"حسم".. عودة التهديدات الإرهابية وأجهزة الأمن بالمرصاد
في توقيت بالغ الحساسية، أعلنت وزارة الداخلية استهداف عناصر إرهابية تابعة لحركة "حسم"، بعد سنوات من الغياب، كانت تخطط لتنفيذ عمليات تخريبية داخل البلاد، وذلك بعد أيام من نشر الحركة إصدارًا مرئيًا يروّج للعمل المسلح في مصر، في محاولة لإحياء نشاطها من جديد.
وأكد اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية الأسبق، في تصريحات خاصة لـ"دار الهلال"، أن البيان الصادر عن وزارة الداخلية بشأن إحباط عمليات إرهابية كانت على وشك التنفيذ، يعكس درجة عالية من الجاهزية واليقظة لدى الأجهزة الأمنية.
وأوضح المقرحي أن "رجال الداخلية يسهرون على أمن الوطن دون كلل، ولا يخشون في الحق لومة لائم، ويؤدون واجبهم بما يُرضي ضمائرهم ويُرضي وطنهم"، مشددًا على أن حماية الوطن أمانة في أعناقهم، وسيظلون على قدر هذه المسؤولية مهما كانت التحديات.
وأشار إلى أن العناصر الإرهابية كانت في حالة من الكمون، تنتظر الفرصة المناسبة لتنفيذ مخططاتها، واعتقدت خطأً أن انشغال الدولة بالانتخابات وبشؤون داخلية أخرى يمنحهم مساحة للتحرك، "لكن حساباتهم كانت خاطئة، فجهاز الأمن كان لهم بالمرصاد"، على حد قوله.
وردًا على سؤال حول احتمالية تكرار مثل هذه المحاولات الإرهابية في المستقبل القريب، قال المقرحي: "ولِمَ لا؟ فمثل هذه التهديدات تظل قائمة طالما هناك أطراف مأجورة تعمل على زعزعة استقرار البلاد"، موضحًا أن حالة الاستقرار التي تنعم بها الدولة لا تعني الغفلة، بل تتطلب أن يظل السلاح يقظًا دائمًا، لأن "اليقظة الأمنية هي الضامن الأول لردع الخونة، وهم شرذمة ضالة لم تجد من يدعمها سوى الخراب".
واختتم المقرحي حديثه بالتأكيد على أن الأجهزة الأمنية المصرية تمتلك من الخبرة والكفاءة ما يكفي لإحباط أي محاولة للمساس بأمن البلاد، داعيًا المواطنين إلى الثقة في مؤسسات الدولة والاصطفاف خلفها لحماية الوطن.
"حسم".. تجسيد لأفكار الإخوان وتكرار لنموذج التنظيم المسلح
قال الباحث عمرو فاروق، المتخصص في شؤون الإسلام السياسي، في حديث لـ"دار الهلال"، إن إصدار حركة "حسم" المرئي الأخير، والذي تضمن تهديدات صريحة للأمن القومي المصري بعد سنوات من الغياب منذ تفجير معهد الأورام عام 2019، يأتي في إطار الدور الوظيفي لجماعة الإخوان لتحقيق عدة أهداف.
وأوضح أن من بين هذه الأهداف إعادة بناء صورة ذهنية توحي بقدرة الحركة على المواجهة المسلحة، وتشتيت جهود الأجهزة الأمنية، وإرباك المشهد الداخلي بفتح جبهات متعددة، والزعم باستمرار المواجهة بين الدولة والتنظيمات الأصولية المسلحة، بما ينعكس سلبيًا على الوضعين الاقتصادي والاستثماري. كما تهدف الحركة إلى تحفيز الخلايا النائمة والحاضنة المتعاطفة مع الجماعة، واستغلال بعض القصور في الداخل للضغط على القيادة السياسية من أجل تمرير فكرة "المصالحة" أو الإفراج الصحي عن قيادات مكتب الإرشاد، بديلًا عن عودة العمليات المسلحة، خصوصًا في ظل تقلبات المنطقة.
