في زمنٍ تتزاحم فيه الألقاب، ظل الدكتور محمد رياض استثناءً نادرًا؛ عالمًا متبتلًا في محراب المعرفة، وراهبًا للجغرافيا كرّس حياته للبحث والتأليف وتربية الأجيال، ولم يكن حضوره مقصورًا على قاعات الدرس أو صفحات الكتب، وإنما كان مشروعًا فكريًا وإنسانيًا متكاملاً ترك أثره العميق في طلابه وقرائه وكل من عرفه عن قرب.

ولد محمد رياض في القاهرة يوم 18 سبتمبر 1927، والتحق عام 1945 بقسم الجغرافيا بجامعة فؤاد الأول "القاهرة حاليا"، وهناك بدأت ملامح مسيرته العلمية، التي سرعان ما ارتبطت بأسماء كبيرة من رواد الجغرافيا وعلم المصريات، وبعد حصوله على الليسانس، واصل دراسته العليا في معهد الدراسات السودانية عام 1949، حيث توثقت علاقته بالمؤسس الكبير أ.د محمد عوض محمد، وعدد من أعلام الفكر والعلم مثل د. أحمد فخري، د. عبد المنعم أبو بكر، ود. سليمان حزين.

د. محمد رياض.. من القاهرة إلى فيينا

وفي عام 1953، حصل على بعثة دراسية من جامعة القاهرة إلى جامعة فيينا بالنمسا، حيث نال الدكتوراه في الأنثروبولوجيا عام 1956، ومع عودته، التحق بقسم الجغرافيا بكلية الآداب – جامعة عين شمس، متدرجًا في المناصب حتى صار أستاذًا للجغرافيا، قبل أن تمتد خبراته خارج حدود مصر، حيث شارك في التدريس لسنوات مثمرة بجامعة بيروت العربية وجامعة قطر.

د. محمد رياض كان أستاذًا جامعيًا ومفكرًا صاحب مشروع علمي وفكري متكامل، وعلى مدى عقود، أصدر عشرات الكتب ومئات الأبحاث والمقالات، وأشرف على رسائل علمية صارت مراجع للباحثين.

إلى جانب مكانته الأكاديمية، تميز الدكتور رياض بروح إنسانية نادرة، كان قريبًا من طلابه، يجمع بين الصرامة العلمية والتواضع الإنساني، ويؤمن أن تكوين الطالب يتجاوز المعرفة إلى غرس القيم والإنسانية، لذلك بقيت صورته في قلوب من تتلمذوا على يديه أكثر من مجرد أستاذ، وإنما عرف بأنه المربي والصديق والأب.

إرث خالد

رحل الدكتور محمد رياض عن عالمنا أمس، وبقيت سيرته شاهدًا على رجل عاش للعلم والفكر، وترك إرثًا لا يزول: في كتبه التي ما زالت مراجع، وأبحاثه التي لا تزال حيّة، وطلابه الذين واصلوا رسالته جيلاً بعد جيل.

وتحت عنوان "مع الجغرافيا والإنسان فى مصر والعالم"، ألف الدكتور عاطف معتمد أستاذ الجغرافيا بجامعة القاهرة كتابا عن مشروع الدكتور محمد رياض الفكري، صدر قبل ثلاث سنوات، تتبع فيه مسيرته العامرة ومعالم تجربته وشهادته على عصره.