رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


الرمز عند نجيب محفوظ

12-8-2025 | 14:52


د. إبراهيم خليل إبراهيم

د. إبراهيم خليل إبراهيم

الأديب العالمي نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا، الشهير بـ «نجيب محفوظ»، المولود يوم 11 ديسمبر عام 1911 في حي الحسين بالقاهرة، عاصمة مصر، عاصر خديوية مصر، والسلطنة، والمملكة المصرية، والجمهورية العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية.

ومن ثم، عاش أحداث ثورة 1919 وتبعاتها، وحرب 1948، ثم ثورة 23 يوليو 1952 وإنجازاتها، ثم نكسة 5 يونيو 1967، ثم معارك الاستنزاف، ونصر أكتوبر الذي تحقق عام 1973.

كتب عن الموظفين والروتين، والقهاوي، والحرافيش، والفتوات، والقوة، وهموم الشعب وقضاياه الاجتماعية والسياسية، وغاص في الحارة المصرية التي كانت طريقه إلى العالمية، وفاز بجائزة نوبل في الآداب عام 1988.

وكانت الرمزية في أدب نجيب محفوظ شديدة الخصوصية والتميز، وكان هدفه في المقام الأول الإنسان والوطن. 

وبرغم رحيله إلى دار الخلود يوم 30 أغسطس عام 2006، فإن مؤلفاته -والتي تحوّل معظمها إلى أفلام سينمائية- ما زالت معنا.

وفي قراءة سريعة لأدب نجيب محفوظ نجد أنه قدّم "زهرة"، بطلة رواية ميرامار التي تحولت إلى فيلم بنفس الاسم، وهي فتاة ريفية بسيطة تركت أهلها الذين يصرّون على أن تتزوج من رجل لا تحبه ويكبرها في السن. لكنها تصطدم في عملها بالبنسيون بمجموعة من الرجال الذين يختلفون في جوانب كثيرة: منهم من يساعدها، ومنهم من يحبها، ومنهم من يستغلها.

لكن نموذج زهرة كان لافتًا، إذ إنها – رغم جمالها الفائق – لا تلين ولا تسلّم نفسها، فهي تتمتع بكبرياء وعزة نفس، وتحافظ باستماتة على تقاليدها وعاداتها، ولا تفرّط في مبادئها رغم الإغراءات الكثيرة.

رواية ميرامار تحولت إلى فيلم سينمائي، وكان السيناريو والحوار لممدوح الليثي، وإخراج كمال الشيخ، وبطولة شادية (في دور زهرة)، ويوسف وهبي، ويوسف شعبان، وعماد حمدي، وعبد المنعم إبراهيم، وأبو بكر عزت. عُرض الفيلم في شهر أكتوبر عام 1969م.

وفي رواية زقاق المدق جعل نجيب محفوظ الأديب العالمي "حميدة" -الفتاة الفائقة الجمال- بطلة الرواية، وهي فتاة ناقمة على حياتها، تتمنى أن تهرب لتعيش في عالم آخر يلبي أحلامها غير المحدودة. تحاول الإيقاع بالرجال مستغلة أنوثتها، وتقع بعبّاس في شباكها، ذلك الذي يحملها على يديه في نهاية القصة، حيث تموت حميدة في النهاية.

رواية زقاق المدق تحولت إلى فيلم سينمائي، وكان السيناريو والحوار لسعد الدين وهبة، وإخراج حسن الإمام، وبطولة شادية (في دور حميدة)، ويوسف شعبان، وصلاح قابيل، وحسن يوسف، وسامية جمال، وعقيلة راتب. عُرض في شهر سبتمبر عام 1963م.

كما قدّم الأديب العالمي نجيب محفوظ في روايته القاهرة الجديدة شخصية "محجوب عبد الدايم"، الموظف الانتهازي المتسلق الذي ينسف كل القيم، ولا يعترف بفضيلة أو شرف. هذه الشخصية التي لا ترى غير نفسها، وتسخر من كل ما عداها، ظلت علامة على الموظف الانتهازي، الذي يستعين بكل الطرق والوسائل – بغض النظر عن شرعيتها – للوصول إلى غايته.

