سلام من ورق.. نوبل ترامب تتعثر على دماء غزة
«أنا الذي جئت لكم بالسلام».. تلك هي الرسالة التي يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إيصالها في ولايته الثانية، على أمل أن تمهّد له الطريق للفوز بجائزة «نوبل للسلام»، في مسعى معلن يلاحقه عبر إبرام اتفاقيات سلام بين دول أنهكتها الحروب لسنوات، وربما لعقود.
وبعد أن نجح ترامب في إخماد التوتر بين باكستان والهند، وإبرام اتفاقية سلام بين الكونغو ورواندا، ثم بين أذربيجان وأرمينيا، فضلًا عن تسوية النزاع الحدودي بين كمبوديا وتايلاند، بالإضافة إلى جهوده الحثيثة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية بأي ثمن، يرى أن الفوز بالجائزة الشهيرة لم يعد سوى مسألة وقت.
غير أن ترامب، وهو يسعى وراء هذا الهدف، يتجاهل أن بلاده تموّل البارود الذي يُباد به الفلسطينيون في قطاع غزة، وأن سياسته القائمة على تقديم الدعم «اللامحدود» لإسرائيل ساهمت في تأجيج الأزمة بدل حلّها.
كما يتغافل عن أن إنهاء الإبادة في غزة –حيث قُتل أكثر من 60 ألف فلسطيني في حرب تقترب من عامها الثاني– لا يحتاج سوى إلى ممارسة ضغط فعلي على إسرائيل في إطار العملية التفاوضية، لا تهيئة الأجواء لتنتزع عبر المفاوضات ما عجزت عن تحقيقه ميدانيًا، بما يقضي على ما تبقى من حقوق الشعب الفلسطيني.
ويحمل ترامب في رقبته دماء نحو 10 آلاف فلسطيني قتلتهم إسرائيل، بضوء أخضر منحته لها إدارته لاستئناف حرب الإبادة في غزة، في 18 مارس الماضي، مُنقلبة بذلك على اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُبرم في يناير الماضي، بوساطة شاركت فيها الولايات المتحدة.
كما اضطلعت الولايات المتحدة، بقيادة ترامب، بدور رئيسي في إنشاء مؤسسة «غزة الإنسانية»، التي وُظفت كأداة لقتل الفلسطينيين الجوعى في القطاع، في جريمة غير مسبوقة.
وتكفي وصمة العار لـ«ترامب» أن يكون أحد من رشحه لنيل هذه الجائزة مجرم الحرب المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية، إثر جرائمه في غزة، رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، الذي سلّمه خطاب الترشيح في البيت الأبيض الشهر الماضي، مكافأةً له على دعمه لمواصلة حرب الإبادة في غزة.
مهزلة دولية
«المهزلة الدولية الكبرى».. هكذا علّق الدكتور محمد محمود مهران، الخبير البارز في القانون الدولي، على الحديث عن ترشح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام، مؤكدًا أن محاولة تقديم ترامب كرجل سلام في ظل دعمه المباشر والصريح للإبادة الجماعية في غزة تمثل إهانة بالغة لضمير الإنسانية، وتدنيسًا لذكرى ملايين الضحايا الأبرياء الذين سقطوا تحت وطأة العدوان الإسرائيلي بدعم أمريكي لا محدود.
وفنّد أستاذ القانون الدولي، في حديثه لـ«دار الهلال»، بعض المزاعم المتعلقة بجهود الرئيس دونالد ترامب في إحلال السلام على الصعيد الدولي، مؤكدًا أن ما يُسمّى باتفاق السلام بين أرمينيا وأذربيجان، الذي جرى توقيعه مؤخرًا في البيت الأبيض، لا يعدو كونه صفقة اقتصادية مقنّعة تهدف إلى تأمين حقوق حصرية لتطوير ممر ترانزيت استراتيجي يحمل اسم «ترامب».
وكشف أن هذا الاتفاق لم يحل الصراع الحقيقي بين البلدين، بل فرض واقعًا جديدًا يخدم المصالح الأمريكية على حساب حقوق الشعب الأرمني الذي تعرض للتهجير القسري من أراضيه التاريخية.
أما في شأن الحديث عن جهود ترامب لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، فيؤكد مهران أنه يفتقر للمصداقية التامة، خاصة أن سياساته الخارجية تتسم بالازدواجية الفاضحة، حيث يدّعي السعي للسلام في منطقة ويدعم الحرب والدمار في منطقة أخرى.
وشدد على أن ترامب هو أحد الأسباب الرئيسية وراء الحروب والأزمات الحالية، خاصة الكارثة الإنسانية في غزة التي تشهد أبشع جرائم الإبادة الجماعية في التاريخ المعاصر.
وبحسب «مهران»، فإن خطابات ترامب المستمرة تحض على العدوان والكراهية ضد الشعوب العربية والإسلامية، وتشجع الكيان الصهيوني على مواصلة جرائمه ضد الشعب الفلسطيني.
