رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أعطنى زوجتك .. وسأعطيك فى المقابل عذراء بالغة الجمال .. سأقتلك .. صمويل بيكر

6-3-2017 | 09:46


كتب : يحيي تادرس

مقدمة لابد منها:

... هل تذكرون العلاقة الملتبسة والتي لم تجد حتي الآن تفسيرا واضحا من المؤرخين التي ربطت بين عبدالناصر وعبدالحكيم عامر والأحداث « النكسة» التي كان من نتيجتها - انتحار الأخير-.

......

لقد جسد الفنان أحمد زكي شخصيتي الزعيمين في فيلمين يعتبران في رأيي من أعظم أدواره علي الاطلاق ولكن .. أين النكسة وانتحار عامر؟

.....

في صباح 16 سبتمبر عام 1892 يجتمع العديد من السادة لسماع تلك المناقشة المثيرة بين اثنين من أعظم المكتشفين «سبيك وبيرتون» ويحسمان بشكل نهائي دعاوي كليهما فيما يتعلق بكشف بعض أسرار ذلك النهر - البعيد - بحكم الجغرافيا عن بريطانيا العظمي وكل العالم المهتم بكشف «خفاياه» والذي أصبح بفضل الجمعية الجغرافية الملكية ورغبتها في أن يكون لها الفضل والسبق في التوصل إلي كلمة نهائية عن اكتشاف منابعه ولكن وكما يكتب بيرتون في مذكراته:

في ساعة مبكرة من اليوم المحدد لذلك الاجتماع فوجئت بورقة غامضة توزع علي الحضور - ورقة جد مفزعة بالنسبة لنا جميعا:

كان الكاتب سبيك قد فقد حياته في الرابعة من مساء اليوم السابع بينما كان يمارس الصيد..

ولما كان سبيك من أبطال الصيد المبرزين فقد انتشرت الشائعات بأنه قد انتحر

... ويبكي بيرتون وينهار شاعرا بمسئولية الجزئية - عن انتحاره

....

وفي وفاته - تبدي جريدة « التايمز» حزنها علي انتحاره ...

ويتم دفنه في إحدي الكنائس القريبة من داره ... ويقام فوق قبره مسلة من الجرانيت كتبت عليها عبارة غاية في البساطة:

«لذكري سبيك وفيكتوريا ونيازنزا والنيل»

.....

انتحر أو قتل سبيك ولكن هل انتهي الجدل؟

لم ينته بعد.... بل إن العديد من معارضي سبيك اكتسبوا بعد موته قوة ولكن الملكة «فيكتوريا» ملكة بريطانيا - روعتها الأحداث وأحست بمدي الظلم الذي احاق به فأشارت علي والده - أن يضيف تمساحا وفرس نهر إلي شعاره الرسمي وبعد ذلك أقيمت علي شلالات ريبون لوحة كتب عليها:

سبيك

اكتشف هذا «المنبع» للنيل

في 28 يوليو 1862

....

وهنا تظهر شخصية جديدة - كانت قد التقت بـ «سبيك ومساعده جرانت» وصارحهما بالموقع ا لعام لبحيرة «لوتاتريجي» التي كانت في رأيه - أحد منابع النهر العصي.

صمويل بيكر وزوجته:

وكان بيكر شخصية عملية مولعا بالصيد والمغامرة وعندما تموت زوجته الأولي يتزوج من فتاة مجرية جميلة التي ينطلق معها في أوائل الستينيات من القرن «التاسع عشر» في رحلة إلي أعماق القارة التي لم تعد مجهولة بعد ليمارس الصيد وبالمرة! بتشكيل حملة يقودها في مجري النيل - لاكتشاف منابعه ويقضي علي الجدل الذي أحاط بكل الاكتشافات السابقة.

في البداية يقضي عامين في السودان ويتعلم اللغة العربية ثم بعد تشكيل حملة علي أعلي مستوي «نتيجة ثرائه» يمضي منفردا ليرتاد «النيل الأبيض».

.... وكانت ميزته الكبري عدم ارتباطه بالحكومة أو الجمعيات العلمية أو......

كان يرتاد أكثر المناطق وحشة ووحشية و.... يصل إلي الخرطوم التي كان عمرها حينذاك 40عاماً:

كان كل موظف - من الحاكم العام إلي أدني موظف علي صلة بتجارة الرقيق وكان أهلها «...,30 نسمة» يتزاحمون في أكواخ من الطوب التي تتعرض للتدمير علي يد الفيضانات الهائلة للنهر... ولا سبيل أمام أهلها لقضاء مصالحهم حتي البسيطة منها إلا بالرشوة.

ورغم كل هذا كان العديد من أبناء الجاليات الأجنبية يعيشون في مستويات أرقي!