تحولت الرواية إلى عمل سينمائي بعنوان القاهرة 30، وكان السيناريو والإخراج لصلاح أبو سيف، وبطولة سعاد حسني، وأحمد مظهر، وحمدي أحمد (في دور محجوب عبد الدايم)، ويوسف وهبي، وعبد المنعم إبراهيم، وشفيق نور الدين، وتوفيق الدقن. عُرض في أكتوبر عام 1966م.

ونجد "عيسى الدباغ"، البطل في السمان والخريف، يضج بالأمل والطموح، ويتمنى أن يصبح نجمًا سياسيًا، فيتحقق له ما أراد بسرعة، ويتوقع له الجميع أن يصبح وزيرًا. غير أن ثورة 1952 تغيّر كل شيء، وتتغيّر ملامح حياته تمامًا، وتبدو مترنحة حتى نهايتها، إذ يفقد كل شيء تقريبًا.

تحولت رواية السمان والخريف إلى فيلم سينمائي، كتب السيناريو والحوار أحمد عباس صالح، وبطولة نادية لطفي، ومحمود مرسي (في دور عيسى الدباغ)، وعبد الله غيث، وليلى شعير، وعادل أدهم، ونعيمة وصفي، وإحسان القلعاوي. عُرض الفيلم في فبراير عام 1967م.

أما "أنيس زكي"، الموظف خائب الأمل، والشارِد دائمًا، واللامبالي بأي شيء حوله، فهو بطل رواية ثرثرة فوق النيل، وقد تحول إلى أيقونة ورمز للتعاسة واللامبالاة. كتب تقريرًا كاملًا ورفعه لمدير المصلحة، لكنه لم يحتوِ إلا على سطر واحد. بدأ الكتابة وسرعان ما نفد الحبر، لكن أنيس استمر في الكتابة.

أنيس غارق طوال يومه في الحشيش والخمور، لا يكاد يفيق، ويتولى تحضير جلسات الأصدقاء الذين يشاركونه عدم الاكتراث.

هذه اللامبالاة كانت حالة عامة نتجت عن هزيمة يونيو 1967.

رواية ثرثرة فوق النيل تحولت إلى فيلم سينمائي، سيناريو وحوار ممدوح الليثي، وإخراج حسين كمال، وبطولة أحمد رمزي، وماجدة الخطيب، وميرفت أمين، وعماد حمدي (في دور أنيس زكي)، وعادل أدهم، وسهير رمزي، وعايدة الشاعر.

عُرض الفيلم في 15 نوفمبر عام 1971م.

كما كتب نجيب محفوظ رواية الحرافيش، وهي رواية أجيال، حيث يشب حريق في بيت "سليمان الناجي"، فتوة الغلابة، بسبب "رضوانة" زوجة ابنه البِكري "بكر"، التي تقع في غرام شقيقه "خضر". وعندما يكتشف بكر ذلك، يحاول قتل شقيقه ويتهمه بالخيانة، لكن خضر البريء يرفض الاتهام ويهرب.

تحولت الرواية إلى فيلم، سيناريو وحوار أحمد صالح، وإخراج حسام الدين مصطفى، وبطولة محمود ياسين (في دور سليمان الناجي)، وصفية العمري، وممدوح عبد العليم (في دور بكر)، وليلى علوي (في دور رضوانة)، وصلاح قابيل، وسوسن بدر، وإبراهيم الشرقاوي (في دور خضر).

وقد عُرض الفيلم في شهر فبراير عام 1986م.

أما الجزء الأخير من رواية الحرافيش فقد تحوّل إلى فيلم سينمائي بعنوان "التوت والنبوت"، وتركزت أحداثه في منطقة القاهرة القديمة، وفي عصر الفتوات والحرافيش، حيث يفرض الفتوة حسونة السبع إتاوات كبيرة على أهل الحي، ويبالغ في اضطهادهم وإذلالهم. ويضطهد حسونة أسرة عاشور الناجي، التي تتقلب أحوالها بين الغنى والفقر الشديد، ويجبره على تطليق زوجته ومغادرة الحي.

ثم يحاول إجبار والدها والمأذون على تزويجها له قبل انقضاء فترة العدة، لكن عاشور يقف في مواجهة الظلم، ومعه أهل الحي المطحونون.

