ثورة 30 يونيو| مصر والاتحاد الأوروبى.. شراكة تبنى على الحاضر لصنع المستقبل
في عصر التغيرات المتسارعة على خارطة السياسة الدولية، لم تكتفِ مصر في عهد السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بدور المراقب، بل تقدمت بثقة لتصوغ حضورها وتفرض موقعها كطرف فاعل في المعادلة الدولية الجديدة.
ومن قلب هذا التحول، برزت السياسة الخارجية لمصر ما بعد ثورة 30 يونيو، والتي رسم خطوطها الرئيس السيسي، فأعاد بها ضبط بوصلة العلاقات المصرية مع دول العالم، وفي القلب منها أوروبا، على أساس من الندية والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
نجح الرئيس السيسي، بعين ثاقبة على المستقبل وخطوات راسخة، في تحويل العلاقات مع القارة الأوروبية من تعاون قائم على التنسيق المشترك إلى شراكة استراتيجية وشاملة تتجاوز الأطر العامة للاتحاد الأوروبي، لتصل إلى عواصم القرار المؤثرة في القارة، عبر مسارات لعلاقات ثنائية متميزة مع دولها كفرنسا وألمانيا وإيطاليا وقبرص واليونان وإسبانيا والمجر وغيرها من الدول دونما استثناء، والتي وجدت في مصر حليفاً موثوقاً وصوتاً عقلانياً وسط محيط مضطرب، لتصبح العلاقات المصرية مع أوروبا في عهد السيسي مرآة لشراكة ناضجة تتطور باستمرار لتشمل جميع المجالات، من التنسيق السياسي إلى التعاون الاقتصادي والمصالح الأمنية المشتركة، ومكافحة الإرهاب، والطاقة، والهجرة، والاستقرار الإقليمي، والتنمية المستدامة، بل والثقافة والتعليم.
وشهدت العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي نقلة نوعية على جميع المستويات منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر في عام 2014، وتُوجت العام الماضي بترفيعها إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية الشاملة"، انطلاقًا من إدراك الاتحاد بأهمية دور مصر وثقلها السياسي والاقتصادي وموقعها الاستراتيجي ومستقبلها الواعد، والطفرة التنموية التي حققتها في جمهوريتها الجديدة.
ثوابت السياسة الخارجية المصرية رسخها الرئيس السيسي الذي تولى مقاليد الحكم في مصر بعد ثورة الشعب المصري العظيم بمختلف أطيافه في الثلاثين من يونيو.. نسق ثابت للسياسة الخارجية المصرية منذ 2014 مع تسلم الرئيس السيسي مقاليد الحكم في البلاد، ودبلوماسية ترتكز على تنويع التحركات انطلاقًا من مبادئ الاحترام المتبادل والندية، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، واحترام سيادتها واستقلالها، مع التشديد على تماسك المؤسسات الوطنية للدول للحيلولة دون تهاويها ونشر الفوضى بها، لا سيما في المحيط الإقليمي.
اثنا عشر عامًا عملت خلالها القاهرة على تأمين المصالح والأهداف الوطنية في مختلف الدوائر شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، بالارتكاز على التنوع والتوازن في العلاقات مع مختلف دول العالم، مع الحفاظ على المصالح الوطنية لمصر، ومحددات السياسة الخارجية التي رسمها الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ خطاب التنصيب في يونيو 2014.. وسياسة خارجية ناجعة لمصر في جمهوريتها الجديدة عنوانها: الندية، والاحترام المتبادل، والشراكة، وقرار وطني مستقل، وفقًا للمحددات التي رسمها الرئيس السيسي في خطاب التنصيب في يونيو 2014، والذي أكد فيه أن مصر - بما لديها من مقومات - يجب أن تكون منفتحة في علاقاتها الدولية، وأن سياسة مصر الخارجية ستتحدد طبقًا لمدى استعداد الأصدقاء للتعاون وتحقيق مصالح الشعب المصري، وأنها ستعتمد الندية والالتزام والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية مبادئ أساسية لسياساتها الخارجية في المرحلة المقبلة، وذلك انطلاقًا من مبادئ السياسة الخارجية المصرية القائمة على دعم السلام والاستقرار في المحيط الإقليمي والدولي، ودعم مبدأ الاحترام المتبادل بين الدول، والتمسك بمبادئ القانون الدولي، واحترام العهود والمواثيق، ودعم دور المنظمات الدولية، وتعزيز التضامن بين الدول، وكذلك الاهتمام بالبعد الاقتصادي للعلاقات الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير.