أما كيف كانوا يحصلون علي الرقيق:

... بعثة مسلحة - تعقد اتفاقيات مع زعيم إحدي القبائل - ثم بعدها- يشعلون النار - في أكواخ الأهالي الغائبين وبعدها يبدأ النهب المنظم لكل أحد وكل شيء.

كانت تجارة وحشية تتيح الثراء السريع لمن يمارسها

....

ويشعر صمويل بيكر - بالأسي- ويسعي بامكاناته المحدودة لتحطيم هذه التجارة الملعونة - في نظره..

.....

وكان الحكام المحليون بل ورؤساء القبائل يعارضون توغله داخل القارة وكشفه لأدوارهم في تلك التجارة القاسية

....

وبعد وفاة باتريك وزوجته - اللذين قاما علي رأس حملة جديدة بتكلفة الجمعية الجغرافية - أن يبحث عن اسبيك وجرانت اللذين كانا مفقودين في أعماق القارة الغامضة

وهنا نلحظ تعدد البعثات والهيئات التي كانت تدعمها ومحاولة نيل الفخر والشهرة والمجد - الذي ينتظر من يكتشف منابعه....

و.... يقبل صمويل تلك المهمة الجديدة...

......

النيل - كان يجري لمسافات طويلة في الصحراء خلال العديد من المستنقعات التي تمتلئ بالنباتات التي تعوق أي باخرة أو سفينة إلي جانب - بالطبع - التماسيح العملاقة وأفراس البحر...

كانت هذه النباتات التي تراكمت خلال عصور طويلة تتحمل أقدام أضخم الأنواع الفيلة:

وكان الرعب يحيط بأفراد حملته - إذا لم يكن ثمة بشر بل كانت الوحشة خاصة حين يحل المساء - والأصوات الغامضة والمياه الخادعة - هي كل ما يحيط بهم و.... كانت السدود تعوقه عن استكمال الرحلة - حتي يصل وبعد مجهود شاق إلي «جوفدوكر» وهناك كانت القبائل تتصدي لهم خوفاً من أن يكونوا صيادو عبيد:

كانت جوفدوكر كما يكتب صمويل بيكر جحيما حقيقيا لكنها في نفس الوقت كانت استراحة مما لاقاه وما سيلاقيه من متاعب.

وهنا - يلتقي بيكر - بـ سبيك وجرانت

... شعرت بالفرحة ولكن بالصدمة - حين يخبراني بأنهما قد وصلا إلي منابع النيل حتي يعطياني خريطة تبين أنهما لم يستطيعا اتمام الكشف الواقعي للنيل - وأن جزءا عظيم الأهمية لا يزال يمثل لغزا هائلا لم يحل:

بحيرة «اوتانزيجي»

.. ويشجع بكير سبيك وجرانت بل ويساعدهما علي الاتجاه إلي الخرطوم

.... وتبدأ اقسي مراحل الرحلة:

و... هنا لابد من وقفة - عزيزي القارئ...

إفريقيا - التي نحن جزء أصيل منها - ماذا تعرف عنها - وكيف تعبر فنوننا عن دولها:

أتذكر مشهد النهاية لفيلم «حاحة وتفاحة بكل أبطاله «......» في إحدي الدول الإفريقية في أغنية هزلية سا خرة

و..... فيلما لأحمد السقا عن كنز يبحثون عنه ..

ومن قبل - عماشة في الادغال

إفريقيا .. النيل - الذي تنبهنا لأهميته بعد «سد النهضة» - لايزال بعيداً عن الفن والوجدان المصري بداية من التعليم القاصر بكل مراحله - حتي الفن بكل أطيافه.

و... نعود إلي رحلة صمويل بيكر و... زوجته

9 أشهر كاملة لا أصوات سوي «دق» الطبول لقبائل تهاجمهما بالسهام المسممة... ووحوش ضارية بالغة الضخامة - ومجاعة تحيق بهما و«وفاة» الدواب التي كانا يستخدمونها في التنقل... ونجاح أفراس النهر في قلب سفنهم و«الادلاء» الغشاشون الذين كانوا يقودونهم «بمكر» إلي رؤساء القبائل.

ورغم هذا لم تتذمر زوجته ولو للحظة!

.....

وبعد محاولات مضنية بل ومستحيلة - يصلان إلي ما قبل البحيرة حيث تعوقهما حروب وحشية بين القبائل

... وهنا يتساءل أحد زعماء القبائل الصغار:

وبعد أن تبلغوا تلك البحيرة - ماذا تفعلون ... وحتي بعد أن تعثرا علي النهر الذي ينبع منها ... إن البحيرة والنهر باقيان عبر آلاف الأجيال وسيبقيان بعد رحيلكما فماذا أفدتما؟

...

