تزخر مصر بتراث ثري يمتد بجذوره عبر آلاف السنين، يحمل بين طياته شواهد حية على تعاقب الحضارات وتنوع الفنون وعمق المكونات الثقافية للشخصية المصرية، ولتفرد هذا الإرث وتميزه وقيمته العظيمة، تبرز مسئولية توثيقه بطرق معاصرة تضمن الحفاظ عليه ونقله للأجيال القادمة كرصيد ثقافي وحضاري ثمين يؤكد مكانة مصر بين الأمم.
ومن هذا المنطلق، تحرص وزارة الثقافة على تنفيذ مبادرات ومشروعات متكاملة لحماية التراث بكافة أشكاله، وإعادة إحيائه بوسائل تقنية حديثة، وخاصة فيما يتعلق بثقافة النشء، ولذلك نفذت مشروع رقمنة "الموسوعة المصرية لأغنيات الطفل والشعر الشعبي"، وأتاحتها إلكترونيا لتعزيز الوصول إلى التراث الثقافي المصري.
وحول أهمية الموسوعة في حفظ وتوثيق التراث الشعبي، قال معد الموسوعة رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية بالهيئة العامة لقصور الثقافة الشاعر والباحث الدكتور مسعود شومان في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط، "إن الموسوعة المصرية لأغنيات الطفل كنز ضخم يعبر عن هوية الشعب المصري، ويأتي مشروع رقمنتها ضمن مبادرة وزارة الثقافة (تراثك ميراثك)، لحفظ الهوية ونقل إرث الأجداد والآباء إلى النشء الجديد وإعادة إحيائها في المجتمع".
وأضاف أن الموسوعة تضم 500 نص، منها الأغنيات التي يغنيها الطفل، وأخرى الأغنيات التي تغنى للطفل، إضافة إلى 26 كشافا شارحا تحليليا لكل ما تضمه الموسوعة من مفردات، كالحلي والأعلام والمهن وأسماء الأنبياء والأولياء، كما تضم شروحا للمفردات الغريبة نظرا لأنها مجمعة من بيئات مختلفة.
وأوضح أن الموسوعة تعتبر أطلس لأغنيات الطفل الشعبية تبرز من خلالها البيئات والثقافات المختلفة ويظهر فيها التنوع اللغوي والإيقاعي الذي يعبر عن المناطق الجغرافية المتعددة، مشيرا إلى أن الجزء الأكبر منها جمع ميدانيا من أكثر من 20 محافظة على مستوى الجمهورية، والآخر مأخوذ من بعض الكتب، وتم العمل على تلك النصوص وتدوينها وتصنيفها وتكشيفها وتوثيق كل نص بها، موضحة مكان جمعه سواء قرية أو مركز أو محافظة، إضافة إلى توثيق راويه.
وأشار إلى أن الموسوعة يمكن توظيفها بطرق عدة، فالأغنيات يمكن اعتبارها مرشدا للأمهات خلال مراحل تطور الطفل لتربيته تربية موسيقية سليمة، كما تحمل معظم الأغنيات قيما مهمة كالعدل والجمال، وتتضمن علامات مرشدة في القدرة على التعلم كالألوان والأعداد والألعاب وغيرها، كما يمكن استغلالها في تنمية الحس الفني لدى الأطفال من خلال تخيلها ورسمها؛ ما يسهم في حفظ تراث الأجداد وعاداتهم وتقاليدهم ومعرفتهم.
ولفت إلى أنه يمكن الاستفادة من الموسوعة أيضا بتدريسها في كليات التربية وتوظيفها في الغناء وإعادة صياغة أشعار من خلالها، فهي كنز ثمين للرسام والشاعر والموسيقي والمعلم والمربي، وحتى الباحثين في الذاكرة الشعبية يمكنهم الاستفادة منها، معربا عن أمله في أن تصبح الموسوعة مغناة بشكل حديث وباستخدام آلات شعبية للحفاظ على إيقاعها وأدائها المنغم، لنشرها في المجتمع وإعادة إحياء جزء من التراث والهوية.
وأوضح أن الموسوعة نقحت برسومات تخيلية للفنان محمد بغدادي لتكون قريبة من روح النصوص، لافتا إلى أنه تم طباعتها من قبل المركز القومي للطفل للمرة الأولى في عام ٢٠٠٧، ثم أعيد طباعتها في مكتبة الأسرة عام ٢٠١٥، ثم الطبعة الحالية وهي الأولى رقميا والتي يتولاها المجلس الأعلى للثقافة، معربا عن شكره لوزارة الثقافة والمجلس الأعلى للثقافة على إتاحة الموسوعة بشكل إلكتروني مجاني، لحفظ تراث الأجداد والآباء.