رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


قراءة في كتاب "نجيب محفوظ في عيون العالم"

16-8-2025 | 10:25


د. محمود أحمد نحلة

د. محمود أحمد نحلة

في 1989 وهو العام التالي لفوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب كتابا باللغة الإنجليزية احتفاء بفوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل عنوانه:  «Naguib Mahfouz, Nobel 1988: Egyptian Perspectives»

وكان الهدف منه تقديم وجهات نظر مصرية كتبها نقاد ومبدعون مصريون، ترجم منها ما كتب بالعربية إلى الإنجليزية ترجمة رفيعة المستوى موجهة إلى الناطقين باللغة الإنجليزية. وقد قام على تحرير هذا الكتاب شيخ المترجمين محمد عناني، وكتب سمير سرحان تصديرا لهذا الكتاب، تَلَتْه أقسام ثلاثة:  

القسم العربي فيه مقابلة أدبية طويلة بين فؤاد دوارة ونجيب محفوظ، ومقالات نقدية عربية مترجمة إلى الإنجليزية تحمل وجهة نظر نقاد أعلام في أدب محفوظ من خلال تحليلات شديدة العمق والثراء، هم: يحيى حقي، وسامي خشبة، وجمال الغيطاني، وعلي الراعي، وإبراهيم عامر، وبدر الدين أبو غازي، ونيفين غراب، ونهاد صليحة وشارك في هذا القسم محرر الكتاب محمد عناني ببحث طويل قدم فيه رؤية لجماليات لغة نجيب محفوظ وبلاغتها الجديدة. 

وجاء القسم الثاني دراسات نقدية مترجمة إلى الإنجليزية تحمل وجهات نظر في عدد من روايات محفوظ، كتبها طه حسين، ولطيفة الزيات، وصلاح عبد الصبور، وغالي شكري، ومحمود أمين العالم، وإنجيل بطرس سمعان، وفاطمة موسى، وملك هاشم، وسلوى كمال، ومنى حسين مؤنس. 

والقسم الثالث ببليوجرافيا عن أعمال محفوظ المترجمة إلى اللغة الإنجليزية، وما كتب عنه باللغة ذاتها، أعدها ماهر شفيق فريد. 

ويعد كتاب "نجيب محفوظ في عيون العالم" استكمالا للكتاب السابق؛ تكتمل به وجهات النظر النقدية والتحليلية لأدب نجيب محفوظ، إذ تضمن وجهات نظر عالمية بعضها مترجم عن لغات أوروبية إلى العربية وبعضها مكتوب أصلا بالإنجليزية، وبعضها اختصت به هذه الطبعة احتفاء به بمناسبة بلوغ محفوظ التسعين من عمره. وقد صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عام ٢٠٠٢، وقام على تحريره محمد عناني وماهر شفيق فريد اللذان كان لهما إسهام متميز في الكتاب الأول. والكتاب بقسميه العربي والإنجليزي ثروة لا تقدر بثمن؛ لأنه يجمع بين تلقي المصريين لأدبه، وتلقي الغربيين له، قبل نوبل وبعدها، وما كان لنوبل من أثر في احتفاء غير المصريين به؛ ترجمةً لرواياته وقصصه القصيرة وبعض مسرحياته، ونقدا وتحليلا لها يكشف عن صورة أدبه في المرآة العربية التي أفضت إلى مقارنته بكبار الروائيين في العالم أمثال تولستوي، ودستويفسكي، وألبير كامو، وبلزاك، وتشارلز ديكنز، وقراءته أحيانا في ضوء نظريات باختين، وفوكو، ولاكان.

وقد قامت مؤسسة هنداوي بإعادة نشر هذا الكتاب عام ٢٠٢٤ فجاء القسم الأول باللغة العربية في ١٣٥ صفحة وهو القسم الذي يحتوي على وجهات نظر غربية مترجمة إلى العربية، والقسم الثاني باللغة الإنجليزية جاء في ٧٣ صفحة.

