رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


قانون الضمان الاجتماعي الجديد.. حماية مستحقة وتمكين مستدام

14-7-2025 | 11:08


وزارة التضامن الاجتماعي

أ ش أ

في السنوات الأخيرة، اتسعت مظلة الحماية الاجتماعية في مصر عبر برامج ومبادرات عديدة، وصلت إلى ملايين المواطنين في القرى والمناطق المهمشة، لكن بقيت الحاجة إلى تشريع شامل يقنن هذه الجهود، ويحول الدعم من مبادرة إلى حق، ومن تدخل مرحلي إلى التزام دائم، فلذلك لم تنتظر الدولة مطالبة، ولم تكتف بمواصلة ما هو قائم، بل بادرت، وألزمت نفسها بتشريع يقر بحقوق من عاشوا طويلاً على حدود الاحتياج، دون مظلة قانونية تلزم بحمايتهم، وهو قانون الضمان الاجتماعي الجديد، الذي أقره مجلس النواب نهائيًا في يناير الماضي، وصدق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في أبريل الماضي.

حماية الفئات الأولى بالرعاية

وفي تعليقها على القانون، وجهت الدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي، الشكر والتقدير إلى السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي لتصديقه على قانون الضمان الاجتماعي رقم 12 لسنة 2025 في الثالث من أبريل الماضي، مشيرة إلى أن هذه الخطوة تعكس التزامًا رئاسيًا واضحًا بحماية الفئات الأولى بالرعاية، وتحويل الدعم إلى حق قانوني مصون.

وأكدت الوزيرة أن صدور هذا القانون ترجمة صريحة لإرادة سياسية قررت أن تجعل من الحماية الاجتماعية ركنًا أصيلًا في بنية الدولة الحديثة؛ فالدولة لم تعد تتعامل مع الفئات الأولى بالرعاية كملف مساعدات أو تدخلات محدودة، بل كمواطنين شركاء في التنمية، لهم حقوق واضحة، واستحقاقات مضمونة، ومسارات للتمكين والاندماج الكامل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يعكس تحولًا عميقًا في الرؤية الاجتماعية للدولة، من فلسفة الرعاية المشروطة إلى نهج العدالة المنظمة والمسؤولية الدستورية.

وقالت الدكتورة مايا مرسي: "إن التشريع الجديد يعكس رغبة القيادة السياسية في ضمان استدامة الدعم وتحقيق الحوكمة الكاملة في إدارته، من خلال إنشاء صندوق مستقل لبرنامج تكافل وكرامة، وتحديد مصادر تمويله، ووضع آليات دقيقة للتحقق من الاستحقاق على ثلاثة مستويات تشمل الإدارة والمديرية والوزارة".

قانون الضمان الاجتماعي الجديد

قانون الضمان الاجتماعي رقم 12 لسنة 2025 ليس مجرد تحديث لتشريعات قائمة، بل نقلة نوعية تنهي فكرة "العون المشروط بالشفقة"، وتؤسس لحق قانوني واضح لرقيقي الحال في الدعم والحماية والتمكين.

وبهذا القانون، تنتقل الحماية الاجتماعية من كونها استجابة مؤقتة إلى التزام منظم، وتتحول العلاقة بين الدولة والمواطن من طلب ومعونة، إلى استحقاق قائم على نص دستوري وتشريعي قابل للمساءلة.

وينص القانون في المادة (2) على أن الحماية تشمل كل من لا يتمتعون بتأمين اجتماعي ولا يمتلكون دخلاً كافيًا، مع إعطاء أولوية للفئات التي تواجه أشكالًا مركبة من الهشاشة، وعلى رأسها كبار السن غير القادرين على الكسب، والأشخاص ذوو الإعاقة، والنساء المعيلات، والأطفال المحرومون من الرعاية الأسرية، وكذلك الأسر التي تمر بظروف اجتماعية أو اقتصادية قهرية مثل فقدان العائل أو الكوارث أو الأزمات المفاجئة.

وهذه المادة لا تكتفي بتعداد الفئات، بل تقدم إطارًا مرنًا وشاملًا يسمح باستيعاب الحالات الاجتماعية المعقدة التي لا تقع دائمًا ضمن التصنيفات التقليدية للفقر، فالفكرة لم تعد محصورة في من لا يملك دخلًا، بل اتسعت لتشمل من يفتقد إلى الأمان الأسري، أو يعاني من الإقصاء، أو من لا يمتلك القدرة على الكسب لأسباب صحية أو اجتماعية.

