في ذكرى وفاته.. حنا مينه رائد الرواية الواقعية وصوت الكادحين في الأدب العربي
يُعد الروائي السوري حنا مينه الذي تحل اليوم ذكرى وفاته، وهو أحد أبرز أعلام الأدب العربي الحديث، وواحدًا من المؤسسين الحقيقيين للرواية الواقعية في سوريا والعالم العربي، عبر مسيرة أدبية امتدت لأكثر من نصف قرن، شكّل مينه خلالها صوتًا للطبقات المهمّشة، وعبّر من خلال رواياته عن هموم الناس اليومية، ولا سيما الكادحين، والبحارة، والعمال، والفقراء.
ميلاده وحياته
وُلد حنا مينه في مدينة اللاذقية عام 1924، وعاش طفولة صعبة ضمن أفراد أسرة فقيرة. تنقل بين مدن سورية عدة، وعمل في مهن متواضعة كحلاق وحمّال، وذلك قبل أستقراره في دمشق.
وشكلت تجاربه الحياتية القاسية محور أعماله الأدبية، التي اتسمت بالواقعية، والانحياز لقضايا الطبقة العاملة.
مشواره الأدبي
بدأ مينه مشواره الأدبي في الصحافة، حيث كتب في عدد من الصحف السورية، وعُرف بكتاباته السياسية والاجتماعية، قبل أن يتجه إلى كتابة الرواية، التي كرّس لها حياته فيما بعد.
وكان حنا مينه من أوائل المثقفين السوريين الذين سعوا إلى تأسيس منظمة تضم الأدباء والمفكرين تحت راية واحدة.
وفي عام 1969، توّجت هذه الجهود بتأسيس اتحاد الكتّاب العرب في دمشق، وكان لحنا مينه دور جوهري في صياغة الرؤية الفكرية لهذا الكيان، إلى جانب مشاركته الفعلية في وضع نظامه الداخلي وتحديد أهدافه الثقافية والوطنية.
عمل مينه مع مجموعة من الأدباء والمفكرين السوريين والعرب على ترسيخ الاتحاد كمؤسسة فاعلة، لا تكتفي بالتمثيل الرمزي، بل تقوم بدور حقيقي في دعم الإنتاج الأدبي، والدفاع عن حرية الكلمة، ومساندة الكتّاب في وجه التضييقات السياسية.
ولم يقتصر دور اتحاد الكتّاب العرب على النطاق المحلي، بل سرعان ما أصبح منصة للتنسيق الثقافي العربي، وشارك في دعم القضية الفلسطينية، ومناهضة الاستعمار، وتعزيز مكانة الأدب العربي في المحافل الدولية، وكان لحنا مينه دور واضح في ذلك، لما يحمله من انحياز لقضايا التحرر والعدالة الاجتماعية، التي شكلت محور أعماله الروائية.
أعماله الأدبية
ارتبطت أعمال مينه بالبحر، الذي جعله رمزًا للصراع، والحرية، والمصير الإنساني، فصوره في رواياته حيًا يعكس التجربة الإنسانية، وتعد رواياته"الشراع والعاصفة" عام 1966، و"نهاية رجل شجاع" عام 1991 و"الثلج يأتي من النافذة"خير دليل على ذلك.
كتب مينه أكثر من أربعين رواية، تُرجمت العديد منها إلى لغات أجنبية، وتناول من خلالها موضوعات متصلة بالكفاح الإنساني ضد الفقر والقهر، مع حضور دائم للمرأة، كعنصر مقاوم ومشارك في صنع المصير، حتى أن أدبه تجاوز الإبداع إلى مواقف فكرية وسياسية.
تكريمات
حافظ حنا مينه على مكانته الإبداعية كأحد أعمدة الرواية العربية، حاز عدة جوائز عربية ومحلية، واحتفى به القرّاء والنقاد، وتحولت روايته "نهاية رجل شجاع" إلى مسلسل شهير في تسعينيات القرن العشرين، ما أسهم في ترسيخ مكانته في الوعي الثقافي العربي.
وفاته
رحل حنا مينه في 21 أغسطس 2018 عن عمر ناهز 94 عامًا، تاركًا إرثًا روائيًا ضخمًا لا يزال مرجعًا لكل من يرغب في فهم تحولات المجتمع السوري والعربي خلال القرن العشرين.
وفي وصيته قبل الوفاة بسنوات كتب حنا مينه طالبًا ألا يُرثى أو تُنشر صوره أو يُبكى عليه، مؤكدًا أنه "أدى واجبه" وعاش "حياة صاخبة بالنضال والإبداع".