رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


من 30 يونيو لصفوف بريكس والعشرين.. قيادة الرئيس السيسي ترسخ مكانة مصر الإقليمية والعالمية

28-6-2025 | 10:35


بريكس

دار الهلال

مصر بما لديها من مقومات يجب أن تكون منفتحة فى علاقاتها الدولية، لقد مضى عهد التبعية فى تلك العلاقات التى ستحدد من الآن فصاعدا طبقا لمدى استعداد الأصدقاء للتعاون وتحقيق مصالح الشعب المصرى، إن مصر نقطة توازن الاستقرار فى الشرق الأوسط، ممر عبور تجارة العالم الدولية، مركز الاشعاع الدينى فى العالم الاسلامى بأزهرها الشريف وعلمائه الأجلاء، ستعتمد الندية والالتزام والاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية كمبادىء أساسية لسياساتها الخارجية فى المرحلة المقبلة"، كلمات جاءت على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي فى خطاب التنصيب ٢٠١٤، رسم معها سيادته ثوابت السياسة الخارجية لمصر الجديدة فى مرحلة ما بعد ثورة الثلاثين من يونيو.

وإنطلاقاً من تلك الرؤية ، مضت مصر بعد ثورة 30 يونيو في مسار منفتح على العالم، يعكس إيمان القيادة السياسية بأهمية إعادة صياغة تموضع الدولة إقليمياً ودولياً عبر علاقات متوازنة وشراكات استراتيجية وشبكة مُتشعبة من العلاقات المُتنامية، والتي تهدف إلى تعظيم المصالح المصرية مع الأطراف الفاعلة في مختلف دوائر التحرك، سواءً الأمريكية بدول قارتيها الشمالية والجنوبية، أو الأوروبية في إطارها الثنائي أو من خلال الاتحاد الأوروبي، وكذا الدول الآسيوية التي تشهد معها العلاقات طفرات متوالية خلال السنوات الماضية ويعكسها توقيع مصر لاتفاقية تجارة حرة مع تجمع الميركوسور أحد أهم التكتلات الاقتصادية في أمريكا الجنوبية، وانضمام مصر عضوًا شريكًا للحوار في منظمة شنغهاي للتعاون في آسيا. 

ومع تصاعد الحضور المصري في الملفات السياسية والاقتصادية، تنامى سطوع نجمها على الساحة الدولية كدولة تمتلك الإرادة والموقع والرؤية.

فبفضل سياسة خارجية تتسم بالحكمة والاتزان ، وبقيادة تملك وضوح الهدف وصلابة القرار، تحولت مصر إلى طرف رئيسي في معادلة الاقتصاد العالمي ، ونجحت في تأمين مقعدها داخل تكتلات كبرى مثل مجموعة "بريكس" ومجموعة العشرين ، في اعتراف دولي صريح بثقلها المتنامي ومكانتها كمركز للربط بين إفريقيا والعالم.

إحدى عشرة سنة من الإنجازات الدبلوماسية، جنت مصرُ ثمارها، ورسّخت بها مكانتها في صدارة المشهد الدولي ، فالسياسة الخارجية التى وضع الرئيس السيسى خطوطها العريضة فى يونيو ٢٠١٤ نجحت فى تحقيق انطلاقة جديدة لتعزيز وترسيخ ثقل مصر ودورها المحورى اقليميا ودوليا واستعادة مكانتها ودورها لصالح الشعب المصرى.

نسق أكد عليه مجدداً الرئيس السيسى من قلب العاصمة الإدارية الجديدة فى كلمته بمناسبة أدائه اليمين الدستورية بمجلس النواب فى ابريل من العام الماضى حيث أكد سيادته - على صعيد علاقات مصر الخارجية - أولوية حماية وصون أمن مصر القومى فى محيط إقليمى ودولى مضطرب ومواصلة العمل على تعزيز العلاقات المتوازنة مع جميع الأطراف فى عالم جديد تتشكل ملامحه وتقوم فيه مصر بدور لا غنى عنه لترسيخ الاستقرار، والأمن، والسلام، والتنمية.

استقرار راسخ وتنمية شاملة في إطار الجمهورية الجديدة انعكس بالتبعية في تحركات واعية لسياستها الخارجية التي باتت واضحة الملامح في توجهاتها، وزادت من ثقتها في تحركاتها الدولية والإقليمية في منطقة تموج بالاضطرابات والعواصف السياسية.

