من الريف إلى ريادة الفكر.. سيرة محمد حسين هيكل أحد مؤسسي الرواية العربية الحديثة
بين تراث يثقل الأمة وحداثة تطلع إليها بحثًا عن هويتها برز محمد حسين هيكل، أحد أعمدة النهضة الثقافية والسياسية في مصر والعالم العربي، وأحد أهم رواد الأدب العربي الحديث فلم يكن مجرد أديب، أو سياسي، لكنه مشروع فكري متكامل جعل عبء التنوير همه في مرحلة حرجة من تاريخ الأمة.
ميلاده
ولد محمد حسين هيكل في مثل هذا اليوم من عام 1888 بريف الدقهلية، ودرس القانون في باريس، ثم عاد إلى مصر محمّلاً بأفكار الإصلاح والتنوير أكثر من الشهادات الأكاديمية، وانخرط في الحياة السياسية مبكراً، فكان عضوا ًفي لجنة الثلاثين التي وضعت دستور 1923، أول دستور حديث صدر في مصر، وعندما أنشأ حزب الأحرار الدستوريين جريدة أسبوعية باسم "السياسة الأسبوعية" تولى هيكل رئاسة تحريرها سنة 1926، حيث عبّر عن طموحات النخبة المثقفة ودعوات الإصلاح الدستوري في مواجهة الاستبداد والاستعمار.
شغل مناصب وزارية منها وزارة المعارف (التربية والتعليم لاحقًا)، وساهم في تطوير التعليم وربطه بروح العصر، مدافعاً عن أهمية التعليم المدني والعلمي كرافعة للنهضة.
واختير هيكل سنة 1941م نائبًا لرئيس حزب الأحرار الدستوريين، ثم تولى رئاسة الحزب سنة 1943م، وظلَّ رئيساً له، ثم تولى رئاسة مجلس الشيوخ سنة 1945م وظل يمارس رئاسة هذا المجلس التشريعي حتى يونيو 1950م، وتولى أيضاً تمثيل السعودية في التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية عام 1945م، كما رأس وفد مصر في الأمم المتحدة أكثر من مرة.
"زينب"
ونشر محمد حسين هيكل روايته الأولى "زينب" عام 1913، ولم يكن يدرك أنه يكتب السطر الأول في تاريخ الرواية العربية الحديثة، برؤية أدبية جديدة، رسم خلالها ملامح الريف المصري، وطرح قضايا اجتماعية بلغة لم يألفها القارئ العربي آنذاك.
كانت زينب صرخة ضد الإهمال والتهميش، ونافذة أطلّ منها القارئ على الإنسان المصري الحقيقي، لا الأسطوري، لكن هيكل اختار أن يوقّع الرواية باسم مستعار عنوانه "فلاح مصري"، في رسالة مبكرة مفادها أن الأدب يجب أن يكون صوت الناس لا نخبهم فقط.
"حياة محمد"
وأحدث كتاب "حياة محمد" الذي ألّفه هيكل في منتصف القرن العشرين، ضجة فكرية غير مسبوقة، إذ تناول فيه السيرة النبوية برؤية عقلانية وطرح منهجي غير تقليدي. دافع عن النبي محمد ﷺ باعتباره قائداً مصلحاً وصاحب مشروع حضاري، ورفض تقديم السيرة بوصفها سلسلة من المعجزات الخارقة، مؤكداً أن عظمة الرسول تكمن في إنسانيته ومبادئه.
ويأتي ضمن إصداراته "تراجم مصرية وغربية"، و"ولدي"، و"ثورة الأدب"، و"منزل الوحي"، و"الصديق أبو بكر"، و"الفاروق عمر"، و"هكذا خلقت"، و"الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة"، و"الإيمان والمعرفة والفلسفة"، و"عثمان بن عفان: بين الخلافة والملك"، و"قصص مصرية"، و"شرق وغرب".
وفاة "هيكل"
توفي محمد حسين هيكل في ديسمبر 1956، عن عمر يناهز 68 عامًا.