رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


أكاديمية الفنون تطلق الحلم الأول لمهرجان المسرح العرائسي في مصر

6-7-2025 | 10:59


فريق مهرجان المسرح العرائسي في مصر

همت مصطفى

في قلب أكاديمية الفنون، حيث تختلط جدران الحلم بتاريخ طويل من الإبداع انعقد مساء أمس لقاءً استثنائيًا، أشبه بورشة سحرية تُعيد بعث الدمى من صمتها، تمهيدًا لإطلاق المهرجان الأول لمسرح العرائس في مصر، ولم يكن اللقاء عاديًا، بل بدا كأنه استدعاء جادّ لفن ظلّ طويلًا يهمس من أطراف المشهد، ينتظر من يلتفت إليه ليمنحه الحياة من جديد، وجاء ذلك  وتحت رعاية الأستاذ الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة  وبإشراف الأستاذة الدكتورة غادة جبارة رئيس الأكاديمية.

رحلة طويلة من العمل التراكمي

وافتتح اللقاء الدكتور حسام محسب، مستشار رئيس الأكاديمية ورئيس المهرجان، بكلمة بدت وكأنها مرآة لرحلة طويلة من العمل التراكمي، مؤكدًا أن هذا المشروع لم يُبنَ في الفراغ، بل على أكتاف عشاق، بدأوا بوضع اللبنات الأولى، ويستكملون اليوم البناء، بعين على الحلم، وأخرى على الواقع،  حلم لا يكتمل إلا حين تتضافر الرؤية مع الإصرار، وتتلاقى الأيادي تحت مظلة مؤمنة بدورها.

وكان لافتًا أن تعود أكاديمية الفنون، هذا الصرح العريق، إلى واجهة الريادة عبر هذا المهرجان، لتؤكد أنها ليست فقط دارًا للتعليم والتدريب، بل حاضنة للأحلام، وصانعة لمستقبل الفنون في مصر والمنطقة العربية.

 الرؤية الإدارية والبصيرة الفنية

أدار الجلسة الدكتور محمود فؤاد صدقي، المدير التنفيذي للمهرجان، معلنًا عن اختيار الفنانة والمخرجة مي مهاب كنائب له، في شراكةٍ تمزج بين الرؤية الإدارية والبصيرة الفنية، وترسم ملامح دورة أولى تنبض بالتنوع والجرأة.

 فن العرائس

وكان بين الحضور نخبة من الأسماء التي شكّلت وجدان مسرح العرائس، منهم الدكتور أسامة محمد علي، مدير مسرح القاهرة للعرائس وعضو اللجنة العليا للمهرجان، والدكتور محمد زعيمة، إلى جانب عدد من الفنانين المستقلين والعاملين في القطاع العام، جميعهم جمعتهم الرغبة في أن يعود فن العرائس إلى منصته التي يستحقها، لا بوصفه فنًا للطفل فقط، بل طقسًا مسرحيًا حيًّا، يمس الخيال ويُخاطب الوجدان.

صناعة تجارب فنية ناضجة

وتحدث الفنان ناصف عزمي، مؤسس فرقة «الكوشة» وأحد منظّمي مهرجان «شارلفيل» الدولي، داعيًا إلى ألا تُمنح جوائز في الدورة الأولى، حفاظًا على روح التجريب والحياد، كما اقترح تصنيف العروض بدقة حسب الفئات العمرية، لا على أساس ثنائي جامد بين «الكبار» و«الصغار».

وذهب «عزمي» إلى أبعد من ذلك حين دعا لأن يُعقد المهرجان كل ثلاث سنوات، لإتاحة الوقت أمام الفرق لصناعة تجارب فنية ناضجة، واقترح توقيتًا استراتيجيًا لانعقاد المهرجان مباشرة عقب مهرجان شارلفيل بفرنسا، مما يسمح باستقطاب الفنانين المصريين المشاركين هناك، ويضخ بُعدًا دوليًا في شرايين المهرجان المصري الوليد.