أولا: القسم العربي

اشتمل هذا القسم على تقديم لمحمد عناني، وتصدير لسمير سرحان، وثلاثة محاور: الأول بعنوان "نماذج من النقد الغربي المعاصر" ترجم فيه محمد عناني ثلاث مقالات من الإنجليزية إلى العربية. والثاني بعنوان "نجيب محفوظ بين الشرق والغرب" جمع فيه ماهر شفيق فريد ست مقالات كان قد نشر خمسا منها في مجلات مصرية، والسادسة كانت ملحوظات نقدية عن ثلاث رسائل جامعية شارك في مناقشتها. والثالث عنوانه "في فكر نجيب محفوظ وفنه" جمع فيه ماهر شفيق فريد ست مقالات نقدية أخرى عن أدب نجيب محفوظ، كان قد نشرها في مجلات وصحف مصرية؛ ما عدا واحدة نشرت في مجلة الآداب ببيروت.

جاء تقديم محمد عناني حديثا عاما عن الترجمة والمترجم يُذكّر بما جاء في كتابه فن الترجمة، ولا تظهر له صلة بنجيب محفوظ، وأشار سمير سرحان في تصديره إلى أن هذا الكتاب جاء استكمالا للكتاب الذي أصدرته الهيئة باللغة الإنجليزية احتفاء بحصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل عام ١٩٨٩ وليكون هدية له في عيد ميلاده التسعين، ولفت إلى تطور النظرة إلى أدب نجيب محفوظ - قبل نوبل وبعدها - من كاتب عربي إلى واحد من أعمدة الأدب الإنساني في العالم، وألمح إلى بعض ما قام به الدارسون الغربيون من مقارنة بينه وبين عمالقة الأدب في القرن العشرين في العالم؛ تعطيه حقه من التميز، والتفرد، والنبوغ.

وفي المحور الأول أورد محمد عناني ثلاث ترجمات لثلاث مقالات من الإنجليزية إلى العربية: 

الأولى بعنوان "قسوة الذاكرة" لإدوارد سعيد. ويبدو أن الرجل قد استعار عنوان مقالته من عبارة لنجيب محفوظ وردت في أصداء السيرة الذاتية (١٩٩٤) هي: "إن قسوة الذاكرة تتجلى في التذكر كما تتجلى في النسيان". وقد حاول في هذه المقالة أن يكشف عن الوسائل الفكرية والأدبية التي ميزت أدبه، وأهمها لغته  المتقنة، وتصويره الجذاب لحياة الطبقة المتوسطة الدنيا في القاهرة، فضلا عن رؤية عامة تنتظم كل شيء لا تكاد تختلف عن رؤية دانتي التي تجمع بين الواقع الدنيوي والمطلق السرمدي، وارتباطه الوثيق بتاريخ وطنه، وتنوع إنتاجه، وطرائق عرضه بين واقعية، وحداثية، وطبيعية، ورمزية، وعبثية، والكشف عن الصور المادية لتوزيع السلطة، وقدرته على تجسيد الأفكار في شخصياته وأنماط سلوكها إلى الحد الذي تختفي فيه كل الأفكار النظرية. يضاف إلى ذلك إيمانه ببلده مصر؛ إذ يراه بلدا لا نظير له في العالم؛ فيصوره زاخرا، مشحونا، ذا حيوية باهرة، بقدرته الفريدة على دقة التصوير، وجاذبيته، وحسه المرح.

والمقالة الثانية عنوانها: "ترجمات نجيب محفوظ" للناقد الأمريكي روجر ألن، قسم فيها أعمال نجيب محفوظ إلى مرحلتين الأولى قبل نوبل والثانية بعدها. فأما الترجمات التي قبل نوبل فقد بدأت بمبادرة فردية قام بها تريفور لوجاسيك لترجمة رواية "زقاق المدق"، وقد أبرزت الترجمة خصائص الفن الروائي عند نجيب محفوظ في ذلك الوقت، ورأى ألن أن هذه الترجمة لا تزال أقرب الترجمات تمثيلا لنجيب محفوظ. 

 وكان العمل الثاني ترجمة مختارات من القصص القصيرة قام بها روجر ألن وعاكف أبادير المصري الذي كان يعد رسالة للدكتوراه عن نجيب محفوظ. وكان الهدف من الترجمة كما يقول ألن هو إبراز تطور الصنعة الفنية في قصص نجيب محفوظ القصيرة، والموضوعات التي دأب على تناولها، وأهمها غربة الإنسان في العصر الحديث، والبحث عن السلوة، ودور الدين في المجتمع، والطغيان، وطبيعة الحاكم العادل. 

