وسائل إعلام فرنسية تبرز تدهور العلاقات بين ماكرون ونتنياهو على مدار الأشهر الماضية
يبدو أن العلاقات بين فرنسا وإسرائيل تزداد توترا، وخاصة بعد قرار باريس الاعتراف بدولة فلسطين. إذ اندلع خلاف جديد بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهذه المرة حول قضية حساسة وهي معاداة السامية.
فقد اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، الرئيس الفرنسي بـ"تأجيج معاداة السامية"، بدعوته إلى الاعتراف بدولة فلسطين، ما دفع الإليزيه إلى الرد بحدة، واصفا تصريحات نتنياهو بالأمر "الدنيء ومبني على مغالطات".
وقال نتنياهو، في رسالة وجهها إلى ماكرون، إن الخطوة الفرنسية تؤجج "نار معاداة السامية"، مضيفا "أشعر بالقلق إزاء التصاعد المُقلق لمعاداة السامية في فرنسا، وعدم اتخاذ حكومتكم إجراءات حاسمة لمواجهتها. في السنوات الأخيرة، اجتاحت معاداة السامية المدن الفرنسية"، مؤكدا أنها تفاقمت منذ قرار فرنسا بشأن الاعتراف بدولة فلسطين.
هذه التصريحات أثارت استياء الرئاسة الفرنسية التي أكدت في بيان أن الربط بين قرار فرنسا الاعتراف بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل، وتأجيج أعمال العنف المُعادي للسامية، أمر "دنيء ومبني على مغالطات، ولن يمر دون رد". وأضاف الإليزيه أن "الجمهورية تحمي وستحمي دائما مُواطنيها اليهود... نحن نمر بفترةٍ تتطلب (التصرف) بجدية ومسؤولية، لا التشويش والتلاعب".
هذا الخلاف الأخير يبرز تصاعد حدة التوتر بين البلدين، وخاصة بسبب قرار باريس الاعتراف بدولة فلسطين.
وسلطت عدة وسائل إعلام فرنسية الضوء على هذا الخلاف بين ماكرون ونتنياهو على مدار الأشهر الماضية. فقد أشارت قناة "بي أف أم تي في"، في تقرير لها نُشر اليوم /الخميس/ على موقعها الإلكتروني، إلى أن العلاقات بين ماكرون ونتنياهو شهدت تحولا من الدعم إلى التوتر المتزايد خلال الأشهر الماضية.
ففور وقوع هجمات 7 أكتوبر، أعرب ماكرون عن "تضامنه الكامل" مع الدولة اليهودية، مؤكدا على "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". إلا أنه وبعد أسابيع قليلة، بدأ يدعو إلى وقف إطلاق النار، داعيا الحكومة الإسرائيلية إلى ضبط النفس لتجنب قتل المدنيين دون "مبرر".
وازدادت انتقادات ماكرون خاصة في مواجهة تعنت الحكومة الإسرائيلية في شن هجوم مميت على حركة حماس في قطاع غزة، على حساب أرواح الفلسطينيين والوضع الإنساني الكارثي الذي يشهده القطاع. وأضافت القناة أن في 13 مايو الماضي، وصف ماكرون تصرفات حكومة نتنياهو في القطاع الفلسطيني بأنها "مخزية" و"غير مقبولة"، وندد بـ"مأساة إنسانية". منذ بداية الحرب في 2023، لقي نحو 64 ألف شخص حتفهم في غزة، معظمهم من المدنيين، وفقا لبيانات وزارة الصحة التابعة لحماس، والتي تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة. وتحت الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، يُهدد المجاعة أكثر من مليوني فلسطيني، وفقا للأمم المتحدة. بدوره، أعرب نتنياهو عن استيائه من هذه التصريحات، واتهم الرئيس الفرنسي بالانحياز إلى "منظمة إرهابية قاتلة وتكرار دعايتها الكاذبة".
ونقلت القناة الفرنسية عن الباحث في المعهد الفرنسي للتحليل الإستراتيجي والمتخصص في شؤون الشرق ديفيد ريجولي-روز، قوله "بعد السابع من أكتوبر، كانت بعض تصريحات الرئيس ماكرون تُعتبر مؤيدة لإسرائيل بشكل مبالغ فيه، فيما اعتبرت أخرى على العكس مفرطة في انتقادها لها"، مضيفا "كان ماكرون يحاول الحفاظ على موقف متوازن، وهو النهج الذي ميز الدبلوماسية الفرنسية دائما، رغم تقلب الأحداث".
وأضاف الباحث الفرنسي: "مع مرور الأشهر الماضية، وفي ظل تدهور الوضع الإنساني في غزة، تولد لدى الإسرائيليين انطباع متزايد بأن فرنسا بدأت تنأى بنفسها تدريجيا عن مواقفهم".