وأشار إلى أن دعم ترامب اللامحدود لإسرائيل، وتوفيره الأسلحة الفتاكة التي تستخدم في قتل الأطفال والنساء الأبرياء في غزة، يجعله شريكًا مباشرًا في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وليس مرشحًا لجائزة السلام.
شريك في الإبادة
وأكد الدكتور مهران أن القانون الدولي واضح وصريح في تعريف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فوفقًا لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن كل من يدعم أو يحرض على ارتكاب هذه الجرائم يُعتبر شريكًا فيها ويجب محاسبته، مشيرًا إلى أن ما يقوم به ترامب من دعم مطلق لإسرائيل في حربها الإبادية ضد غزة يضعه في خانة المتهمين وليس في خانة المرشحين لجوائز السلام.
وانتقد بشدة محاولات بعض القادة الدوليين ترشيح ترامب لنوبل السلام لأغراض سياسية ضيقة، مؤكدًا أن هؤلاء القادة يسعون لكسب ود الإدارة الأمريكية على حساب القيم الإنسانية والأخلاقية، مشيرًا إلى أن جائزة نوبل للسلام يجب أن تُمنح لمن يعمل حقًا من أجل السلام والعدالة وحقوق الإنسان، وليس لمن يدعم الحروب والقتل والدمار.
ويرى «مهران» أن منح ترامب جائزة نوبل للسلام في ظل دعمه للإبادة الجماعية في غزة سيكون بمثابة وصمة عار أبدية على جبين هذه الجائزة العريقة، وسيفقدها مصداقيتها التاريخية إلى الأبد.
واختتم مؤكدًا أن التاريخ سيذكر بالخزي والعار كل من ساهم في تبرئة مجرمي الحرب وتقديمهم كرجال سلام، بينما الدماء البريئة للأطفال والنساء الفلسطينيين ما زالت تسيل في شوارع غزة المدمرة.
عار على العالم
ومن جانبه، أكد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني، أن موضوع ترشيح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام يأتي رغم أن سجله الفعلي في قضايا المنطقة لا يعكس أي إنجازات حقيقية في مسار السلام، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي.
وأوضح «الرقب» في حديثه لـ«دار الهلال» أن ترامب يزعم أنه لعب دورًا في وقف الحرب بين الهند وباكستان، وكذلك بين إيران وإسرائيل، بل ويقول إنه أوقف المواجهة بين إثيوبيا ومصر، مؤكدًا أن هذا «أمر مبالغ فيه».
وأضاف أن كل ما يثيره ترامب بشأن جهوده لحل الأزمة في قطاع غزة «غير صحيح»، مشيرًا إلى مؤسسة «غزة الإنسانية» التي تروج لها الولايات المتحدة كمنظومة لإطعام الفلسطينيين، رغم أنها في حقيقة الأمر وسيلة لقتلهم.
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية أن ترامب لن يحصل على جائزة نوبل للسلام، إذ لا توجد له أي بصمات حقيقية في مسار السلام سواء في المنطقة أو على مستوى العالم، مشددًا على أنه يحاول الإيحاء بأنه صاحب إنجازات، لكن الواقع يقول غير ذلك.
وحال منح ترامب هذه الجائزة، اعتبر الدكتور أيمن الرقب أن ذلك سيكون بمثابة «عار على العالم»، في ظل ما تسبب به من معاناة للشعب الفلسطيني، الذي يراه مسؤولًا بشكل مباشر عن استمرار هذه المأساة.
وأشار إلى أن الرسائل التي بعثها ترامب منذ ديسمبر الماضي بشأن تحويل المنطقة إلى جحيم، وهو ما تحقق على الأرض، تجعله شريكًا مباشرًا في الإبادة، لا سيما بعد أن منح لإسرائيل شحنات أسلحة كانت إدارة الرئيس السابق جو بايدن –ليس تبرئة لساحته– قد منعتها.
ولفت إلى أنه بالإضافة إلى ذلك، لم يمارس ضغوطًا جادة على رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف الحرب، بخلاف ما حصل حين تلقت إسرائيل ضربات قاسية من إيران، حيث عمل على وقف الحرب بعد أن قام «بإخراج مسرحي» قصف فيه المنشآت النووية الإيرانية، على حد قوله.
ولكن في الملف الفلسطيني –كما يضيف «الرقب»– لم يقم بأي جهد مماثل، بل كان يقول إن ما يجري شأن إسرائيلي بحت، وحتى اليوم، لا يخرج عنه إلا خطاب التهديد للشعب الفلسطيني، محاولًا اختزال القضية في إطار إنساني بحت، على أنها مسألة مساعدات غذائية أو إنسانية، بينما هي في حقيقتها قضية سياسية تتعلق بحقوق شعب يتعرض لعملية تطهير عرقي ممنهجة، وهي جريمة سياسية وليست إنسانية.