وبذلك، تعيد المادة (2) تعريف مفهوم الاستحقاق، لتنتقل به من كونه معيارًا ماديًا بحتًا إلى منظور اجتماعي شامل، يراعي الكرامة الإنسانية، ويعكس فهمًا أعمق لتشابك العوامل التي تُنتج الفقر والتهميش في المجتمعات.. كما تفتح هذه المادة الباب أمام مرونة أكبر في تطبيق القانون مستقبلًا، مع تطور احتياجات المجتمع وتغير ظروفه الاقتصادية والاجتماعية.

أما المادة (6)، فتلزم الدولة بتقديم دعم نقدي منتظم، بجانب خدمات أساسية تشمل التعليم، والصحة، والتغذية، وهي خطوة تعكس فهماً أعمق للفقر باعتباره ظاهرة متعددة الأبعاد، لا تعالج بالمال فقط.

وتحدد المادة (10) أن تقييم استحقاق الدعم سيتم من خلال نظام نقاط شفاف يعتمد على بيانات دقيقة عن الأسرة، مثل الدخل، وعدد الأفراد، والحالة الصحية والتعليمية، مع الاستعانة بأدوات رقمية لضمان العدالة في التوزيع ومنع التدخل البشري في التقدير.

لكن ما يجعل هذا القانون مختلفاً فعلاً، هو ما ورد في المادة (12) التي تربط الحماية بالتمكين، من خلال إتاحة برامج تدريب وتأهيل، ودعم فني ومالي لإقامة مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر، خصوصاً للأسر القادرة على العمل.

وهنا لا تكتفي الدولة بتقديم "لقمة"، بل تتيح فرصة للاندماج في سوق العمل والخروج من دائرة الاحتياج.

وفي خطوة تعزز من الشفافية والعدالة، أقرت المادتان (22) و(24) حق المواطن في التظلم من قرارات الاستبعاد أو التقييم، عبر لجان محلية ثم مركزية، ما يضمن وجود مسار عادل وواضح لاسترداد الحقوق، ويعزز الثقة في المنظومة الجديدة.

كما يتيح القانون للمجتمع المدني أن يكون شريكاً في التنفيذ، وفقاً للمادة (26)، التي تفتح المجال أمام الجمعيات الأهلية والجهات غير الحكومية لتقديم خدمات الضمان، بموجب اتفاقات شراكة خاضعة للرقابة.. وهي سابقة تشريعية ترسخ التكامل بين الدولة والمجتمع، خاصة في المناطق التي يصعب الوصول إليها بالآليات الحكومية وحدها.

من الناحية التنظيمية، تلزم المادة (33) بإنشاء قاعدة بيانات رقمية موحدة للمستفيدين، تتكامل مع قواعد بيانات الوزارات الأخرى، وتحدث باستمرار، لضمان دقة الاستهداف وكفاءة الإنفاق، ورغم أن هذه المادة ألزمت الوزارة التي أشارت لها بالمختصة دون ذكر أسمها، إلا أن المادة (35) حددت بوضوح أن وزارة التضامن الاجتماعي هي الجهة المنوطة بالإشراف الكامل على المنظومة، مع تقديم تقارير دورية للمتابعة والمحاسبة.

أما المادة (39)، فتلخص الفلسفة الكامنة خلف القانون بعبارة واضحة: "تحقيق الكفاية الاقتصادية والاجتماعية للمواطن وضمان العيش الكريم".. وهو ما ينقل الضمان الاجتماعي من مفهوم الإغاثة إلى أداة للعدالة الاجتماعية، ورغم بساطة الصياغة، إلا أنها تعكس تحولًا عميقًا في النظرة إلى دور الدولة في حماية الفئات الهشة، فالمقصود هنا ليس مجرد تقديم دعم يسد الجوع أو يغطي الاحتياجات الأساسية مؤقتًا، وإنما توفير حد أدنى من الأمان الاقتصادي والاجتماعي يمكن المواطن من الاستمرار في الحياة بكرامة، بعيدًا عن الهشاشة والاعتمادية.

كما أن ربط الكفاية بالعيش الكريم يفتح المجال أمام تطوير مستمر للمنظومة، لتستجيب لمتغيرات الحياة والاحتياجات الاجتماعية المتزايدة، لا أن تتوقف عند حدود المساعدات التقليدية أو البرامج المؤقتة.

القانون الجديد لا يعيد فقط رسم خريطة الحماية الاجتماعية، بل يثبت أن الدولة جادة في بناء منظومة حقوق اجتماعية لا تترك أحداً خلفها.