رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


شراكة لا خصخصة

22-6-2025 | 14:43


عمرو سهل,

في خطوة تحمل أبعادا اقتصادية وتنموية مهمة وافق مجلس النواب على مشروع قانون يسمح للقطاع الخاص بإنشاء وتشغيل محطات وشبكات مياه الشرب والصرف الصحي في إطار من التنظيم والرقابة الحكومية المحكمة هذا التحول الذي يأتي في وقت تسعى فيه الدولة إلى تعظيم كفاءة الخدمات وتقليل الأعباء على الموازنة العامة يعد نقلة نوعية في إدارة أحد أكثر المرافق الحيوية ارتباطا بحياة المواطن اليومية.

ويمنح القانون الشركات تراخيص تشغيل لمدة لا تتجاوز 15 عامًا، ويلزمها بالتعريفة التي تعتمدها الحكومة مع السماح بتحصيل تكاليف الخدمات بموافقة جهاز تنظيم مرفق مياه الشرب والصرف الصحي ويفرض رسوما رمزية لا تتجاوز 2% من سعر المتر المكعب المنتج أو المعالج ما يضمن للدولة دخلا منتظما دون تحميل المواطن أعباء إضافية غير مبررة.

ويتجاوز المعنى الاقتصادي لهذا القرار مجرد تقليص الإنفاق الحكومي ليشمل جذب استثمارات خاصة في البنية التحتية وخلق فرص عمل ورفع كفاءة التشغيل عبر إدخال تقنيات حديثة وأساليب إدارية مرنة كما يعزز هذا التوجه من استدامة التمويل لمشروعات التوسع الحضري في المياه والصرف لا سيما في المناطق الجديدة والمحرومة أما على مستوى المواطن فالفوائد المتوقعة ملموسة كتحسين جودة المياه وتوسيع نطاق الخدمة لتشمل مناطق كانت تعاني من ضعف أو انقطاع سرعة الاستجابة للأعطال وضمان العدالة التسعيرية تحت إشراف الدولة.

إنه توازن دقيق بين تشجيع الاستثمار الخاص من جهة وصون حق المواطن في خدمة مضمونة وعادلة من جهة أخرى ودخول القطاع الخاص إلى قطاع المياه  وفق هذا الإطار المنضبط ليس خصخصة بالمفهوم السلبي بل شراكة تنموية مدروسة تعكس رؤية الدولة في إشراك جميع الأطراف في تقديم خدمات أفضل وتحقيق تنمية أكثر كفاءة واستدامة.

وبالطبع سيسع أهل الشر إلى تصوير الموقف على أنه نوع من التخلي عن الناس وتسليمهم بلا رحمة إلى مستثمر لا يرقب فيهم إلا ولا ذمة لكن وقبل أن نسترسل في عالم التوهمات الفيسبوكية لماذا لا يعد هذا التوجه نوعا من الخصخصة الضارة وببساطة فرغم أن السماح للقطاع الخاص بإنشاء وتشغيل محطات مياه الشرب والصرف الصحي قد يفهم للوهلة الأولى على أنه نوع من الخصخصة إلا أن الواقع يظهر أنه ليس خصخصة ضارة أو منفلتة بل شراكة منظمة ومحكومة بضوابط صارمة تضع مصلحة المواطن في قلب المعادلة فالخصخصة الضارة تعني بيع الأصل نفسه الأرض والمحطة والشبكة للقطاع الخاص بشكل دائم وهو ما لا يحدث هنا فالشركات تحصل فقط على ترخيص مؤقت حتى 15 عاما لتشغيل المرفق وليس ملكيته فالمرفق يظل ملكية عامة وتحت إشراف الدولة من جهة أخرى تم إنشاء جهاز تنظيمي مختص وهو جهاز تنظيم مياه الشرب والصرف الصحي له صلاحيات إصدار التراخيص ومراقبة الأداء والموافقة على التعريفة وتكاليف الخدمات وهذا يمنع أي انفلات أو استغلال بخلاف الخصخصة الضارة التي تفتقر إلى أدوات رقابية فعالة وبموجب القانون لا يحق للشركات فرض أسعار عشوائية بل تلتزم بالتعريفة التي يعتمدها مجلس الوزراء أي زيادة في التكاليف لا تمر إلا عبر موافقة جهاز التنظيم ما يمنع تحميل المواطن أعباء مالية غير مبررة.

كما لا يمنح المشروع تشغيلا دائما بل رخصا محددة بزمن 15 عاما كحد أقصى وبعد انتهاء المدة تعود المرافق للدولة أو تطرح من جديد بشروط أكثر تطورا ما يضمن تجديد التنافس والتحسين المستمر في الأداء أما الخصخصة الضارة فغالبا ما تنتج عن احتكار شركة واحدة للقطاع دون بدائل بينما في هذه الحالة يسمح بدخول أكثر من شركة ما يفتح باب المنافسة وهي عنصر أساسي لتحسين الخدمة وضبط التكاليف بالغضافة إلى أن الدولة مستمرة في دعم الفئات غير القادرة حتى في ظل دخول القطاع الخاص إما عبر دعم مباشر أو من خلال عدم تحميل المواطن كامل تكلفة التشغيل مع مراعاة البعد الاجتماعي في التسعير والتوزيع وهذا الإجراء لا يعني انسحاب الدولة من تقديم الخدمة بل هو تكامل بين القطاعين العام والخاص بحيث تحتفظ الدولة بدورها كمنظم ومراقب وموجه وتستفيد من كفاءة القطاع الخاص وخبراته الفنية والإدارية وبالتالي فما يحدث ليس خصخصة ضارة تفقد الدولة سيادتها على المرافق العامة أو تعرض المواطن للاستغلال بل هو نموذج شراكة منضبط ومسئول يهدف إلى تحسين الخدمة وتعظيم الكفاءة واستدامة التمويل دون تفريط في الحقوق العامة إنه تحول محسوب نحو تنمية ذكية لا تفرط في الدور الاجتماعي للدولة بل تعززه بأدوات جديدة.