أستاذ علم اجتماع: الجفاف الثقافي وغياب التوجيه يفاقمان ظاهرة المحتوى الهابط على "تيك توك"
ما بين بثِّ محتوى مُنافٍ للآداب العامة يتضمّن ألفاظًا خادشة للحياء، وارتكاب جرائم غسل أموال تُقدَّر بملايين الجنيهات، وتعاطي المخدرات، وُجِّهت تهمٌ إلى عدد من صنّاع المحتوى على منصة التواصل الاجتماعي "تيك توك"، وذلك بعد أن ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليهم خلال الأيام الأخيرة.

ورحّب المواطنون بهذه الإجراءات، مؤكدين ضرورة استمرار الحملات لمحاسبة كل من يستغل وسائل التواصل الاجتماعي أداةً لإفساد المجتمع.
ورغم رفض المواطنين لهذا المحتوى، فإنه يواصل التصاعد من حيث عدد المشاهدات، ويحظى بإقبال واسع يضاهي أو يتفوق على المحتوى الهادف الذي يقدم فائدة للمشاهد.
وفي حديث لـ"دار الهلال"، عزت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع، ما وصفته بـ"الجفاف الثقافي" الذي تعاني منه البلاد إلى تراجع دور أولياء الأمور وضعف المنظومة القيمية والتربوية.
وقالت خضر: "ما نشهده حاليًا هو حالة واضحة من الجفاف الثقافي، رغم أن نسبة الشباب في مجتمعنا من بين الأعلى عالميًا. في الماضي، كان لدى الناس إشباع فكري وفني ووطني، وكانت الهوية الوطنية حاضرة في الوعي العام، كما كان هناك شعور بالخوف على الوطن والانتماء له، بحيث كانت أي إساءة أو اعتداء خارجي تثير رد فعل فوري لدى الجميع".
وأضافت: "القيم والمبادئ التي تمسكنا بها في الماضي تراجعت بشكل ملحوظ، فقد كانت المدارس والمعلمون يرسخون القيم، وكنا نتعلم من خلال الفن الراقي والسينما النظيفة والمسرح الجاد، ونجد نماذج وقدوات نفتخر بها، ونحمل إحساسًا بالمسؤولية تجاه المجتمع والوطن".
انفتاح غير منضبط
وأوضحت أستاذ علم الاجتماع، أن الانفتاح غير المنضبط على وسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى المفتوح جعل كل شيء متاحًا بلا رقابة حقيقية، وهو ما بات يعتمد على وعي الفرد وقدرته على التمييز، مشيرة إلى أن غياب متابعة الأمهات ودور الأسرة في التوجيه أسهم في تفاقم الظاهرة.
وأشارت إلى أن الأجيال السابقة كانت تمتلك إحساسًا طبيعيًا بالانتماء، وتبتعد عن تقليد الثقافات الغريبة تقليدًا أعمى، على عكس ما نراه اليوم من انجراف وراء أنماط دخيلة على المجتمع.
"فكثيرًا من الشباب لا يقرأون كتبًا أو صحفًا ولا يتعرفون على رموزهم الثقافية والفكرية، ويقضون معظم وقتهم على الهواتف يتابعون محتوى لا يضيف لقيمهم شيئًا"، كما أضافت.
غياب التوجيه السليم
وأردفت خضر مؤكدة على أن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب التوجيه الثقافي والتربوي السليم، وتراجع القدوة، مما جعل الشباب عرضة للتأثر السريع بالمحتوى السطحي.
وخاتمًا، شددت خضر على أن الحل يكمن في إعادة بناء منظومة القيم والانتماء، وتفعيل دور الأسرة والمؤسسات التعليمية والثقافية لإعادة وعي الشباب بهويتهم ووطنهم.