فالسياسة الخارجية المصرية شهدت مند ٢٠١٤ نشاطا مكثفا حيث ارتكزت على الحفاظ على المصالح الوطنية وتحقيق التوازن والتنوع فى علاقتها مع مختلف دول العالم وفتح آفاق جديدة للتعاون من خلال مبادىء السياسة المصرية القائمة على تعزيز السلام والاستقرار فى المحيط العربى والاقليمى والدولى، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول، ودعم مبدأ الاحترام المتبادل وتعزيز التضامن، والتمسك بمبادىء القانون الدولى.

وعلى مدى السنوات الماضية جنت مصر بقيادة الرئيس السيسى ثمار سياستها الخارجية الجديدة بالحصول على مقعدٍ غير دائم فى مجلس الأمن وترؤس لجنة مكافحة الإرهاب بالمجلس، وترؤس القمة العربية، والجمع بين عضوية مجلس السلم والأمن الأفريقي ورئاسة لجنة رؤساء الدول والحكومات الأفريقية المعنية بتغير المناخ، واختيارها لرئاسة الاتحاد الافريقي وعضويتها فى تجمع البريكس كما توثقت علاقات مصر بدول العالم وقواه الكبرى.

وكان التوسع فى العلاقات مع مختلف دول العالم عنوانا لسياسة مصر الخارجية منذ عام ٢٠١٤ .. وتأتى فى قلب اهتمامات الدبلوماسية الاقتصادية الأولويات التنموية للدولة المصرية.

ومع ما تشهده مصر من نهضة اقتصادية وإصلاحات عميقة أعادت هيكلة الاقتصاد الوطني، وخلقت بيئة أكثر جذبا للاستثمارات وأكثر انفتاحا على حركة التجارة والتنمية، برهنت مصر امام العالم على قدرتها في تجاوز التحديات لتثبت حضورها كدولة تنتمي لاقتصادات المستقبل.. مسار اقتصادى ناجح وطموح عزز ثقة المؤسسات الدولية وعكس للعالم صورة دولة تنهض بإمكاناتها الذاتية وتدير مواردها برؤية ثاقبة.

وفى هذا الاطار اكتسبت دعوة مصر التى وجهتها مجموعة "بريكس" اعتبارا من يناير ٢٠٢٤ اهمية كبرى فى هذا التوقيت الذى يشهد فيه العالم تغيرات كبيرة ومتسارعة.. دعوة رحب بها الرئيس السيسى حيث قال فى بيان: "نعتز بثقة دول التجمع كافة التي تربطنا بها جميعاً علاقات وثيقة، ونتطلع للتعاون والتنسيق معها خلال الفترة المقبلة، وكذا مع الدول المدعوة للانضمام لتحقيق أهداف التجمع نحو تدعيم التعاون الاقتصادي فيما بيننا، والعمل على إعلاء صوت دول الجنوب إزاء مختلف القضايا والتحديات التنموية التي تواجهنا، بما يدعم حقوق ومصالح الدول النامية".

وشكلت دعوة مصر للانضمام للتجمع شهادة ثقة من جانب أحد أقوى التجمعات الاقتصادية في قدرة الاقتصاد المصري، فضلاً عن أنها تعكس إدراكاً لثقل مصر السياسي بالمنطقة والقارة الأفريقية، ويوفر انضمامنا للتجمع فرصة لجذب الاستثمارات الأجنبية من دول البريكس وغيرها، وتعزيز العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري مع دول التجمع، وإتاحة الفرص لنقل الخبرات والتكنولوجيا، وتشجيع الصفقات المتكافئة والتبادل التجاري بالعملات المحلية.

وتلعب وزارة الخارجية دوراً محورياً في جهود التنسيق الوطني بشأن عضوية مصر في تجمع البريكس، حيث صدرت التوجيهات الرئاسية بتولي السفير مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية متعددة الأطراف الدولية والإقليمية منصب الممثل الشخصي للسيد رئيس الجمهورية لدى تجمع البريكس، وتقوم الوزارة بالتعاون مع الجهات الوطنية من خلال الأمانة الفنية لوحدة البريكس الوزارية اتصالاً بمختلف المسائل الموضوعية ولضمان المشاركة المصرية الفاعلية في مختلف أطر تعاون التجمع.

الدبلوماسية المصرية لا تألو جهدا لدفع العلاقات المصرية مع كافة انحاء العالم بما فى ذلك فى الاطار المتعدد الاطراف.. فقد شهدت المشاركة فى قمم ومؤتمرات للمنظمات الدولية والاقليمية سواء الجمعية العامة للامم المتحدة والقمم العربية وقمم الاتحاد الافريقى وكذلك اجتماعات لمنظمة التعاون الاسلامى وكذا مجموعة العشرين التى حلت مصر عليها العام الماضى كدولة ضيف خلال الرئاسة الهندية للمجموعة.

