رئيس مجلس الادارة

عمــر أحمــد ســامي

رئيس التحرير

طــــه فرغــــلي


غزة بين سيف الحرب وشبح الجوع.. خبراء: إسرائيل المسؤول الأول والمجتمع الدولي عاجز

23-8-2025 | 14:36


المجاعة في غزة

محمود غانم

لم يوقف الإعلان الرسمي عن وقوع مجاعة في محافظة غزة شمالي القطاع، التحركات العسكرية الإسرائيلية الرامية للسيطرة على المدينة، وسط تجاهل لما قد يترتب على ذلك من تفاقم الكارثة الإنسانية المستمرة منذ قرابة عامين بفعل الحرب.

وفي أول إعلان من نوعه منذ اندلاع الحرب، أكد تقرير صادر عن مقياس التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) وجود المجاعة في شمال غزة، متوقعًا امتدادها إلى محافظتي دير البلح في الوسط وخان يونس جنوبًا بحلول نهاية سبتمبر المقبل.

وفي المقابل، دعت دول ومنظمات المجتمع الدولي إسرائيل إلى الإسراع في إدخال المساعدات ووقف ما وصفته بـ"حرب الإبادة" على القطاع، للتخفيف من الأزمة الإنسانية المتفاقمة.

غير أن إسرائيل سارعت إلى نفي ما ورد في التقرير، مدعية أنها تعمل على منع وقوع المجاعة. إلا أن هذه المزاعم تتعارض مع إغلاقها الكامل للمعابر منذ الثاني من مارس الماضي، ومنعها دخول الإمدادات الغذائية والإنسانية، الأمر الذي تسبب في وفيات مرتبطة بالجوع، قبل أن تسمح مؤخرًا بإدخال كميات محدودة تحت ضغط دولي.

وتزامنًا مع ذلك، تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في المدينة التي يفتك بها الجوع، ضمن خطة أعلنت عنها لإعادة السيطرة على القطاع، على أن تبدأ من شماله.

 

إسرائيل تتحمل المسؤولية

وفي غضون ذلك، قال بركات الفرا، سفير دولة فلسطين السابق لدى مصر، إن إعلان المجاعة في مدينة غزة يمثل وصمة عار في وجه العالم المتحضر، الذي يقبل بهذا الوضع ويعجز عن مواجهة الطرف المسؤول عن هذه المجاعة، وهي إسرائيل.

وأكد السفير الفلسطيني، في حديث لـ"دار الهلال"، أن الاحتلال الإسرائيلي هو المسؤول الأول عن "المجاعة"، لأنه يمنع دخول المساعدات الإنسانية، ويمارس القتل اليومي والإرهاب والتهجير ضد أبناء الشعب الفلسطيني.

وأضاف أن أهالي غزة تحمّلوا ما لا يمكن لأي إنسان تحمله عبر التاريخ في خضم هذه الحرب، مشيرًا إلى أن العالم بأسره، المتحضر وغير المتحضر، يشهد على ما يجري في القطاع، ولكن دون أن يتحرك بالقدر المطلوب.

وشدد الفرا على أن إعلان المجاعة يجب أن يدفع المجتمع الدولي إلى التحرك الفعلي، فالأمر لا يقتصر على التصريحات، بل يتطلب إجراءات تلزم إسرائيل بإدخال المساعدات من غذاء ووقود وأدوية ولوازم طبية وغيرها، حتى يتمكن الناس من الحياة، وإلا فإنهم يحكمون على الفلسطينيين بالموت جوعًا، وهو ما يمثل مأساة حقيقية.

وعلى الجانب العربي، أكد أن المطلوب تحرك جاد من الجامعة العربية، وأن يكون لمجلس السفراء العرب في نيويورك موقف فعّال، يتناسب مع حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع.

