رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


حكايات مزمنة.. أم البطل

18-7-2025 | 14:36


محمد السيد,

في هذا اليوم تحديداً ، خانتني  دموعي لم أستطع أن أتمالك نفسي، مالت عظامي ولم أستطع مقاومة هشاشة قلبي. 

في كل مرة أذهب لتلقي جرعات العلاج، أرى أشقاء وشقيقات، أقارب وأصدقاء، يأتون بصحبة المرضى ليخففوا عنهم وطأة الألم، وكثيراً ما تصحب الأمهات أطفالاً في عمر الزهور، يحملنهم كأنما يحملن قلوبهن على أذرعهن.

نحن نؤمن برحمة الله ولطفه في المرض فهو رحمة من الله، عطية للعبد يمسح بها ذنباً كبيراً، أو يكفر عن خطيئة ثقيلة.

لكن يراودني دائما سؤال مُلح ما الثواب الذي سيناله  طفل لم يتجاوز السابعة؟ سواء ولد بمرض خلقي أو عيب في الجينات؟ أو مرض فتاك، وجدت  أيضاً أنها محنة في ظاهرها العذاب وفي باطنها رحمة لوالديه، فهو شفيع لهما يدخلهما الجنة  ويكون  في كفالة سيدنا إبراهيم عليه السلام وزوجته السيدة هاجر  يقوما برعايته حتى يوم الساعة فيعود لحضن أبويه ويأخذ بأيديهما إلى باب الجنة.

في معاناة الرعاية قصة لن أنساها أبداً، طفل صغير كان يأتي مع والدته بشكل دائم في البداية ظننته هو المريض، خاصة أنه كان أصلع الرأس وهي أولى العلامات المألوفة لمن يتلقى العلاج الكيماوي كما أن والدته فقط كانت ترافقه، ولا أحد غيرها.

كانوا يدخلون إلى غرفة الكيماوي اليومي، وهي التي لا تستلزم المبيت بالمستشفى، بل تقتصر على ساعات قليلة للعلاج.

وبما أن حالتي تستدعي المبيت ثلاثة أيام مع كل جرعة، فلم ألتق بهما كثيراً،  ولكن في أحد الأيام، تعذر علي العثور على عيادة للتقييم، فأشار علي أحد الموظفين بأن أجري التقييم في غرفة العلاج اليومي.

وهنا رأيت ما لم أتوقعه  الطفل لم يكن مريضا، بل كانت والدته هي من تتلقى جرعة الكيماوي، بينما يجلس هو إلى جوارها، رافضاً الاقتراب والابتعاد رافضاً الجلوس.. كأنه في معركة داخلية لا يستطيع أن ينتصر فيها.

مرت بجانبي ممرضة، فالتفت إليها وسألتها هامساً "هي أمه اللي بتاخد الكيماوي؟"

فأجابت بهدوء "أيوة وهو حلق شعره لما شاف أمه بتعيط وهي شعرها بيقع".

وقبل أن أتمكن من الرد، كانت الأم قد توقفت عن القيء ثم أشارت لابنها أن يقترب منها، فهرول إليها ليحضنها، لكن ذلك الحضن كان بمثابة قنبلة بكاء.

انفجر الطفل في صراخ لا يستطيع معه الصمود، بكاء مزق سكون الغرفة، وجعل كل من فيها يبكي بلا تردد، لا رحمة به بل رحمة بها، هي الأم المحاربة.

ذلك الموقف لم يكن مجرد لحظة عاطفية عابرة، بل رسالة واضحة لا تقبل النقاش مريض الأورام لا يحتاج فقط من يسأل عن بل من يشعر به، بارك الله في أم البطل وكتب لها النجاة والسلامة والمعافاة لتكمل تربية بطلها الهمام.