عمق العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي أكد عليه الرئيس السيسي في العديد من المناسبات واللقاءات، كان من أبرزها خلال القمة المصرية الأوروبية التي عقدت في مارس من العام الماضي في قلب القاهرة، حيث رحب سيادته بالقادة الأوروبيين وبزيارتهم المهمة إلى مصر، والتي عكست "عمق العلاقات المصرية الأوروبية الممتدة عبر التاريخ.. وتعكس أيضًا حالة الزخم التي تشهدها العلاقات خلال الفترة الأخيرة، على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية.. على أساس من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة".
وأكد الرئيس السيسي حينها أن مصر أولت دومًا أهمية خاصة للعلاقات المتميزة التي تربطها بالاتحاد الأوروبي ودوله، وذلك في ضوء اعتقادنا الراسخ بمحورية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.. لتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية المشتركة للجانبين، وبما يدعم تحقيق الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة.
قمة تاريخية ومحطة شديدة الأهمية في العلاقات بين الجانبين، حيث شهدت تتويجًا للتعاون المتميز بين الجانبين بالتوقيع على الإعلان السياسي بين مصر والاتحاد الأوروبي.
إنجاز جديد في العلاقات بين الجانبين، هكذا وصفته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال زيارتها للقاهرة بمناسبة التوقيع على الإعلان السياسي المشترك، حيث أكدت أنه مع ثقل مصر السياسي والاقتصادي وموقعها الاستراتيجي في منطقة مضطربة للغاية، فإن أهمية علاقاتنا سوف تزداد بمرور الوقت.
وتحدد وثيقة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بوضوح مجالات محددة للتعاون، وهي: العلاقات السياسية، استقرار الاقتصاد الكلي، الاستثمار المستدام والتجارة، بما في ذلك الطاقة والمياه والأمن الغذائي وتغير المناخ، والهجرة، والأمن، وتنمية رأس المال البشري.
علاقات قوية أكد عليها الرئيس السيسي في العديد من اللقاءات مع مسؤولي الاتحاد الأوروبي خلال زياراتهم إلى القاهرة، أو خلال اللقاءات التي يعقدها سيادته معهم على هامش الفعاليات الدولية والإقليمية، أو خلال الاتصالات الهاتفية، أو خلال الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس السيسي، والتي تعد الأولى إلى العاصمة البلجيكية بروكسل في شهر فبراير 2022، حيث شارك سيادته في القمة الإفريقية الأوروبية.
وبتوجيهات من القيادة السياسية.. تقود وزارة الخارجية تحركات نشطة وفاعلة ومتوازنة تعزز من الثقل الإقليمي لمصر وتفاعلها مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وتراعي تنوع المصالح المصرية مع مختلف القوى الفاعلة في العالم، وتربط سياسة مصر الخارجية بصورة مباشرة بالأولويات التنموية للدولة المصرية، حيث ترتكز سياسة مصر الخارجية على عدد من المبادئ الراسخة التي لا تتغير بتغير الأولويات، وعلى رأسها: دعم السلام والاستقرار في المحيط الإقليمي والدولي، والاحترام المتبادل بين الدول، والتمسك بمبادئ القانون الدولي، واحترام العهود والمواثيق، ودعم دور المنظمات الدولية، مع الحرص على الحفاظ على توازن يربط أهداف مصر ومصالحها الاستراتيجية في إطار استقلالية القرار المصري.
وخلال زياراته المتعددة ولقاءاته واتصالاته المكثفة مع مسؤولي ومفوضي الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، يؤكد الدكتور بدر عبد العاطي، وزير الخارجية والهجرة، على حرص واهتمام مصر بتعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي خلال الفترة القادمة، من خلال تنمية العلاقات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والعلمية، في إطار تنفيذ محاور الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
كما يشدد وزير الخارجية على أهمية التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين مصر والاتحاد الأوروبي، وبما يتوافق مع الزخم السياسي المتحقق في الوقت الراهن.