وأوضح الفرا أن تمسك بنيامين نتنياهو بمواصلة الحرب وما أعلن مؤخرًا من عزمه احتلال القطاع يعود إلى حساباته الشخصية والسياسية، إذ يدرك أن أي اتفاق للتسوية سيؤدي إلى تفكك الائتلاف الحكومي القائم وسقوط حكومته، وهو ما يعني انتهاء مستقبله السياسي ومثوله أمام القضاء لمواجهة القضايا الكثيرة المرفوعة ضده، والتي قد تضعه في السجن.

وأشار إلى أن نتنياهو يحاول بكل وسيلة إطالة أمد الحرب من أجل الحفاظ على تماسك الائتلاف الحاكم، والابتعاد عن المحاسبة، في الوقت الذي يروج فيه لإنجازات كبرى ويتحدث عن "إسرائيل الكبرى" وتغيير الشرق الأوسط، بينما يرى كثيرون، بما في ذلك إسرائيليون، أن هذه مجرد شعارات لا قيمة لها على أرض الواقع.

 

المجتمع الدولي عاجز أمام إسرائيل

من جانبه، قال الدكتور محمد شاكر، أستاذ العلوم السياسية، إن "المجتمع الدولي" المعني بمواجهة إسرائيل وإجبارها على إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، فشل في القيام بدوره.

وأضاف أستاذ العلوم السياسية، في حديث لـ"دار الهلال"، أن ما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي الآن يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن "المجتمع الدولي" لا يظهر وجوده إلا عندما يتعلق الأمر بالقضايا العربية أو بدول العالم الثالث، أما في مواجهة إسرائيل فإنه يصبح أعمى لا يرى وأصم لا يسمع، مؤكدًا أنه لا يمكن التعويل عليه في حماية الأرض أو الكرامة أو القرار السياسي.

وأوضح شاكر أن الحالتين اللتين يمكن فيهما حل أزمة الجوع في القطاع، هما: نجاح الداخل الإسرائيلي في إبعاد اليمين المتطرف عن فكرة احتلال القطاع كاملًا، أو أن تدافع الدول المستهدفة بمخطط التهجير، مثل مصر والأردن، عن نفسها عبر اتخاذ قرار سياسي قوي ضد الاحتلال.

وأشار إلى أن مصر أثبتت حتى الآن قدرتها على حماية قرارها الوطني المستقل، ويبقى على الدول العربية الأخرى، خاصة المحيطة بفلسطين، أن تتحرك إلى جانبها دفاعًا عن أمنها القومي، لافتًا إلى أن نتنياهو أعلن صراحة مشروع "إسرائيل الكبرى" الممتد من الأردن إلى غيره من الأراضي، بما يمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي العربي.

وأكد شاكر أن المطلوب من الدول العربية اليوم هو التكاتف والتكامل، فالتهديد حقيقي وخطير، وأضعف الإيمان أن يكون هناك موقف عربي موحد، مشددًا على أن مصر تخوض منذ السابع من أكتوبر معركة شرسة على أكثر من جبهة: سياسية، دبلوماسية وأمنية، وتتحمل وحدها عبء المواجهة حمايةً لأمنها القومي.

وتابع أن إسرائيل ماضية في خطة احتلال قطاع غزة كجزء من حلم بنيامين نتنياهو الأوسع المسمى "إسرائيل الكبرى"، مستفيدة من الدعم الأمريكي غير المسبوق، مشيرًا إلى أن خلافًا قد يطرأ مستقبلًا بين تل أبيب والإدارة الأمريكية حول شكل إدارة القطاع بعد تفريغه.

وبيّن أن واشنطن تتعامل مع غزة بعقلية اقتصادية استثمارية تسعى لتفريغها من سكانها وإعادة إعمارها عبر شركاتها فيما سماه الرئيس السابق دونالد ترامب "ريفييرا الشرق الأوسط"، بينما تسعى حكومة نتنياهو إلى اقتلاع الفلسطينيين وإقامة المستوطنات ضمن مشروع "إسرائيل الكبرى".

واختتم شاكر حديثه مؤكدًا أنه رغم اختلاف الطرفين في الأهداف، فإنهما يلتقيان في الغاية ذاتها: إلغاء الوجود الفلسطيني على الأرض.