ثم تلا ذلك ترجمة إلى أجزاء من "المرايا" ظهرت بالعنوان نفسه بالإنجليزية عام ١٩٧٢مجسدة خصائص أسلوب نجيب محفوظ الذي يميل إلى القصد في التعبير؛ دون أن يفقد قدرته على الفكاهة الساخرة.

وذكر ألن أن الجامعة الأمريكية بالقاهرة كانت قد وضعت عام ١٩٧٢خطة لترجمة ثماني روايات لنجيب محفوظ، لم تظهر أولاها وهي ميرامار إلا عام ١٩٧٨، وتلتها أولاد حارتنا ١٩٨١بعنوان أولاد الجبلاوي،  واللص والكلاب عام ١٩٨٤.  ثم تراخت الجامعة الأمريكية في الاهتمام بباقي الترجمات.

وفي المرحلة الثانية التي تلت حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل تغير الموقف تغيرا كبيرا؛ فخضعت الترجمة للتنظيم الدقيق، وحسن الاختيار لما يترجم، والاهتمام بتسويق الترجمات، وفي هذه المرحلة ظهرت ترجمة كاملة لثلاثية نجيب محفوظ ( ١٩٩٠- ١٩٩٢) مصقولة النصوص، بالغة الإمتاع للقارئ الإنجليزي.

ثم تدفقت بعد ذلك الترجمات بدءا من العام ١٩٩٢ أبرزها ترجمة ثرثرة فوق النيل إلى الفرنسية فالترجمة الإنجليزية لها عام ١٩٩٣ 

وجدير بالذكر أن لجنة نوبل لم تجد ترجمة كاملة للثلاثية؛ فاستعاضت عنها بأولاد حارتنا التي أثارت اهتمام القراء الغربيين المتطلعين إلى معرفة كاتب جديد مجهول.

والمقالة الثالثة عنوانها " نجيب محفوظ يخلق تاريخا أسطوريا"، لريتشارد داير

في هذه المقالة بين داير أن نجيب محفوظ حين فاز بالجائزة لم يكن يعرفه أحد في أمريكا؛ لكن بعد نوبل أصدرت له دار نشر أمريكية ١٦ عملا مترجما إلى الإنجليزية، وبيع من الثلاثية ربع مليون نسخة. ورأى أن الحرافيش استكمال للثلاثية، بل هي في ذاتها ثلاثية، إذ يمتد تاريخ الأحداث فيها ٨٠٠ سنة، يعمد نجيب محفوظ في كتابتها إلى أسلوب الأسطورة أو القصة الرمزية؛ لكن لها  تأثيرا كتأثير أعمق صور الواقعية، كما يقول داير، بسبب العمق البالغ الناتج عن فهم نجيب محفوظ العميق للنفس الإنسانية وتاريخ البشرية.

وفي المحور الثاني الذي يحمل العنوان "نجيب محفوظ بين الشرق والغرب" جمع فيه ماهر شفيق فريد ست مقالات كان قد نشرها في مجلات مصرية:

 الأولى عنوانها "محفوظ في الإنجليزية"، وهي كما قال: مقالة ببليوجرافية كتبت قبل حصول محفوظ على نوبل وتنتهي هذه القائمة الببليوجرافية بعام ١٩٨٢. على أنه في هذه المقدمة لم يكتف بسرد لأعماله بل صنفها، وضم إليها نظرات نقدية  ثاقبة، وتقويما لعدد منها، في عبارات موجزة جامعة لأهم ما أضافه محفوظ من ثروة فكرية، وأدبية، ولغوية. وفي هذه المقالة تحدث عن نجيب محفوظ من زاويتين: الأولى تعداد ما ترجم من أعماله حتى عام ١٩٨٢، والثانية عرض أهم ما كتب عنه بالإنجليزية مصنفا. وقد أنهى المقالة بثلاث ملحوظات:

الأولى: أن ما ترجم من أعمال نجيب محفوظ في هذه المرحلة قليل جدا لا يتناسب مع غزارة إنتاجه.

الثانية: أن من الأفضل دائما أن يشارك في ترجمة العمل الواحد اثنان: أحدهما من أبناء العربية والثاني من أبناء الإنجليزية، وأن يقدم للترجمة واحد من كبار النقاد الغربيين على النحو الذي قدم به جون فاولز لترجمة " ميرامار"

الثالثة: أنه يجمل بوزارة الثقافة أو المجلس الأعلى للثقافة ترغيب الناشرين الأجانب في ترجمة أعمال نجيب محفوظ، ونشرها في سلاسل واسعة الانتشار مثل بنجوين؛ إيمانا بأن الأدب المصري يضيف إلى البشرية. 

