أكد الإعلامي د. عمرو الليثي، في تصريحات صحفية ، أن علاقة قوية كانت تربطه بالمخرج الراحل علي عبدالخالق، مشيرًا إلى أنه من كبار المخرجين الذين قدموا أعمالًا مهمة في تاريخ السينما المصرية، مثل العار والكيف وغيرهما.
وأضاف أن والد علي عبدالخالق هو الفنان عبدالخالق صالح، الذي جسّد شخصية "الرجل الأول" في فيلم الرجل الثاني، رغم أن اسمه لم يُذكر صراحة في الفيلم.
وروى الليثي أن المخرج علي عبدالخالق حدّثه عن والده، قائلاً إن عبدالخالق صالح كان يحمل شغفًا فنيًا خفيًا منذ الصغر، إلا أن عائلته رفضت بشدة فكرة دخوله المجال الفني، فالتحق بكلية الشرطة وتخرج فيها، وبدأ مسيرة مهنية طويلة كضابط حتى وصل إلى رتبة لواء، لكن حلم الفن لم يفارقه، فدخل المجال متأخرًا بعد سن الأربعين، من خلال مشاركته في عروض مسرحية هاوية، بدعوة من صديقه القديم الفنان فاخر فاخر، وفي أحد تلك العروض، شاهده المخرج عزالدين ذو الفقار، الذي لمس في أدائه وقارًا وقوة حضور، فرشّحه لأدوار تجمع بين الغموض والسلطة، وكان فيلم الرجل الثاني من أبرز تلك الفرص.

فيلم الرجل الثاني
أُنتج فيلم الرجل الثاني عام 1959، ويُعد علامة فارقة في أفلام الجريمة والإثارة. شارك في بطولته نخبة من نجوم السينما، أبرزهم رشدي أباظة في دور "عصمت كاظم"، وصلاح ذو الفقار بدور "الضابط كمال"، وصباح في شخصية "لمياء سكر"، وسامية جمال بدور "سمر"، إلى جانب عبدالخالق صالح في دور "الرجل الأول" الغامض والمحوري. لم يقتصر الفيلم على حبكة مشوّقة، بل احتوى على شخصيات درامية عميقة، من أبرزها "الرجل الأول"، التي أداها صالح بحضور قوي وأداء لا يُنسى.
تجسد شخصية "الرجل الأول" العقل المدبر لشبكة إجرامية معقدة، وهو شخصية لا تظهر طوال الفيلم ولا يُذكر اسمها، لكنها حاضرة دومًا من خلال الأوامر والقرارات التي تُنفذ دون تفسير. الجميع يخشاه، حتى "الرجل الثاني" نفسه، عصمت كاظم. ويُعد الغموض المحيط بالشخصية عنصرًا أساسيًا في تصعيد التوتر، حتى لحظة الكشف النهائي، حين يظهر "الرجل الأول" في مشهد ختامي قاتم، يقتل فيه عصمت قبل أن يُقبض عليه. كان هذا الظهور المتأخر قرارًا إخراجيًا ذكيًا من عزالدين ذو الفقار، أضفى على الشخصية سحرًا وغموضًا خاصًا، وصدم الجمهور باكتشاف أن الشخصية الصامتة الهادئة التي لم تلفت الانتباه، كانت هي المحرك الأساسي للأحداث.

ورغم قِصر مدة ظهوره، فإن عبدالخالق صالح أضفى على الشخصية عمقًا نفسيًا خاصًا؛ لم يكن مجرمًا انفعاليًا أو صاخبًا، بل هادئًا، عقلانيًا، يتحدث بصوت منخفض، ويملك حضورًا طاغيًا. وقد صُمّم المشهد الذي يظهر فيه بعناية: إضاءة مركزة على ملامحه الحادة، وموسيقى مشدودة تبرز هيبته دون الحاجة إلى كثير من الكلمات.
وهكذا، أثبت عبدالخالق صالح أن الدخول المتأخر إلى عالم الفن لا يمنع من ترك بصمة مؤثرة، وأن الشخصيات الصامتة قد تظل تصرخ في ذاكرة الجمهور طويلًا.