خلال فعاليات التراث الثقافي المغمور.. انتشال قطع أثرية ضخمة من مياه أبو قير
شهد شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، والفريق أحمد خالد حسن سعيد، محافظ الإسكندرية، واللواء قائد القوات البحرية، واللواء قائد المنطقة العسكرية الشمالية، فعاليات اليوم الثاني من أنشطة التراث الثقافي المغمور بالمياه، حيث تمت عملية انتشال ثلاث قطع أثرية ضخمة من أعماق البحر المتوسط بميناء أبو قير، وسط تغطية إعلامية محلية ودولية واسعة.
وشارك في الفعالية كل من يمني البحار، والدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، والمهندس أحمد يوسف، الرئيس التنفيذي للهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، والدكتور أحمد رحيمة، معاون الوزير لتنمية الموارد البشرية والمشرف العام على وحدة التدريب المركزي، إلى جانب عدد من سفراء وقناصل الدول الأجنبية بجمهورية مصر العربية.
وخلال الفعالية، تم انتشال ثلاث قطع أثرية بارزة، وهي: تمثال ضخم من الكوارتز على هيئة أبو الهول يحمل خرطوش الملك رمسيس الثاني، وتمثال من الجرانيت لشخص غير معروف من أواخر العصر البطلمي مكسور الرقبة والركبتين، وتمثال من الرخام الأبيض لرجل روماني من طبقة النبلاء.
وقد أعرب شريف فتحي، وزير السياحة والآثار، خلال كلمته، عن بالغ شكره وتقديره لكل من ساهم في إنجاز هذا العمل الاستثنائي، مشيدًا بالجهود المبذولة لإخراج هذه القطع الأثرية الفريدة من أعماق البحر المتوسط. كما ثمّن الدعم الكبير الذي تحظى به الآثار من القيادة السياسية، مؤكدًا أن ما توليه الدولة من اهتمام ورعاية أسهم بشكل جوهري في صون الهوية الحضارية وحماية الإرث الإنساني الفريد لمصر.
ووجّه الوزير الشكر للقوات المسلحة، والقوات البحرية، والهيئة الهندسية للقوات المسلحة، على تعاونهم المثمر ودعمهم المتواصل لإنجاح عملية الكشف وانتشال هذه القطع الأثرية النادرة من قاع البحر المتوسط.
وأضاف أن مصر ملتزمة التزامًا كاملاً بأحكام اتفاقية اليونسكو للحفاظ على التراث الثقافي المغمور بالمياه، موضحًا أن بعض القطع ستظل في موقعها الأصلي تحت الماء حفاظًا على قيمتها التاريخية، بينما يتم انتشال غيرها وفق معايير علمية دقيقة وضوابط صارمة.
واختتم الوزير كلمته بالتأكيد على أن هذا الحدث يوجه رسالة قوية إلى العالم أجمع بأن مصر دولة عظيمة، قادرة على صون تراثها العريق وتعزيز مكانتها السياحية العالمية، مشيرًا إلى نجاح مصر في جذب ما يقارب 15.8 مليون سائح خلال العام الماضي، ومواصلة جهودها لجذب المزيد خلال المرحلة المقبلة.
من جانبه، استهل الفريق أحمد خالد حسن سعيد كلمته بالترحيب بالسيد الوزير والسادة الحضور، معربًا عن فخره واعتزازه بتاريخ الإسكندرية العريق. وأكد أن الإعلان عن كشف أثري جديد في منطقة أبي قير لا يُعد مجرد اكتشاف لقطع أثرية نادرة، بل هو استعادة حقيقية لجزء من تاريخنا العظيم، وإضافة قيّمة إلى الرصيد الحضاري لمصر.
وأشار إلى أن اعتزازنا بالماضي يوازيه اعتزازنا بالحاضر، في ظل ما يوليه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، من رعاية واهتمام خاص بمحافظة الإسكندرية، من خلال تنفيذ مشروعات قومية كبرى، يأتي في مقدمتها مشروع مترو الإسكندرية (قطار أبو قير) وميناء أبو قير، والتي تُعد ركيزة أساسية في تطوير البنية التحتية ودعم التنمية المستدامة بالمحافظة.
وفي ختام كلمته، أعرب الفريق عن خالص شكره وتقديره للعاملين في مجال الآثار، وللبعثات البحثية والاستكشافية، على جهودهم في إحياء هذا التاريخ وصونه، ليبقى إرثًا خالدًا تتوارثه الأجيال.
كما أكد الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، على الأهمية الاستثنائية لموقع أبو قير الأثري، والذي يمثل شاهدًا حيًا على عظمة وتاريخ وحضارة مصر العريقة، موضحًا أن عملية انتشال القطع الأثرية من مياه البحر المتوسط جاءت بعد مرور 25 عامًا على آخر عملية مماثلة شهدتها مصر منذ توقيعها عام 2001 على اتفاقية اليونسكو الخاصة بالحفاظ على التراث الثقافي المغمور بالمياه.
وأشار إلى أن عملية الانتشال تعد خطوة محورية ضمن مشروع قومي تتبناه الدولة لتطوير خليج أبو قير، حيث نجح فريق من مفتشي الآثار بالمجلس الأعلى للآثار في العمل تحت سطح البحر، وكشفوا عن مبانٍ ثابتة ومنقولة غمرتها المياه عبر القرون، ربما نتيجة تغيرات جيولوجية أو زلازل أدت إلى هبوطها تحت سطح البحر.
وأضاف أن هذا الكشف يعكس حجم التعاون بين مختلف أجهزة الدولة في حماية وصون التراث المصري، مؤكدًا استمرار أعمال البحث والتنقيب تحت الماء لاكتشاف المزيد من أسرار أبو قير. كما كشف أن من بين الاكتشافات المرتقبة سفينة أثرية سيتم الإعلان عنها لاحقًا فور الانتهاء من الكشف الكامل والدراسة العلمية المتكاملة لها.
ويعد الموقع الذي جرت فيه عمليات الانتشال أحد أبرز الاكتشافات الأثرية التي تم رصدها خلال أعمال المسح الأثري السابقة في غرب مدينة أبو قير. ولا تزال المنطقة تخفي بين طياتها أسرارًا تكشف فصولًا جديدة من حضارة "مصر الغارقة" تحت مياه البحر المتوسط.
وأكدت نتائج المسح أن الموقع يمثل مدينة متكاملة تعود للعصر الروماني، تضم مباني ومعابد وصهاريج مياه وأحواضًا لتربية الأسماك، فضلًا عن ميناء وأرصفة أثرية، مما يرجّح أنه امتداد للجانب الغربي من مدينة كانوب الشهيرة، التي سبق اكتشاف جزء منها في شرق المنطقة.
كما كشفت الشواهد عن استمرارية حضارية عبر عصور متعددة تشمل "المصري القديم، والبطلمي، والروماني، والبيزنطي، والإسلامي".
وأسفرت أعمال البحث عن العثور على مجموعة كبيرة من الشواهد الأثرية المهمة، أبرزها: أمفورات تحمل أختامًا للبضائع وتواريخ إنشائها، وبقايا سفينة تجارية محملة بالجوز واللوز والمكسرات وبها ميزان نحاسي كان يستخدم للقياس، إضافة إلى تماثيل ملكية، وتماثيل لأبي الهول، ومجموعة من تماثيل الأوشابتي، ومرساوات حجرية، وعملات تعود للعصور البطلمية والرومانية والبيزنطية والإسلامية، فضلًا عن أوانٍ وأطباق فخارية، وأحواض لتربية الأسماك، ورصيف بحري يمتد بطول 125 مترًا.