والمقالة الثانية عنوانها: "محفوظ مترجما إلى اللغة الإنجليزية" عرض فيها ماهر شفيق فريد لثلاثة كتب صدرت بالإنجليزية عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. الأول ترجمة ملك هاشم لرواية "يوم قُتلَ الزعيم"، والرواية تتخذ من هذا اليوم موضوعا لها. والثاني مسرحيات ذات فصل واحد ترجمتها نهاد صليحة، ووضعت لها مقدمة ضافية أوضحت فيها أن نجيب محفوظ لا يمسرح حيرته وهمومه فحسب؛ بل وعي شعب بأكمله. والثالث مجموعات نقدية بعنوان "نجيب محفوظ، منظورات نقدية" وهو الكتاب الذي نوهت به في مقدمة هذا العرض.

والمقالة الثالثة عنوانها "محفوظ في مرآة النقد الإنجليزي"، رأي فيها الكاتب أن الكتابات التي كتبها نقاد عرب باللغة الإنجليزية لا تمثل المنظور الإنجليزي، إنما هو منظور عربي أداته إنجليزية؛ ولهذا اقتصر في هذه المقالة على نقاد لغتهم الأصلية الإنجليزية؛ لتقديم صورة أكثر صدقا لمحفوظ في النقد الإنجليزي، ومن أهم هؤلاء النقاد دنيس جونسون- ديفيز، وروجر ألن، وفرانسيس ليارديت. وحدد ثلاث صور لمحفوظ في مرآة النقد الإنجليزي: الأولي صورة الماسح الاجتماعي، والثانية صورة المحلل النفسي، والثالثة صورة المفكر الفلسفي، ثم أضاف إليها رابعة هي صورة الصانع التقني، وأدواته التي توسل بها إلى نقل رؤيته. وأورد أمثلة من كتابات النقاد الإنجليز بعضها يركز على البعد الاجتماعي، وبعضها على البعد السياسي، وبعضها على البعد السيكولوجي، وبعضها على الفكر الفلسفي والديني، وبعضها على البعد اللغوي والأسلوبي.

والمقالة الرابعة عنوانها "أفراح القبة" عرض فيها ماهر شفيق فريد لمقالة كتبتها نانسي وذرسبون حللت فيها رواية أفراح القبة بعد أن ترجمت إلى الإنجليزية، وانتهت إلى أن عنوان الرواية يقصد به حفلات الزفاف التي كانت تقام في قصر القبة الذي كانت تسكنه العائلة الخديوية، وقالت عن الرواية  "علي الرغم من نغمتها المكتئبة على نحو عميق فإنها تتغنى بأفراح الفن وقدرته على انتشال الإنسان من وهدة القنوط".

والمقالة الخامسة عنوانها "البحث عن المعنى" عرض نقدي لكتاب رشيد العناني " نجيب محفوظ، البحث عن المعنى". في هذا الكتاب عرض منهجي لحياة نجيب محفوظ، وبيئته، والمؤثرات المحلية والأجنبية في أدبه، وعناصر فكره، وتقنياته، وعناصر صنعته الكتابية. ويؤكد فيه مؤلف الكتاب عناصر الاستمرار في أعمال نجيب محفوظ من حيث الخيوط الفكرية، والتقنيات الفنية على سواء، ويبرز رفض محفوظ قوالب القصة الغربية بعد تلمذة باكرة لها. 

والمقالة السادسة الأخيرة في هذا المحور عنوانها "رسائل جامعية باللغة الإنجليزية"  عرض فيها  ماهر شفيق فريد ثلاث رسائل واحدة للدكتوراه، واثنتين للماجستير. نوقشت إحدى رسالتي الماجستير في جامعة عن شمس، والأخريان في جامعة القاهرة. الرسالة التي نوقشت في عين شمس لا علاقة لها بنجيب محفوظ، ورسالة الدكتوراه كانت عن "نجيب محفوظ من منظور النقد الإنجليزي" ورسالة الماجستير التي نوقشت في جامعة القاهرة كان عنوانها "الشحاذ والطريق. دراسة أسلوبية مقارنة"، وقد عُرضت فصول هذه الرسائل عرضا نقديا مفصلا لأن الكاتب فيما يبدو كان عضوا في مناقشة كل منها.