وايمانا من البريكس التى تلعب دورا هاما على الساحة العالمية باهمية ومكانة مصر فانها تحرص على تعزيز التعاون مع "أم الدنيا" وقلب العالم العربى وبوابة افريقيا وشريان العالم فضلا عن رؤيتها وتقديرها كما جميع دول العالم لمصر التى تحقق يوما تلو الاخر انجازات فى كافة المجالات اقتصادية منها واجتماعية وتنموية، فكانت القاهرة حاضرة فى العديد من الاجتماعات الهامة للمجموعة.

وتحرص مصر على المشاركة فى فعاليات "بريكس" التى تعد مجموعة سياسية بدأت المفاوضات لتشكيلها عام 2006 وعقدت اول مؤتمر قمة لها عام 2009، وكان أعضاؤها هم الدول ذوات الاقتصادات الصاعدة وهي البرازيل وروسيا والهند والصين تحت إسم "بريك " قبل ان تنضم اليها جنوب إفريقيا فى عام 2010 ليصبح اسمها "بريكس".

وتجسيداً لمكانة مصر اقليميا ودوليا ودورها المؤثر فى القضايا والملفات الاقتصادية الدولية الرئيسة، والمستقبل الواعد الذى ينتظرها مع المشروعات العملاقة التى تشيدها والانطلاقة التنموية الكبيرة التى تشهدها، كانت مصر على موعد جديد لتكون حاضرة فى صفوف الدول الكبرى، فقد دعت حكومة البرازيل، خلال فترة رئاستها للمجموعة (الفترة من الأول من ديسمبر 2023 وحتى 30 نوفمبر 2024 ) مصر للمشاركة كدولة ضيف فى كافة اجتماعات المجموعة.

وتعد المشاركة المصرية في اجتماعات مجموعة العشرين- التى تمثل دولها ٨٠٪ من الناتج الإجمالى العالمى، و٧٥٪ من حجم التجارة الدولية، و٦٠٪ من سكان العالم- برئاسة البرازيل هى الرابعة من نوعها منذ إنشاء المجموعة، والثانية على التوالى بعد مشاركة مصر في اجتماعات العشرين الدورة الماضية، خلال فترة رئاسة الهند، والتى تكللت بمشاركة رئيس الجمهورية في أعمال قمة المجموعة في دلهى، في سبتمبر 2023.

وتقديراً للقيمة المضافة التى تمثلها مصر فى مناقشات مجموعة العشرين.. توصل السفير راجى الإتربى الممثل الشخصى لرئيس الجمهورية لدى مجموعة العشرين ومساعد وزير الخارجية، ونظيره الجنوب أفريقى الى اتفاق نهائى بشأن قيام مصر باستضافة وتنظيم اجتماع رسمى لمجموعة العشرين حول الأمن الغذائى أوائل سبتمبر القادم ، وذلك بناء على التفاهمات التى جرت بين الدكتور بدر عبد العاطى وزير الخارجية والهجرة ووزير خارجية جنوب أفريقيا "رونالد لامولا".

وجرى هذا الاتفاق تم على هامش مشاركة مصر، بصفتها ضيف للمجموعة، فى اجتماع الممثلين الشخصيين لقادة دول العشرين، الذى عقد بجنوب أفريقيا من ٢٥ إلى ٢٧ يونيو الجارى.

ويعد هذا الاجتماع هو الأول من نوعه الذى تستضيفه وتنظمه مصر "للعشرين" منذ نشأة المجموعة عام ١٩٩٩، حيث أنه من النادر أن توافق الدول الأعضاء على عقد اجتماع للمجموعة فى دولة غير عضو.

ويؤكد هذا الاستثناء الاولوية التى تحظى بها الدبلوماسية الاقتصادية فى السياسة الخارجية المصرية، ويجسد مكانتنا ومشاركتنا النشطة فى مختلف اجتماعات المجموعة، وذلك على مدار كافة السنوات التى تم دعوة مصر خلالها للمشاركة كضيف للعشرين، بما فى ذلك الاعوام الثلاثة الماضية، وهى العوامل التى أبدت معها الدول الأعضاء تأييدها المطلق لهذا الاتفاق، خلال المناقشات التى جرت بهذا الشأن بين ممثلى قادة دول المجموعة.