أنواع وتقنيات العرائس

و دعى المخرج هشام علي إلى فتح أبواب المهرجان لكل أنواع وتقنيات العرائس، مؤكدًا على ضرورة إقامة ورش تأليف وكتابة متخصصة، تفتح النصوص على احتمالات أكثر حرية وابتكارًا. بينما أشار الفنان عبد الحميد حسني، أحد أعمدة مسرح القاهرة للعرائس، إلى أهمية تقديم ورش متقدمة في الإضاءة والإخراج والتقنيات المسرحية، لافتًا إلى أن المهرجان يجب أن يتجاوز حدود قاعات الأكاديمية ليصل إلى الناس في أماكنهم: مستشفيات، متاحف، مواقع أثرية، حيث تمتزج العرائس بالحياة، وتعود إلى مهمتها الأسمى: بثّ الدهشة.

إقامة سوق فنية للعرائس

وتوالت الاقتراحات، من إقامة سوق فنية للعرائس تتيح عرض المنتجات وبيعها، إلى دعوة شخصيات عامة ذات حضور إعلامي وشعبي ممن خاضوا تجارب مع هذا الفن، مثل أحمد حلمي، شريف مدكور، أحمد السقا، منى عبد الغني، نهلة ياسين، ونجوى إبراهيم، ليكونوا سفراء للمهرجان، ويعيدوا له بريقه وسط جمهور لم ينسَ بعد سحر «بقلظ» و«كوكي» و«عم شكشك».

 

وأصر الفنانون على أهمية أن تتم المشاهدات للعروض ميدانيًا لا عبر مقاطع فيديو مرسلة، مؤمنين بأن العرض الحي يحمل ما لا تلتقطه الكاميرا: طاقة الممثل، تجاوب الجمهور، أنفاس الخشبة.

 

  وتحدّث الفنان  السويسي حمادة تنجير داعيًا إلى ألا يُحتجز المهرجان في العاصمة، بل أن يتنقّل كعرائسه، يُحلّق من محافظة إلى أخرى. ومن اليمن، أطل الفنان صدام العدلة، الذي تربّى فنيًا في مصر، مقترحًا إقامة موائد مستديرة قصيرة المدة لتبادل الخبرات في تصنيع وتحريك العرائس، تلك المهارات التي لا تُكتسب بالكلام بل بالمجاورة والممارسة.

توثيق المهرجان 

وكان من بين الحضور أيضًا الدكتور ياسر علام، والدكتورة مريم الجزائريلي التي تطوّعت لتوثيق المهرجان فنيًا، إلى جانب مجموعة كبيرة من الفنانين الشباب مثل هبة بسيوني، منال، يوسف مغاوري، شاكر سعيد، محمود الخلفاوي، رحمة محجوب، ابتهال مصطفى، مي عبد العزيز، سارة شكري وغيرهم من عشاق فن، لطالما خاطب الطفولة كما لم يفعل أي فن آخر.

 

في ختام هذا اللقاء، لم تكن الأجواء مجرد تبادل للرؤى، بل طقسًا من طقوس الأمل، و ساد شعور بالامتنان والتفاؤل، وكأن الجميع اتفقوا — بصمت وابتسامة — على أن مهرجان العرائس لا يُقام فقط ليُشاهَد، بل ليُنقذ ذاكرة، ويعيد ترتيب العلاقة بين الجمهور والمسرح.

أرواح صغيرة تسكنها الحكايات

وربما لم تكن العرائس يومًا مجرد دمى تتحرك بخيوط، بل أرواحًا صغيرة تسكنها الحكايات، وتُحركها أيادٍ تعرف طريق القلب قبل أن تعرف طريق الخشبة، وهذا المهرجان، في نسخته الأولى، لا يقدّم عروضًا فقط، بل يمنح العرائس فرصة لتتنفس من جديد، ولتروي — بصوت خافت وساحر — أن للفن وجوهًا لا تموت، بل تعود دومًا إذا وجدت من يؤمن بها

وحين ينفتح الستار قريبًا، لن تتحرك الخيوط وحدها... بل ستتحرك معها ذاكرة أجيال، وروح مصر، وهي تعيد لفنها العريق مكانه الذي يستحق.