 أما المحور الثالث فكان عنوانه " في فكر نجيب محفوظ وفنه" قدم فيه ماهر شفيق فريد ست مقالات أيضا، كانت كلها عروضا نقدية مفصلة لعدد من روايات نجيب محفوظ؛ مقرونة أحيانا بتأصيل تاريخي مقارن، ما عدا المقالة الثالثة التي كانت عرضا نقديا لما جاء في كتاب نبيلة إبراهيم " نقد الرواية" عن رواية حضرة المحترم.

المقالة الأولى كانت عن "اللص والكلاب" التي آثر نجيب محفوظ أن يديرها كلها على المونولوج الداخلي لبطل الرواية، وكان الهدف الذي سعى إلى تحقيقه هو إدانة المستغلين وبناء المجتمع الاشتراكي الديمقراطي التعاوني. 

والثانية كانت عن رواية " زعبلاوي" الذي جعله محفوظ رمزا شفافا للذات الإلهية والبحث عنها، ومزج فيها بين الفكر والعاطفة، وكانت وجهته فيها مغرقة في الصوفية؛ حيث استعاد فيها العشق الإلهي، والوجد، ووحدة الوجود، وكان التوتر القائم بين الشك والوجود هو خلاصة هذه الرواية.

والثالثة كانت تحليلا نقديا للدراسة التي قامت بها نبيلة إبراهيم في كتابها "نقد الرواية" لرواية "حضرة المحترم" التي كانت من المحاولات الأول لتطبيق المنهج اللغوي الأسلوبي على عمل روائي عربي.

والرابعة كانت تحليلا نقديا لـ "روايات محفوظ في السبعينيات" التي كانت من أخصب المراحل في مسيرته كما وكيفا، انتهى فيها ماهر شفيق فريد إلى أن "هذه الروايات أكمل سجل للأوضاع النفسية، والاجتماعية، والسياسية، للإنسان المصري في ذلك العقد، وما سبقه من عقود".

والخامسة كانت بعنوان "الرجل الذي نقل فن القص العربي إلى آفاق الفكر الفلسفي" رأى فيها ماهر شفيق فريد أن الإنجاز الأكبر عند محفوظ هو نقل فن القص العربي إلى آفاق الفكر الفلسفي، وقدم سبعة أمثلة من أدب محفوظ على صحة دعواه. 

والسادسة عنوانها " مستقبل الرواية العربية" أجاب فيها شفيق فريد عن السؤال المهم: هل تمكن أدباء الأجيال التي تلت نجيب محفوظ من تجاوزه؟ وأجاب عنه إجابة قاطعة بقوله: "لا يساورني شك في ذلك"، وقال إن نجيب محفوظ نفسه لا ينكر ذلك، بل إن درس محفوظ الأول هو: " تعلموا أن تجاوزوا ذاتكم كما تجاوزت ذاتي".

القسم الإنجليزي

ترجمة عنوان هذا القسم : "نجيب محفوظ، منظورات مصرية. تحية تقدير له في عيد ميلاده التسعين"

وهو يتضمن تصديرا موجزا لسمير سرحان، ومقالة طويلة بلغت ثلاثين صفحة كتبها محمد عناني عنوانها "حول ترجمة نجيب محفوظ إلى الإنجليزية"، ثم ببليوجرافيا بالإنجليزية أعدها ماهر شفيق فريد استغرقت نحو تسع وعشرين صفحة.

في التصدير سلط سمير سرحان الضوء على الحضور العالمي المتميز لنجيب محفوظ منوها باستمرار تأثيره الأدبي والثقافي بعد مرور ثلاثة عشر عاما (حتى وقت كتابة التصدير) على فوزه بجائزة نوبل، حيث ظل – وقد بلغ التسعين من عمره - مشاركا فاعلا في الحياة الأدبية، ومصدر إلهام لكتاب من مختلف  الأجيال، ولا تزال أعماله، تقرأ، ويعد بعضها من الكلاسيكيات العربية، واكتسب شهرة عالمية بترجمة أعماله إلى اللغات الأوربية، وقد أفرد له روجر ألن مادة في موسوعة الترجمة الأدبية إلى الإنجليزية الصادرة عام ٢٠٠٠ مع قائمة ببليوجرافية قصيرة، وتوصية بإعداد قائمة أشمل. وأشار عناني إلى القائمة الببليوجرافية الموسعة التي أعدها ماهر شفيق فريد، وإلى المقال الضافي الذي كتبه محمد عناني عن تطور لغة محفوظ وظهور الفصحى الحديثة اللذين تضمنهما هذا الكتاب في القسم الإنجليزي.

