وسط ترقب عالمي.. قمة الناتو تنطلق في لاهاي برسائل حاسمة وتوجهات أوروبية جديدة
تنطلق بعد قليل في مدينة لاهاي الهولندية أعمال قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) لعام 2025، بمشاركة قادة الدول الأعضاء الـ32، في لحظة جيوسياسية دقيقة، تتسم بتصاعد التحديات الأمنية العالمية، وبتوازن حساس بين الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين.
وتعقد القمة في أجواء استثنائية، كونها الأولى برئاسة الأمين العام الجديد للناتو، الهولندي مارك روته، والذي رحّب بالقادة من على أرض وطنه قائلاً: "هذه أول قمة لي كأمين عام للناتو، وتنعقد في مدينة لاهاي، التي أفتخر بالانتماء إليها، في وقت حاسم لأمننا الجماعي".
وتظهر القمة هذا العام توجهًا نحو اختصار الأجندة وتركيزها في بند واحد رئيسي هو الإنفاق الدفاعي، حيث من المقرر عقد جلسة وحيدة لا تتجاوز ساعتين ونصف، تصدر بعدها وثيقة ختامية قصيرة لا تتعدى صفحة واحدة.
وتشير تحليلات غربية إلى أن جدول أعمال القمة تم تصميمه بدقة ليتماشى مع توجهات الإدارة الأمريكية برئاسة الرئيس دونالد ترامب، الذي لطالما انتقد القمم الطويلة والتعددية في الملفات.
ووفق تقرير صادر عن مؤسسة فريدريش ناومان الألمانية، فإن التركيز على ملف الإنفاق الدفاعي لا يُعد فقط محاولة لطمأنة واشنطن، بل أيضًا وسيلة لتفادي بروز الخلافات بين الحلفاء حول قضايا أخرى شائكة، في ظل رغبة الجميع في تقديم صورة موحدة للعالم.
وأضاف التقرير أن تقليص مدة القمة وتركيزها على بند وحيد من شأنه الحد من احتمالات التوتر أو الجدل، سواء في الكواليس أو في العلن، خاصة مع إصرار الادارة الامريكية على قيام الدول الاوروبية برفع إنفاقها الدفاعي إلى 5 % من الناتج المحلي الإجمالي واحتمال عودة نهج أكثر تشددًا تجاه الحلفاء الأوروبيين.
ورغم الاتفاق على زيادة موازنات الدفاع لدى الدول الأعضاء بحسب ما أعلن أمين عام الناتو أمس الاثنين فى مؤتمر صحفى بلاهاى، ترى مؤسسة فريدريش ناومان أن التحدي الحقيقي لا يكمن في الأرقام، بل في القدرة على ترجمتها إلى قدرات عسكرية حقيقية قادرة على مواجهة التحديات، وعلى رأسها تراجع الدور الأمريكي التدريجي، واستمرار العدوان الروسي في شرق أوروبا.
وأكد التقرير أن تحقيق هذا الهدف يتطلب تنسيقًا أوروبيًا واسع النطاق في مجال تطوير الصناعات الدفاعية، وتسريع آليات الشراء المشترك، وتعزيز الابتكار الدفاعي، سواء تحت مظلة الاتحاد الأوروبي أو داخل الحلف أو من خلال صيغ حكومية مشتركة، الأهم أن يتحقق التنفيذ بسرعة وفعالية.
ومن المنتظر أن تشهد القمة نقاشات حول سبل تعميق الدعم لأوكرانيا، وتعزيز الاستجابة الدفاعية للحلف في المناطق الشرقية، إلى جانب تطوير الشراكات مع دول المحيطين الهندي والهادئ، في مواجهة تنامي نفوذ الصين في مجالات التكنولوجيا، والأمن السيبراني، وسلاسل الإمداد الاستراتيجية.
ومع دخول الحلف عامه الـ75، تسعى الدول الأوروبية لإثبات قدرتها على التحرك بصورة أكثر استقلالية، دون الإخلال بإطار التنسيق مع واشنطن، فقمة لاهاي، رغم بساطة شكلها، تحمل في مضمونها بداية جديدة لدور أوروبي أوسع داخل الحلف، وسط عالم أكثر انقسامًا وأقل يقينًا.