وعلى مدى السنوات الاحدى عشرة الماضية، تلقت مصر الدعوة للمشاركة كضيف في اجتماعات مجموعة العشرين أربع مرات خلال فترة رئاسة الصين في عام 2016، واليابان في 2019 والهند في 2023، والبرازيل في 2024، بما يعكس التقدير الدولي لثقل مصر الإقليمي على الصعيدين العربي والأفريقي.

وتقوم وزارة الخارجية بدور فعال للتنسيق بين مختلف الوزارات والجهات الوطنية المعنية، لضمان توحيد الرؤى خلال مشاركتها في مختلف اجتماعات ومسارات مجموعات العمل التي تحددها دولة الرئاسة للمجموعة.

وفي إطار المشاركة المصرية في اجتماعات المجموعة يتم الدفع بأولوياتها الوطنية على الصعيد الاقتصادي والتنموي، فضلاً عن السعي الحثيث للخروج بمُقررات فعالة لمساندة الدول النامية، وخاصة اتصالًا بتفعيل دور مؤسسات التمويل الدولية في مواجهة الأزمات المتعاقبة، وإصلاح الهيكل المالي العالمي، وحل إشكالية الديون العالمية من خلال إنشاء آلية شاملة وفعالة ومستدامة لإدارة الديون، ودفع أجندة إصلاح منظمة التجارة العالمية، وإعداد خطة عمل لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، ووضع توصيات للانتقال العادل في الطاقة، وصياغة خارطة طريق للأمن الغذائي.

ومنذ عام ٢٠١٤ عززت مصر دورها في تكتلات الجنوب الصاعد، وعلى رأسها مجموعة الـ77 + الصين، دفاعًا عن مصالح الدول النامية ورؤية أكثر توازنًا للعدالة الاقتصادية الدولية، حيث انضمت مصر لمجموعة الـ 77+ الصين منذ تأسيسها بإعلان مشترك من 77 دولة نامية في مقر الأمم المتحدة بجنيف عام 1964، والذى يعد أكبر تجمع للدول النامية في الأمم المتحدة بعضوية 134 دولة حتى تاريخه.

وحظيت مصر برئاسة المجموعة عدة مرات، آخرها في عام 2018، وتنخرط المجموعة منذ تأسيسها في جهود تعزيز المساواة بين دول الشمال والجنوب، وسد الفجوة المالية والمعرفية والتكنولوجية بينهما، وإصلاح المنظومة التنموية للأمم المتحدة.

وفي هذا السياق، تقوم وزارة الخارجية بالتنسيق، من خلال بعثاتها الدبلوماسية في الخارج، مع الدول متشابهة الفكر داخل مجموعة الـ 77 وذلك لضمان تحقيق المصالح الوطنية لمصر ومصالح الدول المتشابهة الفكر مع مصر، وبما يصب لصالح تعظيم مكانة مجموعة الـ 77 وتأثيرها على الصعيد الدولي وضمان تلبيتها لمطالب البلدان النامية من النظام الدولي على الأصعدة الاقتصادية والتمويلية والتجارية.

وتنامي دور المجموعة خلال السنوات القليلة الماضية، الأمر الذي تجلى في تنظيم قمتين للمجموعة، الأولى قمة "تحديات التنمية الحالية: دور العلم والتكنولوجيا والابتكار" التي تم تنظيمها في العاصمة الكوبية "هافانا" في سبتمبر 2023، والثانية "قمة الجنوب" التي تم تنظيمها في العاصمة الأوغندية "كامبالا" في يناير 2024.. حرصت مصر على المشاركة الفعالة في هاتين القمتين.

ومنذ ثورة الثلاثين من يونيو، لم يكن الطريق ممهداً لكن مصر مضت بفضل الرؤية الثاقبة لقيادتها السياسية في مسار واعٍ ومدروس، أعاد بناء الداخل وأطلق جسور التأثير إلى الخارج، لتصبح مصر اليوم شريكًا فاعلًا في صياغة التوازنات العالمية، وصوتًا ناطقًا باسم الجنوب، وقوة يحسب لها الحساب في معادلات السياسة والاقتصاد الدوليين، فما تحقق لم يكن نهاية الطريق، بل بدايته ومع قيادة تدرك حجم التحديات، وشعب يؤمن بقدراته، تمضي مصر بثقة نحو مستقبل تصنعه بإرادتها، وتشارك في رسم ملامحه بين صفوف الكبار.