الكسار .. إمبراطور الكوميديا فى عصره وبربري مصر الوحيد
في زمن كانت فيه الكوميديا فنًا يحتاج إلى عبقرية، وكان الإبداع يتطلب روحا تعرف كيف تلامس أعماق الناس، ولد نجم استطاع أن يحفر اسمه بأحرف من نور في سماء الفن المصري، و لم يكن مجرد ممثل كوميدي يستجدي الضحكات، لكنه كان فنانًا حقيقيًا يصنع من البساطة سحرًا، ومن الكلمة البسيطة رسالة تخترق القلوب قبل الآذان إنه واحد من بناة الكوميديا المصرية والفنان الشعبي الخالد الذي علم مصر الضحك «عثمان عبد الباسط » أيقونة الكوميديا علي الكسار.
وسيظل علي الكسار اسم يحمل في طياته عبق التاريخ وأصالة الفن المصري، ورجل استطاع أن يحول شوارع حي السيدة زينب إلى منجم للإبداع، وأن يصنع من لهجة النوبيين الطيبين شخصية خالدة تسكن وجدان الأجيال. كان أكثر من مجرد فنان، كان حكواتياً يروي بضحكاته قصص الشعب المصري وأحلامه وآماله.
وفي عصر ذهبي للمسرح والسينما، وقف الكسار شامخًا كجبل راسخ، يواجه عواصف التغيير بإبداع لا ينضب، صنع أكثر من 160 مسرحية، وأهدى السينما عشرات الأفلام، لكن أعظم إنجازاته كان في قدرته على تحويل الكوميديا من مجرد تسلية إلى رسالة حضارية تحمل في ثناياها قيم الشعب ومبادئه.
شخصية «عثمان عبد الباسط» لم تكن مجرد شخصية درامية يجسدها على الشاشات، لكنها كانت مرآة قوية تعكس روح المصري الأصيل بكل بساطته وطيبته وحكمته، شخصية تجاوزت حدود الخشبة والشاشة لتصبح جزءًا من التراث الشعبي، ورمزًا للإنسان المصري الذي يواجه تحديات الحياة بابتسامة وأمل، وهكذا كان علي الكسار.. فنانًا بحجم وطن، ومبدعًا بحجم حلم، ونجمًا لا يخبو بريقه مهما تقادمت السنوات.
الميلاد والنشأة
ولد علي الكسار في 13 من يوليو عام 1887م، في حي السيدة زينب بالقاهرة، ونشأ بها، واسمه الحقيقي على خليل سالم، وأخذ اسمه الفني الكسار من عائلة والدته، وكانت تدعى زينب علي الكسار.
ألحق علي الكسار من قبل والده، بالكتاب وسرعان ما تركه، دون أن يتعلم شيئًا، و استهوته الحياة الشعبية في حي السيدة زينب، نشأ رقيق الحال، وعمل« الكسار» في البداية بمهنة السروجي، التي امتهنها والده لكنه لم يستطع إتقانها، فاتجه للعمل بالطهي مع خاله في مطعم صغير، وتعلم صناعة الطبخ، وأصبح ماهرًا في صنع الطعام، وفي تلك الفترة اختلط بالنوبيين وأتقن لهجتهم وكلامهم.
بداية المشوار الفني
منافسة الكسار والريحاني: حرب النجوم الأولى
بدأ علي الكسار حياته الفنية بتكوين أول فرقة مسرحية له عام 1907م باسم «دار التمثيل الزينبي» ثم انتقل إلى فرقة «دار السلام» بحي الحسين، وذاعت شهرة علي الكسار ودخل في منافسة حامية مع الكوميديان الكبير، والفنان نجيب الريحاني و وابتكر شخصية البربري المصري «عثمان عبد الباسط» النوبي الطيب، لينافس نجيب الريحاني الذي كان يقدم شخصية «كشكش بك» عمدة كفر البلاص.
وشخصية «عثمان عبد الباسط» تعد استجابة صادقة للنموذج المصري العميق في مصريته، ولاقت هذه الشخصية نجاحًا كبيرًا من رواد المسرح، وجمهوره، حيث وجدوا فيه تمثيلًَا بارعًا لرجل الشارع في الحياة اليومية، في بساطته وطيبته وروحه المرحة الصافية، وفيه استمساك بالأخلاق التقليدية الفاضلة، ولا تزال الشخصية خالدة في ذاكرة التمثيل العربي.
صاحب أنجح الفرق الكوميدية
أثناء عمل علي الكسار مع فرقة جورج أبيض تعرف على أمين صدقي وكونا معا فرقة تمثيل عام 1916م، وفي 6 يناير 1919م انتقل بفرقته إلى مسرحه الجديد «الماجستيك» بشارع عماد الدين، مع شريكه وكاتب مسرحياته أمين صدقي وكانت أقوى وأنجح الفرق الكوميدية بلا منافس والتي صمدت أمام التحديات التى عرفها تاريخ المسرح المصرى الحديث.
قفز علي الكسار في عام 1924م بفرقته، قفزة هائلة عندما انضم إليها الموسيقار الكبير الشيخ زكريا أحمد، وقدم لها العديد من الألحان المسرحية، وظل الشريكان علي الكسار وأمين صدقي، معًا إلى أن وقع الانفصال بينهما فى نهاية عام 1925م، وسار « الكسار» يعمل وحده.
صاحب أكثر من 160 مسرحية
في عام 1934م سافر « الكسار» إلى الشام في عام 1934م، وقدم مسرحياته هناك ولاقت نجاحًا كبيرًا، بعد ذلك مر بأزمة أدت إلى إغلاق مسرحه بالقاهرة بعد أن قدم مايزيد على 160 عرضًا مسرحيًا، اتجه بعدها إلى السينما وقدم فيها عددا من الأفلام الناجحة.