و... أخيرا- وبعد إبلالهما من الحمي وخشية القبائل من أن يكون بكير أحد صيادي العبيد.

وأخيراً... بل وأخيرا جداً - يتاح لبيكر وقافلته «110 أفراد» عبور النهر

.... مس بيكر أثارت مشاعر رجال القبيلة حين تختار تلك اللحظة لتغسل شعرها ويجتمع رجال القبائل ونساؤها لرؤية هذا الحدث الذي لم يسبق لهم أن شهدوا مثله ... حيث كانت جدائل شعرها الذهبية تصل إلي منتصف ظهرها.

.....

كان بيكر فريسة لحمي قاسية ومن هنا يقابل أحد ملوك المنطقة وهو راقد علي محفة

... أسابيع طويلة من الامطار والمفاوضات تنتهي بطلب غريب:

سأعطيك ما تطلب من حمالين ودليل إلي تلك البحيرة ولكن بمقابل بسيط أن تترك لي زوجتك وسأعطيك في المقابل عذراء مليحة!

وهنا يخرج بيكر مسدسه ...

سأقتلك وفي نفس الوقت تنهض مس بيكر من فراش المرض وتنقض علي «الملك» وتنهال عليه بالشتائم واللعنات بلغة انجليزية راقية!

و..... يخاف منها الملك ويعطي لبيكر ما يطلب ولكن ...

خلال تقدمهما «بيكر وزوجته» تصاب الزوجة بضربة شمس وإغماء تؤثر في قدرتهما العقلية

....

وبعد أسبوع من الجوع والآلام يستأنفان السير حتي يصلا إلي مسافة قريبة من هدفهما حيث يخبرها «الدليل» بأنهما سيصلان إلي غرضهما في اليوم التالي:

وفي مذكراته:

لم أكد أنام في تلك الليلة:

وفي 14 مارس لم تكن الشمس قد اشرقت بعد - حين أخذت استحث «ثوري» الذي امتطيه خلف الدليل:

وأخذ نجاهد صاعدين ما يشبه النيل - وفجأة يكتشفان مساحة مائية شاسعة تمتد تحتنا - بالغة الصفاء والنقاء

...

ويتقدمان - يترنحان بتأثير الحمي - لكنهما يقاومان الضعف والمرض حتي يصلا إلي حافة المياه...

وهنا... يركعان علي شاطئ البحيرة يشربان من مياهها في لهفة وعطش لا يرتوي إذ كان في معتقدهما أنهما يشربان من منابع النهر..

ويطلق بيكر علي البحيرة اسم «بحيرة البرت» - زوج الملكة فيكتوريا الراحل

.....

ويجلسان علي الشاطئ حيث يقول بيكر متفلسفاً

لقد وصلنا أنا ومعي زوجتي بالغة الضعف إلي مفتاح السر العظيم الذي فشل «يوليوس قيصر» بكل قواته - من كشف اللثام عنه وينهضان بالغي السعادة والضعف معا ويتساءلان:

كيف نعود بهذا الكشف العظيم:

يحصلان بصعوبة علي أحد القوارب - الذي يغرى أحد أفراس البحر فيقلبه!

...

وبالطبع يهجران قاربهما ويلتجآن إلي أحد الملوك المحليين «مجابي» الذي يستضيفهما لمدة ستة أشهر

... كانت «الملاريا» تهزمه كل ليلة :

وأخيراً جداً - يفر الملك الذي استضافهما - وكان لابد أن يرافقاه وكان يتوقعان الموت في كل لحظة ولكن:

في سبتمبر 1864 يقابلان قافلة من الرقيق تحمل لهما بريداً وإمدادات و.....

ويتحاملان بيكر وزوجته وينضمان إلي القافلة يصلان معها إلي «جوفدوكر» أخيرا في فبراير 1865 يمتطيان ثورين هائلين ولكن كانت تنتظرهما هناك ... مفاجأة قاسية...

العالم والجمعية الجغرافية الملكية - الكل - كان يؤمن بوفاته مع زوجته العرفية

ويشرع رغم كل ما واجهه من احباط .. في كتابة مذكراته وكان خلال هذا بمظهره وملابسه الرثة - يكاد يشبه «روبنسن كروزو» في وحدته وترفعه.....

كانت مذكراته بالغة الدقة والعاطفة والمغامرة التي أثارت القراء فيما بعد:

وكان في أوقات فراغه «يزرع الخضراوات ويصطاد- ويبني لنفسه قاربا متينا وتعلم زوجته أتباعه فنون الطهي والطرق الارستقراطية لتقديم الطعام - وعلاج المرضي يما يملكان من وسائل بدائية..

ولكن

كيف عادا إلي بريطانيا؟

... ذلك موضوع المقالة القادمة - إن شاء الله

المراجع: اهمها النيل الأبيض

آلان مورهين