"الثقب الأسود".. القصة الكاملة لسقوط شبكة استغلال الأطفال تحت كوبري في الجيزة
منذ نحو ثلاثة أشهر، رصد فريق مبادرة "متطوعين أطفال مفقودة" بقيادة الناشط رامي الجبالي، موقعًا غامضًا أسفل أحد الكباري بمنطقة الجيزة، يسمونه "الثقب الأسود"، وهو مساحة واسعة ذات مداخل ومخارج متعددة، مشتبهين في استغلالها بأنشطة غير مشروعة يشارك فيها أطفال قُصَّر.
كاميرات المتطوعين وثّقت مشاهد مقلقة على مدار فترة المراقبة نساء وأطفال وفتيات صغيرات، بعضهن لا تتجاوز أعمارهن 12 عامًا، يدخلن ويخرجن ليلًا ونهارًا، بجانب سيارات ودراجات نارية تتوقف لتسليم أغراض، وأطفال متسولون يعودون ليلًا للمبيت داخل هذا الموقع مع آخرين.
المشهد كان يتكرر يوميًا صباحًا يخرج البعض لشراء الطعام، وليلاً يعود العشرات ليناموا حتى الصباح، في دورة غامضة.
هذا الغموض دفع الجبالي إلى التقدم ببلاغ للجهات الأمنية، مطالبًا باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة تجاه هذا المكان المجهول والأشخاص المشتبه فيهم.
وزارة الداخلية أعلنت عن كشف ملابسات القصة، حيث تبيّن بالفحص أن المكان بدائرة قسم الأهرام، وتم ضبط 20 شخصًا (بينهم 8 سيدات و5 أطفال، و7 لهم معلومات جنائية)، وبحوزة 9 منهم أسلحة بيضاء.

المتهمون كانوا يستغلون الأطفال في التسول واستجداء المارة وبيع سلع بشكل إلحاحي، حيث جرى اتخاذ الإجراءات القانونية، وإغلاق الفتحة محل الواقعة، مع إيداع الأطفال في إحدى دور رعاية.
وقام حي الهرم بتوجيهات من محافظة الجيزة بغلق كافه الفتحات المشار إليها ومراجعة باقي المسار بطول الكوبري مع التكليف لمسئول القطاع بالمرور الدوري للتأكد من عدم إعادة فتحها.

الثقب أسود
كشف الناشط رامي الجبالي، قائد فريق مبادرة "متطوعين أطفال مفقودة"، تفاصيل قضية "الثقب الأسود"، منذ لحظة رصدها الأولى وحتى اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المتورطين.

يقول الجبالي في تصريح خاص لـ"دارالهلال"، "لدينا فريق من المتطوعين في مختلف أنحاء الجمهورية يقوم منذ عشر سنوات برصد وتصوير المتسولين الذين يستخدمون الأطفال، وذلك لمطابقة صور هؤلاء الأطفال مع قاعدة بيانات لدينا، حيث قد يكون بعضهم مخطوفين أو هاربين من أسرهم".
وأضاف: "أبلغنا أحد المتطوعين في إحدى المناطق بأنه لاحظ أطفالًا يدخلون إلى مكان أسفل كوبري، وصفه بـ"الثقب الأسود" أو "الخرم الأسود"، وأكد أنه يشك في أن هؤلاء الأطفال لا يخرجون منه بعد دخولهم، عندها طلبنا منه التأكد من وجود مخرج آخر في الجهة المقابلة، وتبين أنه لا يوجد مخرج، ومن ثم بدأنا برصد عدد الأطفال، أشكالهم، والفئة العمرية التي تتردد على هذا المكان، إضافة إلى محاولة التعرف على طبيعة النشاط الذي يُمارس داخله".
وتابع: "رغم أننا لم نستطع تحديد طبيعة النشاط بشكل قاطع، فإن المشاهدات أوحت بالكثير؛ إذ بدا واضحًا أن بعض الفتيات يدخلن المكان المغلق مع شباب، كما لوحظ خروج فتيان بملابس غير منطقية في سياق المكان والزمان، وكأنهم يقيمون هناك لفترات طويلة".
وأوضح: "كذلك، لفت نظرنا وجود كميات كبيرة من المياه يتم إدخالها يوميًا، ما يدل على أن هناك إقامة كاملة داخل المكان، أشبه بمن يعتبره منزلاً له".
وبمجرد أن نشرنا تفاصيل هذه الملاحظات، بعد التأكد من خطورة المكان على الأطفال، وذلك قرابة الساعة الحادية عشرة أو الثانية عشرة ليلًا، تواصلت معنا وزارة الداخلية بحلول الساعة الثالثة فجرًا للاستفسار عن الموقع.

رد سريع
وبحسب الجبالي، فإنه في صباح اليوم التالي، عند التاسعة تقريبًا، بدأت مختلف الأجهزة الأمنية المعنية في وزارة الداخلية التواصل معنا، بما في ذلك إدارة مكافحة الآداب، والأحداث، فضلًا عن مكتب مدير أمن الجيزة، للحصول على تفاصيل أدق تساعدهم في تقدير حجم الحملة الأمنية المطلوبة.
وأضاف: "بدا لي أن هذا التنسيق يعكس حرصهم على أن تكون الحملة فاعلة ومؤثرة، وليست مجرد حملة شكلية، وفعلًا، بعد فترة قصيرة من هذا التواصل، علمنا أن القوات الأمنية قد تحركت إلى الموقع، وألقت القبض على الأشخاص الموجودين داخله، وتم إغلاق المكان. وكان ذلك تحركًا سريعًا ومشرفًا".
وتكشف قضية "الثقب الأسود" عن أهمية اليقظة المجتمعية ودور المبادرات التطوعية في رصد الظواهر الخطيرة التي تهدد الأطفال والمجتمع.