وأشارت القناة إلى قرار الحكومة الفرنسية ، في يونيو الماضي، منع الشركات الإسرائيلية من عرض معداتها في معرض الدفاع البحري "يورونافال". وفي منتصف سبتمبر، صوتت فرنسا لصالح نص للجمعية العامة للأمم المتحدة "يطالب" إسرائيل بإنهاء وجودها غير القانوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة في غضون 12 شهرا.
وسرعان ما تحولت الخلافات الناجمة عن هذين الإجراءين إلى أزمة دبلوماسية. في مطلع أكتوبر، دعا ماكرون إلى وقف شحنات الأسلحة القتالية إلى إسرائيل. ردا على ذلك، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي في مقطع فيديو مستهجنا: "عار!"، مؤكدا أن على جميع الدول المتحضرة الوقوف بحزم إلى جانب إسرائيل.
بعد أيام قليلة، أكد ماكرون هذه النقطة بوضوح، وصرح في اجتماع لمجلس الوزراء بأن على رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يتذكر أن إسرائيل "أنشئت" بقرار من الأمم المتحدة، معتبرا أنه لا يجب أن "يتنصل من قرارات" المنظمة الدولية.
بدوره، صرح نتنياهو بأنه "خاب أمله بشدة" من الرئيس الفرنسي. وقال في تصريح لقناة "سي نيوز" الفرنسية: "لقد دعمنا في بداية الحرب، وشيئا فشيئا، لاحظتُ أنه يُغير موقفه ويتخذ مواقف تُخالف مصالحنا المشتركة".
منذ عام تقريبا، أخذت حدة التوتر بين الزعيمين في التصاعد، لتبلغ ذروتها، في نهاية يوليو الماضي، مع إعلان فرنسا عزمها الاعتراف بدولة فلسطين.
فقد أعلن ماكرون أن فرنسا ستعترف بدولة فلسطين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر المقبل. وكتب ماكرون على "إكس": "وفاء بالتزامها التاريخي بسلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، قررتُ أن تعترف فرنسا بدولة فلسطين. سأُعلن ذلك رسميا خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل".
أثار هذا الإعلان موجة من الإدانات من قبل الحكومة الإسرائيلية. ونقلت قناة "بي أف تي في " تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي انتقد القرار ووصفه بأنه "يشجع الإرهاب"، معتقدا أن دولة فلسطينية ستكون بمثابة منصة لإبادة إسرائيل، لا للعيش بسلام إلى جانبها.
في هذا الصدد، علق الباحث ديفيد ريجولي-روز قائلا: "بلا شك، شكل هذا الإعلان نقطة تحول في العلاقات بين الزعيمين، تتجاوز مجرد تقلبات الخطاب السياسي خلال الأشهر الأخيرة".
عقب ذلك، سارعت أكثر من عشر دول غربية، من بينها كندا وأستراليا وبريطانيا (بشروط) إلى إعلان نيتها اتباع خطى فرنسا.
كما سلطت صحيفة "ليزيكو" الفرنسية الضوء على تصاعد حدة التوترات بين البلدين، مشيرة إلى أن بعد أن أبدى ماكرون تضامنه مع إسرائيل بعد هجمات 7 أكتوبر، نأى بنفسه عن الحكومة الإسرائيلية وزاد من انتقاداته لاستراتيجيتها في غزة.
أما صحيفة "ميدي ليبر"، فقد أبرزت تدهور العلاقات بين ماكرون ونتنياهو بشكل أكبر، ووصل الصدام إلى التهديدات، مثل إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس.
ونقلت الصحيفة ما أفادت به صحيفة "يسرائيل هيوم" الاثنين الماضي، بأن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، قرر إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس، وذلك ردا على إعلان ماكرون بالاعتراف بفلسطين، إلا أن وزارة الخارجية الفرنسية، قد أكدت أنها لم تتلق أي إخطار من إسرائيل بشأن اعتزامها إغلاق القنصلية الفرنسية في القدس. وأفادت الخارجية "لم تُبلغنا السلطات الإسرائيلية بمثل هذا الإجراء الذي من شأنه أن يُلحق ضررا بالغا بعلاقاتنا الثنائية وأن يؤدي إلى رد فعل قوي".
وبذلك، تزداد حدة التوترات بين ماكرون ونتنياهو. وبالأمس، جدد الرئيس الفرنسي تحذيره من أن الهجوم العسكري الذي تُعده إسرائيل على غزة لا يمكن أن يؤدي إلا إلى كارثة حقيقية للشعبين، وسيجر المنطقة إلى حرب دائمة. وفي منشور على "إكس"، دعا ماكرون إلى نشر بعثة دولية لتحقيق الاستقرار في غزة، والعمل على إيجاد حل سياسي يلبي تطلعات الشعبين، الإسرائيلي والفلسطيني.