واستمرارًا لجهودها في تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ومؤسساته، إلى جانب العلاقات الثنائية بين مصر والدول الأوروبية.. قامت وزارة الخارجية بتنظيم عدد من الزيارات رفيعة المستوى، فضلًا عن انعقاد العديد من اللجان المشتركة وجولات المشاورات والمباحثات بين مصر والعديد من الدول الأوروبية ومؤسسات الاتحاد الأوروبي.
وفي إطار قوة العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي خلال السنوات الماضية، استضافت مدينة شرم الشيخ أول قمة عربية أوروبية في فبراير 2019، واستضافت القاهرة القمة الأولى من فعاليات آلية التعاون مع اليونان وقبرص في عام 2014، فضلًا عن اختيار القاهرة مقرًا لمنظمة منتدى غاز شرق المتوسط بعد توقيع مصر على اتفاقية تأسيس المنتدى في عام 2019.
خطوة هامة في مسيرة الحفاظ على العلاقات وتدعيمها تحققت العام الماضي من خلال وثيقة أولويات الشراكة التي توجه التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي حتى عام 2027، فجاء اعتمادها في شهر يونيو 2022.
فوثيقة أولويات الشراكة، التي تُعد بمثابة إطار التعاون بين الجانبين خلال الفترة من 2021 إلى 2027، تضمنت التأكيد على أهمية استمرار التعاون بين الجانبين للمساهمة في حل النزاعات، وبناء السلام، وتعميق التكامل الاقتصادي الإقليمي، ومواجهة التحديات السياسية والاقتصادية في المتوسط والشرق الأوسط وأفريقيا.
وتهدف الوثيقة إلى معالجة التحديات المشتركة التي تواجه الاتحاد الأوروبي ومصر، وتعزيز المصالح المشتركة، وضمان الاستقرار على المدى الطويل، والتنمية المستدامة على جانبي البحر الأبيض المتوسط، وتعزيز التعاون وتحقيق الإمكانات غير المستغلة للعلاقات.
وكجزء من استجابة واسعة النطاق للتخفيف من تداعيات الأزمة في أوكرانيا على البلدان الشريكة للاتحاد الأوروبي، قدم الاتحاد الأوروبي لمصر، في إطار مبادرة "مرفق الغذاء والقدرة على الصمود" الإقليمي، مبلغ 100 مليون يورو كأكبر مخصصات ضمن ما قيمته 225 مليون يورو لتلبية الاحتياجات قصيرة ومتوسطة المدى من شركاء الجوار الجنوبي.
وخلال مؤتمر المناخ 27 COP، الذي ترأسته مصر واستضافته بشرم الشيخ، اتخذ الاتحاد الأوروبي ومصر خطوة أخرى لتعزيز تعاونهما طويل الأجل بشأن انتقال الطاقة النظيفة، من خلال إقامة شراكة استراتيجية بشأن الهيدروجين المتجدد، وتمهيد الطريق لانتقال عادل للطاقة في مصر.
وفي أحدث خطوة تعكس الحرص على تعزيز التعاون، وتأكيدًا للمصالح المشتركة بين الجانبين، صوت البرلمان الأوروبي الأسبوع الماضي بأغلبية أعضائه على القراءة النهائية لقرار منح مصر شريحة الدعم المالي الثانية بقيمة 4 مليارات يورو.
ومن قلب لحظة فارقة في عمر الوطن، انطلقت مصر بعد الثلاثين من يونيو في مسار جديد يعيد بناء الدولة ويرسم ملامح الجمهورية الجديدة.. جمهورية تؤمن بدورها الإقليمي والدولي، وتبني علاقاتها على أسس من الشراكة والندية.
وفي هذا الإطار، جاءت العلاقة مع أوروبا لتجسد هذا التحول، وتبرهن على قدرة مصر تحت قيادة السيسي على صياغة مستقبلها بثقة، وإقامة توازنات تحفظ مصالحها وتخدم استقرار محيطها.