وظلت فرقة علي الكسار، تحمل اسمه على مسرح «الماجستيك» حتى عام 1939م وظل طوال تلك الفترة ما بين الصمود والتألق الفني، يقدم لجمهوره بانتظام مواسم مسرحية كاملة صيفاً وشتاءً، ومسرحية جديدة كل ثلاثة أسابيع وإحدى عشرة حفلة ما بين ماتينية وسوارية فى الأسبوع الواحد ، بالإضافة إلى سفره بفرقته يجوب محافظات الوجه البحري والقبلي والدول العربية الشقيقة.
كتب مسرحيات الفنان على الكسار العديد من كبار الكتاب أمثال بديع خيري، وحامد السيد، وغيرهم، وقدم للمسرح أكثر من مائتيّ أوبريت.
«عثمان عبد الباسط» .. شخصية على الكسار الخالدة
وكانت شخصية على الكسار الفنية الخالدة «عثمان عبد الباسط» فى مسرحياته تمثل رمزا للبطل الشعبي الذي انتصر لشعبيته على خشبة المسرح فى ذلك العصر و قدمها فى إطار أدوار مختلفة ومتعددة، وظل كذلك حتى حل فرقته عام 1950م بعد أن أتعبه البحث عن خشبة مسرح يعمل عليها باستمرار، وذلك بعد أن ترك مسرحه الكبير «الماجستيك» أثر خلاف مع صاحبه الخواجه «كوستي»، بسبب قلة المسارح فى ذلك العصر وانتشار دور السينما التى احتلت الساحة بدلا من دور المسرح، واستغل المخرج والمنتج توجو مزراحي، نجاح شخصية «عثمان عبد الباسط» على المسرح ونقلها على الشاشة البيضاء بالسينما، فى تسعة أفلام، ولم تكن من تقديم علي الكسار.
شخصية واحدة في 36 فيلمًا سينمائيًا
وكان نجاح شخصية «عثمان عبد الباسط» لم يشترط أن يتم تقديمها للسينما فى دور البواب أو الخادم، ففى كل الأفلام التى قدمت الشخصية وعددها 36 فيلمًا من إخراج كبار المخرجين، مثل حسين فوزي وحسن الإمام، ومحمود ذو الفقار وفؤاد خليل، لم تقدم فيه الشخصية كخادم أو بواب إلا فى فيلم «رصاصة فى القلب»، وقدم مسرحية «جت سليمة» 1945م
قدم الكسار الكثير من الأفلام السينمائية، منها..( «الخالة الأمريكانية» 1920م، «بواب العمارة» في دور «عثمان» 1935م، فيلم «100 ألف جنيه»، «خفير الدرك» في دور «عثمان عبد الباسط» 1936م، «الساعة 7» في دور «عثمان» عام 1937م، «يوم المنى» 1938م، «عثمان وعلي» في دور «عثمان عبد الباسط، وعلي بك»، «التلغراف» 1938م، «سلفني 3 جنيه» في دور «عثمان عبد الباسط» 1939م».
وأفلام ..( «ألف ليلة وليلة» في دور «عثمان عبد الباسط» 1941م، و فيلمي «حفل ستوديو مصر»، «محطة الأنس»، فيلم «علي بابا والأربعين حرامي» في دور «علي بابا» 1942م، «رصاصة في القلب» في دور «البواب»، «نور الدين والبحارة الثلاثة» في دور «عثمان عبد الباسط» 1944م، «يوم في العالي في دور «عثمان أفندي»، «لست ملاكًا» 1946م، «أحكام العرب»1947م.
وأفلام 1948م..( «ورد شاه»، «نرجس» في دور «أبو الفرج»، «صاحبة العمارة» في دور «فرحات بركات وكيل أشغال»، «بنت حظ»، «الصيت ولا الغنى»، وشارك في 1949م «مبروك عليكي»، وأفلام «على أد لحافك»، «شيطان امرأة» في دور «والد أحلام»، «أسير العيون» في دور «عم عثمان»).
وأفلام عام 1950م.. «مغامرات خضرة» في دور «الخادم»، «قسمة ونصيب» في دور «عم عثمان الخادم»، «أه من الرجالة»، «أمير الانتقام» في دور «العبد نور»، «أخلاق للبيع» في دور «بائع الأخلاق»، «آخر كدبة» في دور «رز».
وفيلمي «جزيرة الأحلام» في دور «مشمش»، و «خضرة والسندباد القبلي» في دور «عم بشير» 1951م، وأفلام «قدم الخير»، «غلطة أب» في دور «مشمش»، «الأم القاتلة» في دور «عم علي» 1952م، وفيلمي «قلبي على ولدي» في دور «دقدق» 1953م، «أنا وأمي» في دور «الجد» 1957م».
علي الكسار مؤلفًا في السينما
قام علي الكسار بتأليف فيلمه «بواب العمارة» 1935م، وحوار وأغاني بديع خيري، ومن إخراج ألكسندر فاركاش من المجر، فيما شارك «الكسار» أيضًا بكتابة سيناريو فيلمين الأول «خفير الدرك» 1936م، والثاني «الساعة 7» في عام 1937م، مع المخرج الكبير توجو مزراحي والذي شارك معه في السيناريو، وهو أحد أعمدة صناعة السينما في مصر ومكتشف المواهب الفنية.
رحل عن عالمنا المبدع أيقونة الفن المصري علي الكسار في مثل هذا اليوم يوم 15 يناير عام 1957م بمستشفى القصر العيني وعمره 69 عامًا بعد معاناة طويلة مع المرض، لكنه ولن يمحى أُثره أبدًا، سيظل باقيا ونجما مضيئًا في تاريخ ومسيرة الفن المصري.