وذكر أن هذا الكتاب موجه إلى العرب وغير العرب من المختصين وعموم القراء، ورأى أن إصدار هذا الكتاب يعد أفضل تكريم للرجل بمناسبة بلوغه التسعين.

وفي مقاله عن "ترجمة محفوظ إلى الإنجليزية" أشار محمد عناني إلى وضع ترجمة الأدب العربي الحديث إلى الإنجليزية قبل حصول محفوظ على نوبل الذي كان يمضي في اتجاه واحد من الغرب إلى الشرق باختيار الأعمال التي تعكس إما صورة الشرق التي أنشأها الغرب، وإما ترجمة ما فيه جاذبية عالمية. ولم يكن الناشرون الأجانب متحمسين لنشر هذه الترجمات، ولم يكن الغربيون يعرفون شيئا يذكر عن الأدب الحديث، وقد تغير الأمر تغيرا جذريا بعد نوبل. وأشار عناني إلى أن هذا المقال عني أساسا برصد مراحل التطور في لغة نجيب محفوظ على مر السنين وتنوع الأعمال، ورأى أن هذا التطور مر بثلاث مراحل: 

أولاها الاستمساك بالتقاليد اللغوية والبلاغية التراثية، ويظهر ذلك في أعماله المبكرة. والثانية تكييف لغته للتعبير عن الواقع الداخلي والخارجي لشخصياته. والثالثة أسماها المرحلة التجريبية التي ظلت معه حتى آخر عمل له. وفي هذه المرحلة، كما يقول، لم تكن لغته موحدة أو متناسقة؛ بل متكيفة مع متطلبات فنه، وظهر كأنما يكافح للتخلص من التقاليد البلاغية لأسلافه، حتي استطاع أن يتخلص إلى الأبد من الرواية القصصية ومعها البلاغة التقليدية. ولم يعد من المقبول عنده الإبقاء على لغة الحوار كما كانت؛ فتحول به إلى حوار رشيق يحاكي العامية المصرية، بل كثيرا ما كان نقلا وفيا لها. وقد اكتشف الرجل قوة العامية التي تمنحها لحواره؛ لكن هذا التحول مثل مشكلة كبرى لكثير من المترجمين وبخاصة من ليسوا من أبناء العربية.

 لقد تقدم محفوظ، فيما يرى عناني، بخطوات واثقة في التعامل مع كل مستويات التجربة الإنسانية بلغة لم يستعملها أسلافه سهولةً وعذوبة وحيوية؛ حتى كان بإمكان أطفال المدارس قراءة الرواية دون أن يواجهوا صعوبات لغويه تعوق  تدفق القراءة وسهولة الفهم. وقد أورد عناني نماذج من بعض الروايات تدليلا على صحة ما قال.

ويعد هذا المقال من أبرز المقالات التي تناولت نجيب محفوظ من منظور عربي أكاديمي ناقد.

وقد كانت القائمة الببليوجرافية التي أعدها باللغة الإنجليزية ماهر شفيق فريد آخر ما ورد في هذا الكتاب وقد كان وراء إعدادها ونشرها فكر منظم؛ فلم تكن مجرد قائمة بما كتب بالإنجليزية عن نجيب محفوظ بل صنفت إلى الأصناف الآتية: الأعمال الببليوجرافية، أعمال نجيب محفوظ (الروايات، القصص القصيرة، المسرحيات ذات الفصل الواحد - المقالات - العناوين - المقابلات الشخصية -  عن نجيب محفوظ وسياقاته).

وبعد، فلا يزال هذا الكتاب بقسميه العربي والإنجليزي، برغم مرور أكثر من عشرين سنة علي إصداره الأول، وثيقة نقدية وثقافية نادرة، ومرجعا أساسيا لكل دارس لنجيب محفوظ فهو يجمع بين التلقي العربي والتلقي الغربي نقدا وتحليلا للأبعاد الإنسانية والاجتماعية والسيكولوجية والفلسفية فضلا عن الجوانب الفنية والجوانب اللغوية والأسلوبية ولم يأت بعده حتى الآن ما يجاوزه.