنرى اقتصاد العالم يبدأ فى استيعاب هذه المضاعفات ويحد من الارتفاع السريع للأسعار».
الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب، الخبير الاقتصادى، أكد أن «هناك مخاوف مشروعة من أن يؤدى الصراع بين إيران وإسرائيل إلى وقف إمدادات الوقود على الأقل من خلال تهديد إيران بغلق مضيق «هرمز». وكذلك هناك تهديدات بإغلاق مضيق «باب المندب»، وفى هذه الحالة ستتأثر حركة الملاحة العالمية بشكل كامل مما سيؤدى إلى بطء -إن لم يكن قطع– سلاسل الإمداد خاصة فى مجال الصناعات الاستراتيجية التى تحتاج إليها مصر، ويُلاحظ أن هناك عددًا من السلع ارتفعت منذ اشتعال الحرب، خاصة أسعار الأدوية، ارتفعت بنسب تتراوح بين 5 فى المائة إلى 30 فى المائة، كذلك من الواضح تخوف الحكومة من ارتفاع أسعار البترول عن سقف معين وضعته فى حدود 70 دولارًا، كذلك نحن فى فصل الصيف، وعادةً ما يزيد استهلاك المصريين للكهرباء مما يزيد من مخاوف أن تضطر البلاد إلى العودة لمسألة تخفيف الأحمال فى ظل استمرار ارتفاع أسعار الوقود.
أما الدكتور على الإدريسى، الخبير الاقتصادي، فأوضح أن «الشرق الأوسط يصدر أكثر من ثلث إنتاج العالم من النفط، وأى تصعيد عسكرى فى المنطقة يؤدى فورًا إلى ارتفاع الأسعار. كذلك فى أوقات الحروب، يفضل المستثمرون الملاذات الآمنة: الذهب، الدولار الأمريكي، والسندات الأمريكية. وفى المقابل، تشهد البورصات تراجعات، خاصة فى الدول القريبة من منطقة النزاع أو المعتمدة على الطاقة بشكل كبير، فحالة عدم الاستقرار تؤثر فى كثير من المستثمرين حيث تجعلهم يؤجلون قراراتهم أو يحولون رءوس أموالهم لدول أكثر أمانًا، وذلك يؤثر بشكل مباشر على الاستثمارات المباشرة (FDI) فى الشرق الأوسط».
وعن أكثر القطاعات المتضررة عالميًا من الحرب، أشار «الإدريسى» إلى قطاع النقل والشحن؛ بسبب تهديد الممرات البحرية، وقطاع السياحة حيث يشهد انخفاضا كبيرا فى الحجوزات والزيارات، بالإضافة إلى قطاع الصناعة بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة وتعطل سلاسل الإمداد، وقطاع الزراعة من خلال ارتفاع أسعار الأسمدة والنقل. أما القطاعات الرابحة، فمن المؤكد أنها تنحصر فى شركات النفط والغاز، شركات السلاح والتكنولوجيا الدفاعية، المعادن الثمينة وخاصة الذهب.
حول تأثير الحرب على الاقتصاد المصرى، قال «الإدريسى»: مصر تستورد جزءا كبيرا من احتياجاتها البترولية وبعض السلع الغذائية، وبالتالى ارتفاع أسعار النفط أو المواد الخام يزود من عجز الميزان التجارى ويضغط على احتياطيات النقد الأجنبي. كذلك تأثر التوترات على أمان الملاحة فى البحر الأحمر، وإذا غيّرت السفن مسارها مثلما حصل مؤخرًا بسبب الحوثيين، فذلك سيؤثر مباشرة على إيرادات القناة، هذا فضلًا عن تأثر السياحة الوافدة خصوصًا من أوروبا وحالة عدم الاستقرار الإقليمى التى تؤثر على الاستثمار الأجنبي، كما يؤدى الضغط الخارجى على رفع تكلفة الواردات وبالتالى زيادة معدل التضخم، خصوصًا فى بلد مثل مصر تعتمد على الاستيراد فى الغذاء والطاقة.
وبالنسبة للتداعيات على دول الشرق الأوسط، أشار «الإدريسى»، إلى أن «دول الخليج العربى قد تستفيد مؤقتًا من ارتفاع أسعار النفط، لكن أى ضربات للمنشآت النفطية أو تهديد لحركة الملاحة ستؤثر عليها بشدة. بينما دول مثل لبنان، العراق، سوريا، سيكون وضعها أصعب، لأنها تعانى أصلًا من أزمات داخلية، والحرب تزود الضغط الاقتصادى والإنساني. أما إيران، فالعقوبات الاقتصادية ستشتد أكثر، وستنخفض صادراتها النفطية لو زاد الحصار أو الضرر بالبنية التحتية»، وذلك قبل أن يختتم حديثه بالإشارة إلى أن «الحرب بين إيران وإسرائيل ليست مجرد صراع عسكري، لكنها زلزال اقتصادى يؤثر على أسعار الطاقة العالمية، وحركة التجارة والنقل البحري، وقرارات المستثمرين، ومستقبل الاستقرار الاقتصادى فى الشرق الأوسط كله».