وأشار فاروق إلى أن الرسالة الأهم تتصل بالجهات الممولة والمحركة لهذه الحركات، للضغط على مصر في ملف التهجير وتصفية القضية الفلسطينية، إلى جانب انزعاج الكيان الصهيوني من البنية التحتية العسكرية المصرية في سيناء، وتحفظه على تنوع مصادر تسليح الجيش.
وأكد أن "حسم" تُعد تجسيدًا حقيقيًا لأفكار حسن البنا وسيد قطب، وتمثل امتدادًا مباشرًا للتنظيم السري المسلح الذي أسسه البنا في الأربعينيات، وتورط في عمليات إرهابية. كما أنها ليست تحولًا في نهج الجماعة، بل استمرار لمنهجها الفكري والتنظيمي.
وأضاف أن الحركة استندت إلى دراسات فكرية قدمتها الهيئة الشرعية للإخوان عقب سقوط الجماعة، أبرزها دراسة "فقه الاختبار والمحنة" للدكتور عبد الرحمن البر، وكتاب "فقه المقاومة الشعبية"، و"دليل السائر ومرشد الحائر"، و"كشف الشبهات"، فضلًا عن وثيقة "رد الاعتداء على الحركة الإسلامية" لسيد قطب، والتي تدعو إلى هدم الدولة المدنية، بما يتوافق مع نظرية "النكاية والإنهاك" الواردة في كتاب "إدارة التوحش"، أحد مراجع تنظيمي القاعدة وداعش.
بيان الداخلية.. رسائل ودلالات
وفي تعليقه على بيان وزارة الداخلية، أوضح فاروق أن الأسماء الواردة فيه تنتمي إلى مجموعة تطلق على نفسها "تيار التغيير"، وتتبنى مشروعًا مسلحًا باسم "ميدان"، يقوم على فرض مشروع الجماعة بالقوة مستندًا إلى أفكار سيد قطب، وبالتحالف مع رموز الجبهة السلفية مثل أحمد مولانا ومحمد الهامي.
ويستهدف المشروع، بحسب فاروق، بناء روابط داخل الأحياء والجامعات، واستقطاب أنصار "الإسلام الثوري"، تمهيدًا لحشد جماهيري يؤدي إلى "انفجار شعبي"، وتجنيد السلفيين والأصوليين لتنفيذ هذا المخطط.
وأشار إلى أن المشروع يقوم على نظرية "التغيير من أعلى"، أو ما يعرف بـ"المدرسة الثانية" عند سيد قطب، عبر الاشتباك مع النظام والإعداد لحراك مسلح في مؤسسات الدولة، وقد تم التخطيط له داخل "المعهد المصري للدراسات" الذي تأسس بإسطنبول عام 2014، وأكاديمية "العلاقات الدولية" التي يشرف عليها القيادي الإخواني عصام عبد الشافي، وتتولى تدريب شباب الجماعة على فنون الاستخبارات وأمن المعلومات وحروب العصابات.
وأكد أن "حسم" تمثل أخطر تجليات العنف المسلح داخل الإخوان، وتعكس واقعًا حقيقيًا لتوظيف الجماعات الأصولية للعنف كوسيلة لاستعادة النفوذ، مشيرًا إلى أن التهديد ما زال قائمًا رغم الضربات الأمنية، في ظل وجود تمويل خارجي وحواضن فكرية، ما يستلزم استراتيجية شاملة تجمع بين الأمني والفكري والمجتمعي لتجفيف منابع الإرهاب وحماية الأجيال الجديدة.
واختتم فاروق بالتأكيد على أن الأجهزة الأمنية تلعب دورًا محوريًا في وقف نزيف الدم وتجفيف منابع الإرهاب، من خلال يقظتها والضربات الاستباقية التي تنفذها.