"عربات جدعون".. فشل ميداني آخر لإسرائيل في غزة
مرّ أكثر من 50 يومًا على إطلاق جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية "عربات جدعون"، التي تهدف إلى تعزيز وجوده الميداني في قطاع غزة، إلا أن هذا التحرك منح فصائل المقاومة الفلسطينية فرصة أكبر لاستهداف القوات الإسرائيلية، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوفهم، في مشهد بات يتكرر يوميًا.
وللمفارقة، فإن إسرائيل أطلقت هذه العملية للقضاء على أي وجود لفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، غير أن الأمور انقلبت تمامًا، وتحول هذا التواجد إلى مصيدة يُقتل عبرها عشرات الجنود الإسرائيليين.
فشل ذريع
وهذا الأسبوع، أكدت صحيفة "معاريف" العبرية أن عملية "عربات جدعون" العسكرية، التي نفذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، "مُنيت بفشل ذريع"، بعد أن أسفرت عن مقتل عشرات الجنود.
واعتبرت "معاريف" أن إسرائيل تقف الآن على أعتاب صفقة تبادل تمنح حركة حماس نصرًا استراتيجيًا وضمانة أمريكية لبقائها لسنوات مقبلة، في إشارة إلى مفاوضات وقف إطلاق النار المنعقدة حاليًا في الدوحة.
ولا يقتصر الفشل على نتائج العملية الأخيرة فحسب، بل يمتد إلى النهج الكامل الذي اتبعه وزير الدفاع يسرائيل كاتس ورئيس الأركان إيال زامير، القائم على عقلية سلاح المدرعات: "ما لا يُحسم بالقوة، يُحسم بمزيد من القوة"، حسب "معاريف"، التي أكدت أن هذه المقاربة أثبتت عجزها في قطاع غزة.
وفي غضون ذلك، قالت الصحيفة إن "النجاحات" التي يروّج لها الجيش الإسرائيلي لا تتطابق مع "الواقع المرير على الأرض".
وأكدت أن غياب هدف عسكري واضح للعملية منذ البداية كان مؤشرًا على إخفاق محتوم، حيث بُنيت العملية على "أمنيات سياسية" بدلًا من إستراتيجية عسكرية مدروسة.
لماذا الفشل؟
يتأكد فشل عملية "عربات جدعون"، التي أطلقها الاحتلال في مايو الماضي في قطاع غزة، نظرًا لأن أهدافها لم تتحقق، رغم كافة الخسائر الميدانية التي تكبّدتها القوات الإسرائيلية.
وزعم جيش الاحتلال أن أهداف هذه العملية تتمثل في تحرير المحتجزين والقضاء على حركة حماس، غير أن حقيقة الأمر تشير إلى أنها وسّعت إبادتها ضد الفلسطينيين فقط، لا أكثر.
فلم تُفضِ العملية إلى تحرير أسير حي واحد من قطاع غزة، بينما لا تزال هجمات فصائل المقاومة تتوالى ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي، ما وضع المستوى السياسي في إسرائيل في حرج شديد.
وفي سياق هذه العملية، نفذت إسرائيل عمليات إخلاء واسعة للفلسطينيين من شمال ووسط القطاع إلى الجنوب، بزعم حمايتهم.
خسائر بالجملة
وظّفت فصائل المقاومة الفلسطينية هذه العملية كمصيدة لإيقاع عشرات الجنود الإسرائيليين بين قتيل وجريح، ضمن عملية أسمتها "حجارة داوود".
هذه الخسائر الميدانية كشفت زيف مزاعم الحكومة الإسرائيلية بأنها نجحت في تحييد قدرات المقاومين الفلسطينيين.
ولا تسمح القدرات العسكرية للمقاومين الفلسطينيين بالدخول في مواجهة مباشرة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، إذ إن استراتيجيتهم القتالية تقوم على ما يُعرف بـ"حرب العصابات".
وفي المقابل، فإن إسرائيل لا تقدم دلائل ميدانية تشير إلى أن جيشها يعمل ضد المقاومين، بل إن ما يتصدر المشهد هو استهداف المدنيين العزّل، الذين لا يملكون من أمرهم "حولًا ولا قوة".
وقبل "عربات جدعون"، التي هدفت إلى احتلال كامل أراضي قطاع غزة، كان جيش الاحتلال ينسحب من أي مناطق يدخلها، غير أنه ضمن هذه العملية ثبت وجوده على الأرض، بمعنى أنه لم ينسحب.
وعدم الانسحاب هذا، أصبح فرصة مثالية للمقاومين، حيث بات استهداف الجنود الإسرائيليين بالنسبة لهم أمرًا متاحًا في أكثر من منطقة.
"الأسد ينهض".. محاولة لتجميل الصورة
ومطلع الشهر الجاري، أطلق الاحتلال عملية "الأسد ينهض" في قطاع غزة، معلنًا انتهاء عملية "عربات جدعون" التي مُنيت بالفشل.
وحملت "الأسد ينهض" نفس أهداف "عربات جدعون" دون أي تغيير، في ما يبدو كمحاولة من الحكومة لتبييض صورتها في ظل الخسائر التي يتكبدها الجيش.
وحسب معطيات جيش الاحتلال، فقد قُتل في خضم حربه على غزة، المستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023، 888 عسكريًا، بينهم 444 قُتلوا في المعارك البرية في قطاع غزة، والتي بدأت في 27 من الشهر نفسه.
بينما أُصيب 6060 جنديًا منذ بداية الحرب، بينهم 2768 في المعارك البرية في قطاع غزة، حسب ذات المعطيات.
غير أن هذه المعطيات تُقابل بالتشكيك، إذ تتعمّد إسرائيل التكتُّم على حجم خسائرها الحقيقية، خشية التأثير السلبي على تماسك الجبهة الداخلية.