فيلم التوت والنبوت من إخراج نيازي مصطفى، وبطولة عزت العلايلي (في دور عاشور الناجي)، وسمير صبري، وتيسير فهمي، ومحمود الجندي، وسميرة صدقي، وحمدي غيث (في دور المعلم حسونة)، وأمينة رزق، ومنى السعيد، وصلاح نظمي، وآمال رمزي، وأحمد عقل.

وقد عُرض الفيلم في شهر يناير عام 1986م.

تُعدّ ثلاثية الأديب العالمي نجيب محفوظ من أهم أعماله، وقد أدرجها اتحاد كتاب العرب ضمن أفضل مئة رواية عربية في تاريخ الأدب العربي. وهي سلسلة من ثلاث روايات: بين القصرين (1956م)، وقصر الشوق (1957م)، والسكرية (1957م أيضًا).

سُميت كل رواية على اسم الحي الذي تدور فيه أحداث الرواية، وقد حظيت باهتمام كبير، ولاقت قبولًا واسعًا في الأوساط الأدبية والثقافية والنقدية، ووضعت نجيب محفوظ ضمن أفضل الكُتاب العرب والعالميين.

تدور الثلاثية حول عدة أجيال مصرية خلال النصف الأول من القرن العشرين.

فتبدأ أحداث رواية بين القصرين قبيل ثورة 1919 في شارع "بين القصرين" التابع لحي الجمالية في منطقة الحسين بالقاهرة.

وتتناول الرواية حياة السيد أحمد عبد الجواد، وهو رب أسرة يتميز بشخصية قوية ومتزمتة، ويعد المسؤول الوحيد في عائلته التي تتكوّن من زوجته وأبنائه: ياسين، وفهمي، وكمال، وابنتيه: خديجة وعائشة.

يُعد السيد أحمد عبد الجواد من التجار الأثرياء في الحي، ويُسيطر على أسرته بشكل كامل، كما يظهر أمامهم بثوب الرجل التقي قوي الإيمان، لكنه في الحقيقة يزور الملاهي ويصحب الغانيات.

ومع ذلك، فإن حياته هذه لا تتناقض -حسب معتقده- مع إيمانه.

وفي هذه الرواية، يزوج السيد أحمد ابنه ياسين المنحل مثله، ويزوج ابنته عائشة من ابن جارهم ذي الأصول التركية.

وتندلع أحداث ثورة 1919، ويُستشهد ابنه فهمي فيها.

أما رواية قصر الشوق فتدور أحداثها بعد وفاة فهمي وقيام الثورة، وتتابع قصة حياة عائلة السيد أحمد عبد الجواد.

يشب كمال، الابن الأصغر، ويتهيأ للالتحاق بالجامعة، لكنه يرفض دراسة الحقوق، ويفضل دخول دار المعلمين لحبه في الفلسفة والعلوم والآداب.

وفي هذه الرواية، يتم التركيز على حياة ابنتَي السيد أحمد: خديجة وعائشة، اللتين انتقلتا مع زوجيهما إلى قصر الشوق.

كما ينتقل ياسين إلى البيت الذي ورثه من أمه في قصر الشوق أيضًا، بعد أن يتزوج مرة ثانية من عشيقة والده السابقة.

قصر الشوق هو أحد شوارع منطقة الجمالية، وكان القصر قديمًا ملكًا للأمراء أو الأغنياء، وهذه الشوارع ما هي إلا دهاليز في القصر.

وتنتهي أحداث هذا الجزء من الثلاثية بموت الزعيم سعد زغلول.

تبدأ رواية السكرية بحزن عائشة على موت زوجها وأولادها بمرض التيفوئيد، وتبقى لها ابنتها نعيمة التي تعيش من أجلها.

بينما تفرح خديجة بولديها عبد المنعم وأحمد بعد تخرجهما من الجامعة وزواجهما. غير أن أحمد يبتعد عن الدين ويترك الصلاة وينضم إلى الحزب الشيوعي، بينما ينضم عبد المنعم إلى جماعة الإخوان المسلمين بعد أن يرتكب الخطيئة مع جارته، ويدخل السجن في نهاية الرواية.

الرمز المصري والعربي والعالمي نجيب محفوظ ستظل أعماله خالدة خلود التاريخ، وستظل الرمزية في أدبه مرجعًا لمن يريد تعلم التاريخ والأدب.

وقبل أن نفترق، نقدم الرحمات على روح "النجيب" ... نجيب محفوظ.